لم يكن للعرب معرفة بالفلسفة قبل الفتح الإسلامي للأمصار وما تبعه من ترجمات للعلوم اليونانيّة القديمة، ولذلك أصبحت الحكمة مرادفاً للفظة الفسلفة عند مفكري المسلمين في الكثير من كتاباتهم. ويُستخدم مصطلح الفلسفة الإسلامية ليعبر عن التصورات الفلسفية والأعمال الفكرية التي أُنتجت في ظل الثقافة الإسلامية. وقد بلغت أوجها عند الكندي الذي لُقّب بالمعلم الأول، والفارابي الذي أسّس مدرسة فكرية كاملة مستمدّة أصولها من أفكار أرسطو، وتبعهم ابن رشد الأندلسي. ولمناقشة أفكار هؤلاء الفلاسفة وغيرهم ، أصدر الدكتور جمال رجب سيدبي كتاب "في الفلسفة الإسلامية.. دراسة ونقد" في محاولة لإلقاء الضوء على بعض القضايا الكبرى التي تتصل بمجال الفلسفة الإسلامية بمعناها الشامل بقصد سبر غورها والوصول إلى كنهها، وذلك بتحليل أفكار شخصيات كبار مثل شخصية الملا صدر الدين الشيرازي وابن سينا وابن رشد وأبو حامد الغزالي ومسكويه وأبو البركات البغدادي، وكلها لها أثرها البالغ في محيط الفلسفة الإسلامية. وقد سعى الباحث _ كما ذكر فى تقديمه للكتاب _ للتأكيد على خصوصية التصور الإسلامي وتميزه عن التصورات الأخرى، "فالفكرة في محيط حضارتها تختلف في دلالاتها عندما تنقل إلى حضارة أخرى، وهذا ما حدث مع الفلاسفة المسلمين الذين استوعبوا فلسفة الإغريق، وأضافوا إليها وأبدعوا من بنات أفكارهم". النبوة عند الشيرازى الملا صدر الدين الشيرازى فيلسوف كبير من فلاسفة الإسلام، أصدر 40 كتابا فى الدين والفلسفة، وتميز بالحس النقدى الأصيل، وهو بحسب الفيلسوف الألمانى "هورتن" واحد من أعظم الفلاسفة في تاريخ الفكر البشرى. وفى تناوله لفلسفة الشيرازى أشار الباحث إلى مصادر فلسفته المختلفة، وتأثره بالمشائية وخاصة المتعلقة بنظرية الوجود، وكذلك تأثره بأفلاطون والأفلاطونية المحدثة خاصة المتعلقة بالنظرة الإشراقية، وكذلك تأثره بالفارابي وابن سينا والسهروردي ومحي الدين بن عربي والنسق الشيعي في مقولات الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة، وكذلك توظيفه لآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة. ويذهب الباحث إلى أن الشيرازي في معالجته لمشكلة النبوة كان متأثرا بالفارابي وابن سينا، ولاحظ الباحث أنه كان حريصا على التفرقة بين مقام النبوة والفيلسوف "النبوة وهبية تعتمد على اصطفاء الله واختياره لمن يراه أهلا لرسالته، لذلك فهو يعتمد في المعرفة على الوحي وليس على العقل، وإن أكد الشيرازي على أن كمال عقل النبي كان أساسًا لتلقي الوحي وإن افترق عن الفيلسوف في مخيلته كوسيلة للاتصال بالعالم العلوي. وفي معالجته لموضوع المدينة الفاضلة وصلتها بالنبي والفيلسوف، انتهى سيدبي إلى أن النبي والفيلسوف لهما القدرة على الاتصال بالعالم العلوي، فالأول يتصل بالعقل الفعال، وهنا تلتقي نظرية المعرفة مع مفهوم الاتصال لتحقيق السعادة للإنسان، ويعتمد الفيلسوف على منهج التأمل العقلي أو منهج البرهان بخلاف منهج العرفان عند النبي، فالنبي قد مر بنفس المراحل التي مر بها