لا يستطيع المواطن العربي أن يهرب بعيدًا هذه الأيام من شَرَك ( بفتح الشين والتاء ) الفضائيات الإخبارية ، لاسيما وهو يتابع أخبار المنطقة العربية الأكثر اشتعالا بفضل السياسات المرتبطة بإيران إزاء المنطقة بأكملها ، وأنا مثل كثيرين من أبناء هذا الوطن الكبير يرى خطرا في السياسات الإيرانية التي دوما تتسم بالتطرف والمبالغة فيه أيضا ، وأن دعاوى سيادة المنطقة العربية تظل حلما يراود أحفاد كسرى ، وخطر الشيعة لم يعد خافيا على العوام كما هو في يقين المثقفين العرب ، ولربما تنجح مؤقتا تلك السياسات الإيرانية في زعزعة استقرار المنطقة في ظل عدم التكاتف العربي السني أو حتى إيجاد صيغة موحدة معلنة بوضوح وبغير مواربة تندد أولا بسياسات متطرفة ثم الالتحام بصورة أبقى في وجه المد الشيعي الذي بدا يتغلغل بقوة في جسد البلدان العربية . ليس هذا فحسب ، بل إن بعض الدول الإسلامية كتركيا والعربية كقطر تجد في إيران فزاعة جديدة تشبه فزاعة جماعة الإخوان التي كان يتم استخدامها في وقت الفوضى السياسية بمصر ، وإذا كان الكاتب المصري المرموق محمد حسنين هيكل قد تنبأ ببعض أحداث المنطقة العربية لاسيما الخليج العربي والتوترات التي قد تنشب بين السعودية واليمن ليس كنظام سياسي بل لتيارات متناحرة متطرفة هي أمور وشيكة الحدوث ، فإن هناك تنبؤ آخر مفاده قيام حرب عالمية جديدة تدور أحداثها في منطقة الخير أعني وأقصد الوطن العربي . فهذا التوتر الإيراني ، والتصادم القطري مع دول الجوار ومصر ، والخيالات المريضة التي يتبناها رجب طيب أردوغان بشأن حلم الخلافة العثمانية البائسة ، ووجود إرهاب قوي يضرب المنطقة ، وسط جموح سافر من الكيان الصهيوني بفلسطين العربية وما تتبناه إسرائيل الصهيونية من فكرة إسقاط الوطن العربي ، كل هذه الأفكار إن لم يوافقهاويزامنها وعي وإدراك ووحدة وتكاتف عربي قوي فالحرب وشيكة لا محالة ، وسط وعي نسبي من مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة صوب تلك الإحداثيات التي تستهدف تقويض الوطن العربي . واستقراء سفير الكيان الصهيوني بالجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام بشأن ضرورة عدم تفكير الفلسطينيين في استرداد أراضيهم المغتصبة والعودة مضطرين إلى مائدة الحوار الأحادي بغير شروط ، تتزامن في الفكرة والشكل مع هذا التوتر الذي يمارسه الحوثيون مدعمين بسند إيراني مُعلن ضد المملكة العربية السعودية ، ودعوة إيران بالتسليم بمسمى الخليج الفارسي دون العربي ، ويقين أمريكي بثروات دول الخليج العربي بنفطه الذي لا ينضب هي حلقات من مسلسل طويل يستهدف تقويض الوطن العربي ، بغير تغافل عن السياسات الخارجية لدولة قطر وليس لشعبها تجاه كافة دول المنطقة وخصوصا مصر والسعودية والإمارات مستخدمة قنواتها الفضائية ، لاسيما قناتها المعروفة حاليا ب " الجزيرة كوميدي " . ولا أعرف لماذا وجدتني أتناول كتاب "صفحات مشرقة من تاريخ مصر القديم " للدكتور محمد إبراهيم بكر ، والذي يتناول شهادة التاريخ لمصر بالريادة في الفنون والعلوم والقوانين والآداب ونظم الحكم والسياسة والاقتصاد وأساليب الحياة المستقرة والمعاملات وازدهار الفكر الديني ، في نفس الوقت الذي أطالع فيه صباح مساء شعارات " علماء مصر غاضبون " المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي بسبب مطالبة أساتذة الجامعات المصرية بزيادة الرواتب والحوافز والارتقاء بالشئون المالية لديهم من جانب ، وهذا اللغط الذي يضرب جسد الوطن المصري من خلال المسلسل اليومي الهزلي الذي يبثه حصريا وبمفرده المقاول والفنان المصري محمد علي الذي أصبح أكثر شهرة بفضل موقع يوتيوب الإلكتروني ، وإعادة تلك الحلقات الفردية المونولوجية على قنوات الإخوان والجزيرة كوميدي كما اعتاد المصريون هذه الأيام تسميتها بهذا الاسم، من خلال حلقات مسلسله الهزيل والبليد والذي يتناول فيه شخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولكن سرعان ما أدركت أن سبب رجوعي للكتاب هو عظمة مصر التاريخية والآنية ، وكيف استطاعت مصر أن يمتد عطاءها الحضاري ليشمل بلا استثناء كافة البقاع المحيطة ، فكانت لها كما يقول المؤلف وتعكسه البرديات التاريخية أن لمصر اليد الطولى على حضارات البحر المتوسط عندما عبرت البحر إلى جزيرة كريت ، وإلى بحر إيجه وبلاد اليونان والرومان وحضارات العراق وفارس ، وانتقل إشعاعها إلى النوبة وشمال السودان والحبشة . وأيقنت أن من