يُعدّ قصر السكاكيني من أقدم قصور مصر، وتمّ تشييده عام 1897م. وتعود تسميته إلى حبيب باشا السكاكيني، وتمّ تشييده على أيدي معماريين إيطاليين جاءوا خصيصاً للمشاركة في تصميم وبناء القصر، الذي يُعتبر مزيجاً بين الطرازات المعمارية وفن الروكوكو. ويقع القصر في ميدان السكاكيني وسط القاهرة القديمة بمنطقة الظاهر. وبنى حبيب السكاكيني قصره على قطعة أرض مُنحت له تُسمى بركة الشيخ، وشيّده على الطراز الإيطالي، حيث شيّدته شركة إيطالية كلفها حبيب باشا السكاكيني بأن يكون نسخة من قصر شاهده في إيطاليا ونال إعجابه. وقد اختار لقصره موقعاً جذاباً ينبثق منه ثمان طرق رئيسية، ولم يكن الحصول على مثل هذا الموقع سهلاً آنذاك، لكن علاقة حبيب باشا السكاكيني مع الخديوي سهّلت هذا الأمر. ويحيط بالقصر عدد من المساكن المتهالكة التي جعلته يختفي، لأنها لا تملك حساً جمالياً، لا سيما ليلاً، فضلاً عن اختفائه كلياً في ظلام الميدان، بالرغم من تصنيفه ضمن آثار القاهرة، إلا أن القصر يُعاني من عدم الاهتمام، وسُميت المنطقة المقام بها القصر على اسم صاحب القصر حبيب باشا السكاكيني، أو غابرييل حبيب السكاكيني المولود عام 1841م وتوفي عام 1923م، فهو من مواليد دمشق بسوريا، جاء إلى مصر بعمر يتراوح بين 16 و17 عاماً، ليتولى وظيفة بشركة قناة السويس في بورسعيد، وظل بها أربع سنوات ثم توجه إلى القاهرة. ونظراً لقدرته على الحل السريع والابتكار قام الخديوي إسماعيل بتكليفه بمهمات شاقة، مثل استكمال بناء الأوبرا الخديوية، وأصبح يعمل تحت يد المعماري الإيطالي بيترو أفيسكاني، وخلال ثلاثة أشهر انتهت أعمال بناء دار الأوبرا في الوقت المناسب، استعداداً لزيارة ملوك العالم إلى مصر، لحضور افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر عام 1869م. ونال السكاكيني في الأربعين من عمره لقب (بك)، وبعد عقدين آخرين منح اللقب البابوي (الكونكت) تقديراً لخدماته المجتمعية، حيث أصبح من المقاولين الأثرياء آنذاك، واشترك بدور بارز في حفر قناة السويس، وقد لُقب بالسكاكيني لأنه جمع ثروته قبل العمل في المقاولات من تجارة السكاكين والأسلحة. ويشتمل القصر على قباب مخروطية الشكل، وتصميم بيزنطي ينتمي للعصور الوسطى، ولكنه يبدو الآن في غير مكانه وسط المباني الحديثة والزحام الشديد، والنظر إلى القصر لا يعطي الانطباع الصحيح عن مساحته الشاسعة، حيث بُني القصر على مساحة 2698 متراً مربعاً، ويضمّ أكثر من 50 غرفة، ويصل ارتفاعه إلى 5 طوابق. يحتوي القصر على 400 نافذة وباب و300 تمثال، ومنهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر، وعلى الرغم من عدم اتساع الحديقة المحيطة بالقصر، إلا أنها ساعدت على عزل القصر من المباني الحديثة من حوله. وتعرّضت بعض أجزاء القصر للانهيار والشروخ نتيجة الإهمال، فضلاً عن اختفاء بعض النقوش والتماثيل التي تحيطه من كل جانب تحت الأتربة والتلوث، وسرقة معظم الحراب الحديدية للسور الخارجي. كما كان يوجد تمثالان كبيران لحيوانين داخل السور بالقرب من الباب الرئيسي للقصر، لم يظهر من وجهيهما ما يدل على فصيلتهما بسبب طمس ملامحهما وكسر أقدامهما الأمامية. ويمتلئ قصر السكاكيني بزهور اللوتس الزخرفية الموجودة في مدخل الباب الرئيسي في الجهة الشمالية، وكذلك فوانيس الإضاءة القديمة التي تعلو الأعمدة على جانبي القصر، وتمثالان من المرمر كانا يحملان على عمودين يوجدان على جانبي المدخل، ولكنهما غير موجودين في الوقت الحالي، نتيجة أعمال السرقة التي تعرّض لها القصر. كما يُعاني سقف الطابق الثاني من الانهيار، بعد أن سقطت القشور منه وظهرت القطع الخشبية التي يحتوي عليها القصر. وعلى اليمين قليلاً يوجد تمثال لفتاة تقف على شكل زخرفي يشبه التاج وتُسمى درة التاج. ويقول لطفي العادلي، الخبير الأثري: بعد وفاة حبيب باشا قسمت ثروته بين الأحفاد، وقاموا بمنح الدولة القصر. وفي عام 1961م تمّ نقل متحف التثقيف الصحي من عابدين إلى قصر السكاكيني بأمر من محافظ القاهرة. وفي عام 1983م صدر قرار وزاري من وزارة الصحة بنقل متحف التثقيف الصحي إلى المعهد الفني بإمبابة، وتمّ نقل بعض المعروضات إلى إمبابة والبقية تمّ تخزينها وقتئذ في بدروم أسفل القصر. ويضيف: تمّ تسجيل هذا القصر في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1691م لعام 1987م، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار، ويفتح القصر للزوّار الذين يكون أغلبهم من طلبة الفنون الجميلة وكلية الآثار، لدراسة التماثيل والزخارف واللوحات الفنية التي تملأ القصر، لا سيما وأن غرف القصر الفارغة تشعر مَنْ يمر بها برهبة وروعة المكان، واستنشاق رائحة المجد الغابر. ويشير إلى أن القصر كان يُعدّ بمثابة لوحة فنية نادرة، لكنه تحوّل في ظل تجاهل الدولة إلى وكر للحشرات والأشباح ومقر للباعة الجائلين، بعد تنازل الورثة عن القصر للحكومة. وظل القصر يُعاني من الإهمال على الرغم من تخصيص منحة لترميمه، وصبغ جدرانه من الخارج وتجديدها من الداخل، لكنه تأثر بالعوامل الطبيعية حيث اختفت الكثير من معالمه.