الفيلسوف، إلا أن الله قد حباه قوة المخيلة يستطيع من خلالها معرفة ما هو كائن وما سيكون في اليقظة وفي المنام، ومن ثم فالنبي له القدرة على الاتصال العلوي ويتفرد النبي بهذه القوة النفسانية الروحانية عن الفيلسوف. عن الغزالى وأقرانه وللباحث دراسات عدة عن الغزالي، وقد أضاف إليها هنا دراستين جديدتين شغلتا صفحات الفصلين الثانى والثالث من الكتاب. اختص الفصل الثاني بدراسة نظرية الوسط الأخلاقي بين مسكويه والغزالي، رأى سيدبي أنهما ربطا بين النظر والعمل في نسقهما الخلقي، والأخلاق في رأيهما ليست مجرد دعوة نظرية إلى اتباع السلوك الفاضل بل إنها في حقيقتهما فعل خلقي. وانتهت المقارنة بينهما إلى التأكيد على أن مسكويه لم يخرج فى تحليله لفكرة الوسط الأخلاقى عما ذهب إليه أرسطو، إلا أن الغزالى وبالرغم من تأثره بالفكر اليونانى إلا أن مرجعيته كانت إسلامية. وعن موقف ابن رشد النقدى من مشكلتي العالم والعلم الإلهى عند ابن سينا والغزالى، دار الفصل الثالث منتهيًا إلى عدة نتائج منها أن البعد النقدي عند ابن رشد بعدًا مهما في فكره فهو يتمتع بعقلية نقدية تتسم بالقدرة على الموازنة والترجيح والتحليل. ويرى الباحث "إن ابن رشد كان أكثر أصالة من سلفه الغزالي في محاولته النقدية، لأن الغزالي ذهب إلى تكفير الفلاسفة وخاصة بصدد مشكلة قدم العالم والعلم الإلهي، وفي نفس الوقت نجد الغزالي يؤمن بالتأويل كأداة منهجية، ولو وظف الغزالي هذه الأداة في معالجته لهذه المشكلات لكان أكثر اتساقا في موقفه، ولكن يبدو أنه في بعض مؤلفاته كانت تحكمه ظروف خاصة وأيديولوجية معينة". وأكد أن الغزالي كمتكلم أشعري انطلق من منطق كلامي في النهج والتفكير في حين أن ابن رشد كفيلسوف انطلق من منطق عقلاني في النهج والتفكير ومن ثم ترتب على ذلك اختلاف النتائج والغايات عند كل منهما. كان ابن رشد موفقا في معالجته لمشكلة العلم الإلهي، إذ نجده يقدم لنا رؤية تقترب من روح السلف وخاصة عندما يقيم تفريقه بين العلم الإلهي والعلم البشري لأن علم الله غير مجانس لعلمنا، ومن منطق نقده لقياس الغائب على الشاهد يقدم لنا رأيا وسطا لا ينكر علم الله الجزئي ولا الكلي بطريقة توفيقية تدل على أصالة ابن رشد في معالجة القضايا والمشكلات. أوحد الزمان أبو البركات البغدادى (هبة الله بن على بن ملكا) والمشهور بلقب أوحد الزمان واحد من أكبر فلاسفة الإسلام، سبق أن خصه سيدبى بكتاب تناول فيه الموقف النقدى للبغدادى من فلسفة ابن سينا، وقد خصه الكتاب بفصل ختامي تناول سيرة وفكر الطبيب والفيلسوف أبو البركات البغدادي مؤكدًا على أنه يمثل مدرسة قائمة بذاتها ولكنه مع ذلك تأثر بالمشائية في أشياء وعارضها في أشياء أخرى، ويذهب الباحث إلى إن ابن ملكا استطاع أن يقيم بناء فكريًا على أنقاض مشائية وأفلاطونية، إلا أنه "في نهاية المطاف نجح في أن يفرز لنا مذهبا متسقا ينم عن صاحب المعتبر، اعتبر واختير، وكان متفردا ومبدعا في آرائه وأفكاره، ولعل معالجته لإشكالية الخلق خير صدق على ما ندعي". خدمة ( وكالة الصحافة العربية )