قدر مصر مواجهة السهام المستدامة التي تصوب نحو صدرها ، لكن أعداءها لم يفطنوا بعد أن مصر التي أصبح لديها عقب نصر أكتوبر المجيد درع وسيف ، هي وطن عظيم على رهان مستدام بشعبه وجيشه بغير انقطاع. وقد لا يهمني ردود أفعال المصريين بشأن دعواته المستدامة بالثورة والوقوف في الميادين من جديد وإعلان العصيان المدني في وجه السيد الرئيس ، بنفس قدر عدم الاكتراث مما فعله الفنانون والمطربون وأشباه المطربين المصريون من دفاع عن الرئيس في صورة رسائل مرئية قصيرة تم بثها أيضا من خلال موقع اليوتيوب . هذا الموقف نجم عن دوافع عدة ؛ أبرزها الظهور المباشر الحي للرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن فعاليات منتدى الشباب المصري الأخير الذي عقد في منتصف الشهر الماضي ، ليرد على التساؤلات المسكوت عنها في صدور المصريين تجاه الترهات اليومية التي يبثها معاول الهدم المقاول والفنان الفاشل محمد علي ، وبرغم ما أعلنه الرئيس من محاولات كافة الأجهزة السياسية المحيطة به بعدم الرد على هذه الحلقات المسلسلة لمحمد علي إلا أنني أتفق معه في مواجهة تلك التصريحات . ليس بغريب على هذا الوطن أن يكون من قدره البقاء صامدا قويا في الوقت الذي تتهاوى فيه معظم الحكومات العربية وفي ظل التوحش الصهيوني المدعوم بالرعاية الأمريكية ، وإن كان كثيرون سيقولون أن هذا القول من ضرب نظرية المؤامرة ، لكنها الحقيقة التي لا تقبل الشك ، فبنظرة سريعة إلى كافة المجريات اليومية التي تعصف بالدول العربية وبأمنها تظل مصر الدولة الوحيدة الصامدة ضد أي تغلغل أو محاولة لتقويض أمنها وأمانها. وتبدو محاولات معاول هدم المقاول محمد علي بائسة في ظل يقظة الملايين من المصريين الذين يقدرون عظمة وقيمة هذا الوطن ، وبات أمرهم أنهم ليس فقط يؤيدون الرئيس عبد الفتاح السيسي بقدر ما هم يحافظون على استقرار وطن بأكمله من أية محاولات زعزعة أو هزات لثبات الأرض الطيبة مصر العظيمة. ولست بمستغرب أبدًا أن تحتضن قناة الجزيرة كوميدي حصريات المقاول محمد علي الذي يدعي أنه يخطط لثورته منذ ثمان سنوات متواصلة وكأنه عراف زمانه ، وكنت أتمنى وهو يقود ثورته الإلكترونية الفاشلة بفضل وعي ويقظة المصريين أن يقدم حلولا وطروحات تؤدي إلى مساعدة الدولة لنجاح خطط التنمية بدلا من الهجوم القاصر على شخصية الرئيس وكأنه لا يريد سواه ولا يسعى لمصلحة الوطن ، وهذا بالضرورة يتوافق مع سياسات قناة الجزيرة كوميدي التي تتبنى أية مساعٍ للنيل من مصر رئيسا وشعبا وجيشا ، وأنا قد ألتمس لهذه القناة الكوميدية الهزلية لأنها تقف أمام جيش هو الأقوى في المنطقة ، وأمام شعب هو الأبقى صمودًا وبسالة. ولعل فشل مساعي وخطط المقاول محمد علي والممولة بالضرورة من جهات خبيثة بائسة يعود إلى أن المنفذ المستدام لبث مسلسلاته الكوميدية الحاقدة هو قناة الجزيرة التي يرفضها المصريون ويعلمون أنها المحرضة الأولى ضد مصر ورئيسها ، بل يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يمثل عقدة نفسية مزمنة لدى أصحاب هذه القناة وحدهم دون بقية الشعب القطري الذي لا يتعاطف مع سياسات حكامه ونظامه الداخلي الذي يتسم حسب توصيف بعض الصحف العالمية بالقمعي . ثورة مرتقبة يدعو لها هذا المقاول ولم يفطن أن المصريين قد فطنوا إلى الدرس جيدا ، وأنهم نجحوا وفلحوا في إدراك المخطط الذي يحاك لهذا الوطن العظيم ، وأن جهات خارجية استطاعت أن تستقطب ضعاف النفوس والقلوب والضمائر من أجل الهجوم على مصر بأي صورة رئيسا أو جيشا أو شعبا أو حتى رموزها الخالدة ، والهدف أن تصير مصر دولة ضعيفة أو بالكاد تصبح مثل كل الدول والبلدان التي عصفت بها انتفاضات الربيع العربي مثل سورية وليبيا واليمن وتونس ، ومن قبلها العراق الذي كان عظيما يوما ما . إن مصر بالفعل بات من قدرها أن تتعرض لحملات تشويه وهجوم عقب أية مشروعات كبرى أو احتفاليات أو فعاليات محلية أو قومية أو عالمية ، وكأن بعض الدول والتنظيمات الإرهابية ترفض أن تتكرر ظاهر جمال عبد الناصر في زعامة المنطقة ، لكن قدر مصر أن تتزعم إفريقيا لا بقوة السلاح أو منطق العنف ، بل بإحداثيات الريادة والمكانة والرقي المستمر ، وأصبح بمقدورها أن تفتخر بوعي شعبها الرائع الذي أدرك على الفور خطورة تلك المسلسلات الخبيثة التي تصدر يوميا من قناة الجزيرة كوميدي التي لم تنفك عن بث الفيديوهات المفبركة التي اعتاد على مشاهدتها المصريون بنوع من الضحك والسخرية والاستهزاء.