قد يكون ممتعاً فعلاً لقاء روائية مصرية مجهولة عربياً تكتب بالإنكليزية، ويزيد متعة اللقاء أن الحوار الذي تضمنه هو أول حوار لها مع صحيفة عربية. هناء فيلدنج الروائية المعروفة في بريطانيا والحائزة جوائز عدة والمترجمة إلى لغات عدة، لا تزال مجهولة في الساحة الأدبية العربية، على رغم إصرارها على جذورها المصرية التي لم يؤثر فيها انتماؤها البريطاني، وهي التي ولدت في الإسكندرية ونشأت وتعلمت فيها تدأب على زيارة مصر سنوياً، من دون أن تكون على علاقة بجوها الأدبي. كتبت هناء روايات كثيرة بالانكليزية ومنها: «حرق الجمر»، «أصداء الحب»، «التنكر»، «الإرث»، «دموع أفروديت» وسواها، وبات لها قراء يتابعونها في العالم الأنغلوساكسوني، ورواياتها تدور في غالبيتها حول قصص الحب والصراع الداخلي بين العشاق وما ينجم عنه من مآس وتراجيديات. لا تجيد هناء كثيراً قراءة العربية وتتحدث قليلاً باللهجة المصرية اللطيفة التي تحافظ عليها. في معرض الشارقة للكتاب كان لي هذا اللقاء معها. «رحلة إلى بلاد الأندلس» هي أول رواية لك تصدر باللغة العربية علماً أن تجربتك الروائية تمتد سنوات ولديك روايات أخرى. لماذا هذا التأخر في ترجمة أدبك إلى لغة أهلك وأجدادك أي العربية؟ - هذا السؤال يحمل الكثير من الوجوه، وهو سؤالٌ مثيرٌ للاهتمام. بدأتُ كتابة القصص لأول مرة لأصدقائي عندما كنت في المدرسة، لم أتوقف أبداً، وقد كتبت كل مقالاتي الأولى باللغة الفرنسية – كنت في مدرسة نوتردام دو سيون في الإسكندرية. في المنزل، كنا نتحدث العربية والإنكليزية، لكنني تزوجت برجل إنكليزي وعشنا مدة تقارب الثلاثين سنة في إنكلترا، أصبحت اللغة الإنكليزية لغتي الأولى وقد كانت رواياتي الست المنشورة أولاً كلها باللغة الإنكليزية. النشر أمر صعب، ولكن هذه ليست سوى الخطوة الأولى، إذ إنَّ العثور على جمهور للقصص التي أريد إخبارها يستغرق وقتاً، كنت شديدة التركيز على الكتابة إلى درجة أنني لم أكن أبحث عن الترجمة في الخارج، عندما تعرفت إلى الناشر اللبناني ناصر جروس صاحب دار جروس، تفاوضت مع ناشرتي في المملكة المتحدة لترجمة هذه الرواية إلى اللغة العربية للمرة الأولى، وشعرت آنذاك بسعادة غامرة، السيد ناصر جروس داعم ولطيف للغاية، لذلك كانت العملية شديدة السهولة بالنسبة إلي، لكن أهم ما في الأمر هو ما إذا كانت كتبي ستوفر التسلية والترفيه لجمهور من الناطقين بالعربية، آمل كثيراً بأن يفعلوا ذلك. هذه الرواية هي الجزء الأول من ثلاثية حول الأندلس: ما الذي جذبك إلى الأندلس لتجعليها مكاناً وزماناً لعملك الروائي؟ لماذا اخترت الأندلس تحديداً؟ - أبدأ بمثل: أنا أحب أن أطبخ، لكنني أجد أن صنع الخبز عملٌ شاقٌّ، يتضمن إنشاء كعكة ناجحة الجمع بين عناصر كثيرة، إنني أحب تطوير كتاب جديد، بالنسبة إلي. إنني أبدأ بالنكهة والرائحة والملمس، هذا كل شيء عن المكان. ومن دواعي سروري أن أقوم بالبحث واكتشاف أماكن جديدة تصلح للسرد الرومانسي، الأندلس هي واحدة من أكثر الأماكن رومانسية على وجه الأرض، المزيج القديم من المغربيين والأوروبيين، والتاريخ القاسي والشمس والعمارة والشعب. من منا لا يكتب رواية هنا؟ لقد كُتبت روايات كثيرة عن الأندلس سواء بالعربية أم باللغات العالمية، لكن الروائيين العرب تعاملوا مع الأندلس تعاملاً يختلف عن الروائيين العالميين، فهم دوماً يتحسرون على فقدان الأندلس وعلى خروج العرب منها. كيف تصفين شعورك كمصرية الجذور بخسارة العرب الأندلس؟ - سؤال آخر مثير جداً للاهتمام. بادئ ذي بدء، هل أنا روائية مصرية الجذور؟ الجواب عن ذلك هو نعم وبفخر شديد! لقد نشأت أولاً في المنيا ومن ثم في الإسكندرية، غادرت للدراسة والعمل في الخارج عندما كنت في أوائل العشرينات من عمري، تزوجت في الإسكندرية، لكنني عشت مع زوجي أول الأمر في لندن، عندما دُعي زوجي إلى تولي أعمال تجارية في إسبانيا، شعرت بالدهشة عندما وجدت نفسي أعود للعيش في القاهرة، وُلِدَ طفلاي في القاهرة، وكان لديّ عشر سنوات رائعة للعيش هناك في محيط عائلتنا المصرية الضخمة، أزور مصر مرة واحدة في الأقل كل عام وسوف أكون دائماً كذلك، لذلك، فإن جذوري المصرية قوية وشديدة جداً. كتابي «نزوة»، هو الجزء الأول من ثلاثية الليالي الأندلسية، بعد أن كتبت الرواية الأولى، وجدت أنه لا يزال لدي الكثير لأقوله عن الأجيال المقبلة، آمل بأن أقنع السيد جروس بترجمة الكتابين التاليين إلى اللغة العربية في أقرب وقت ممكن! أحد الأشياء الأكثر إثارة التي وجدتها في رحلاتي هي محور التاريخ، تروي الثقافات المختلفة تاريخها بطرئق مختلفة. في بعض الأحيان، يؤدي هذا إلى روايات متضاربة مباشرة، في أغلب الأحيان، يكون اهتمام إحدى الثقافات في التركيز على السرد الذي لا تراه ثقافة أخرى أمراً ذا أهمية، ويركز التاريخ الأوروبي على نمو أوروبا أو تطورها، ولا يُنظر إلى الرواية العربية إلّا عندما تلامس أوروبا، لذلك، يتم تعليم الأطفال الأوروبيين عن تشارلز مارتل (والد شارلمان) الذي هزم المغاربة، والملكة إيزابيلا والملك فرديناند اللذين طردا المغاربة من إسبانيا عام 1485. لكن تجربتي تشير إلى أن الأوروبيين لا يدرسون بتعمق التبادل التوليدي للأفكار بين الباحثين العرب والأوروبيين، الذين يمكن اعتبارهم مؤسسي النهضة الأوروبية. هذا موضوع كبير ويجب أن أقول أنني اتخذت قراراً واعياً بأن رواياتي يجب أن تكون ممتعة ومسلية. هناك كثر من المعلمين والمفكرين ممن هم أكثر دراية مني، والذين يقومون بعمل رائع في فتح مجالات الدراسة المهملة. هل استوقفتك روايات معينة عربية أو عالمية عن الأندلس؟ هل حاولت أن تكتبي أموراً جديدة عن الأندلس، أو أن تلقي عليها نظرة مختلفة؟ وهل كانت الأندلس فعلاً تمثل في نظرك أرض الحوار بين الحضارات والأديان؟ - لا شك في أن تأثير الحضارة العربية في الأوروبيين عبر إسبانيا في القرون ما قبل 1485 كان قوياً جداً. لكنني أعيش في الوقت الحاضر. لقد وضعت رواياتي في الماضي القريب لأنني لا أريد أن أتورط في القضايا الحالية. الأندلس بالنسبة إلي هي إعداد سحري لقصة حب. أستكشف العلاقات بين الجنسيات المختلفة لأن هذا هو العالم الذي أعيش فيه. لكن بالنسبة إلي، من المهم التأكد من أن قصة الحب هي السرد الأساسي. من يطلع على رواياتك يلاحظ أنها تدور في جغرافيات متعددة مثل كينيا الأفريقية واليونان وإيطاليا وإسبانيا... هل تفكرين في كتابة رواية تدور في بلد عربي أو في مصر؟ - عندما أخبز، أول أعمالي هو تسخين الفرن. عندما أكتب، يكون «تسخين الفرن» في البحث الذي يجعل خيالي يسير. لقد كتبت في الواقع قصة في مصر، والتي آمل بأن تنشر في غضون سنة أو نحو ذلك. إنها في حاجة إلى المزيد من العمل! لكنها كانت رواية تصعب كتابتها، أنا أعرف مصر جيداً، وأحب كل جزء من ثقافتها وشعبها وتاريخها، المادة القصصية المصرية فريدة من نوعها ومعقدة، هذا يجعل كل عبارة تحدياً لتقديم معناها الصحيح لهذا، فإنني معجب جداً بتدفق المؤلفين الموهوبين والصحافيين والسينمائيين الذين تحتفظ بهم مصر. عندما أكتب عن البلدان الأخرى، فإن الاختلافات الجديدة والمذهلة مفعمة بالحيوية إلى درجة أنني أفقد كبتي وتتدفق الكلمات بسهولة، وأود أن أشير إلى أن فرصة زيارة معرض الشارقة الدولي للكتاب مثيرةٌ للغاية بالنسبة إلي، إنها تمنحني الفرصة لمقابلة أشخاص من أماكن مختلفة ممن يقدمون لي أفكاراً لم أفكر فيها من قبل، ليس هناك شك في أنها تحفزني للكتابة عن العالم العربي أكثر مما كنت عليه حتى الآن. كتب روائيون عالميون عن الإسكندرية ومنهم مثلاً دوريل في «رباعية الإسكندرية»، وقد جذبت الإسكندرية الكثير من الروائيين والشعراء العالميين لأنها كانت مدينة كوزموبوليتية، ألا تفكرين في كتابة رواية عن الإسكندريةالمدينة التي ولدت فيها ونشأت ودرست فيها؟ - رواية عن الإسكندرية يجب أن تكون ملحمة! عندما كنت طفلة، كنت أعيش في منزل عائلتي في شارع صرويت، الرملة. ذهبت إلى المدرسة في جياناكليس. كنت أتناول الآيس كريم في سان ستيفانو، أصطحب أطفالي ليمضوا ثلاثة أشهر كل صيف على الشاطئ في المتنزه، الصعوبة هي من أين أبدأ وما أقول وما لا أقول. في الحقيقة أشعر بأنني ما زلت أتطور ككاتبة، إن تقنيتي أفضل مما كانت عندما بدأت. أنا أقوى بما أكتب عنه، أعتقد أنني سأعرف عندما أكون مستعدةً للكتابة عن الإسكندريةالمدينة الأقرب من أي شيءٍ من قلبي، ليس بعد. الروايات التي تكتبينها تندرج تحت ما يسمى الرواية – النهر فهي روايات مغامرات وحب وسفر، وغالباً ما تكون طويلة تجذب معها القارئ في لعبة السرد التشويقي. كيف تصفين النوع الروائي الذي تكتبينه؟ هل تنتمين إلى مدرسة روائية معينة؟ - «الرواية - النهر» هو مصطلح جيد. أقوم بتجربة تقنيات جديدة، ولديّ فريق تحريري رائع يخبرني بحزم عندما لا تصيب الأشياء! ولكنّ أهم شيء بالنسبة إلي هو تقديم قصة تسلي وتسعد. يمكن أن تشغل الكتابة الذكية القارئ عن التدفق السردي، وهذا آخر شيء أريده. إن طول الرواية قضية حديثة جداً للروائيين في كل مكان، أجهزة الكمبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي، ووتيرة الحياة الحديثة –هذه الأشياء كلها تثني عن فرحة الفخامة في هروب طويل إلى عالم آخر، لكن الناس ما زالوا يمضون ساعتين أو ثلاث ساعات في مشاهدة فيلم ما، لذلك أعتقد أن هناك طلباً على رواية مسلية تقدم ساعات عدة من القراءة و لأيام عدة، قد يكون هذا جدلاً ذاتيّ الخدمة لأن رواياتي تأخذ ما هو ضروري لسرد السرد حتى النهاية، ولكن يبدو أن هناك جمهوراً لا يزال يحبذ كتاباً جيداً في فصل الشتاء يصبح الصديق لمدة أسبوع أو أكثر. أنت درست الأدب الفرنسي وحصلت على شهادة جامعية في هذا الأدب. هل فكرت يوماً في الكتابة بالفرنسية؟ لماذا اخترت اللغة الإنكليزية؟ - كانت دراستي في الأدب الفرنسي وقتاً سعيداً للغاية بالنسبة إلي، درست في جامعة الإسكندرية، وأنا أعيش في المنزل، اللغة الفرنسية هي أجمل لغة تشجع على السرور في اللغة نفسها، لقد كتبت لأول مرة باللغة الفرنسية، ولكنني وجدت صعوبة في تقديم قصة واضحة ومسلية: كنت في كثير من الأحيان مشتتة من شِعر اللغة نفسها، إن اللغة الإنكليزية بالنسبة إلي أكثر واقعية وتشجعني على التركيز على الحبكة والحوار، ما زلت أتحاشى مقاومة كتابة مقولات وصفية للبلدان التي تدور فيها الرواية، ويصرّ كثر من القراء على أن هذا أمر مهم بالنسبة إليهم، لذا، آمل بأن أحضر شيئاً من خلفيتي باللغة الفرنسية إلى روايات اللغة الإنكليزية هذه. يبدو واضحاً أنك لا تنتمين إلى أرض واحدة أو وطن واحد، فأنت مثل عالمك الروائي متعددة المكان والهوية: كيف تنظرين إلى انتمائك؟ وأي قضية تمثلين؟ - على العكس تماماً، أنا ابنة مصر، بنت البلد، ليس لدي أي ارتباك حول هذا، لكني أنعم بزواج سعيد جداً برجل إنكليزي، مع طفلين سافرا جيّداً، وكلاهما متزوج الآن، كان بيتي الإنكليزي يشكل دائماً المكان الذي استقررنا فيه كعائلة، لكني أحتفظ بشقة في القاهرة وأحلم بأنني سأعود أنا وزوجي إلى هنا يوماً ما. كلنا نعيش اليوم في عالم مضياف في الغالب، لقد كنت محظوظةً جداً في القدرة على السفر على نطاق واسع، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح لدي الآن 50 ألف شخص يتابعونني وأتحدث مع كثر منهم، هذه بيئة استثنائية لشخص فضولي مثلي، إنها تنشط في شكل هائل وأتمنى لجميع الشباب أن يقرأوا هذه الفرص وزيارة الكثير من الأماكن الرومانسية الرائعة التي رأيتها، لكن متعة السفر هي أعظم عندما تعرف من أين أتيت وأين تذهب. هل قرأت روايات عربية؟ هل قرأت نجيب محفوظ؟ ما رأيك بروائية مصرية تكتب بالإنكليزية هي أهداف سويف؟ - هناك كثر من الكتّاب الكبار حقاً في مصر وأجزاء أخرى من العالم الناطق بالعربية اليوم، أصبحت لغتي العربية المكتوبة والمنطوقة واهنةً، لكني أشاهد التمثيليات المصرية وأقرأ أعمال نجيب محفوظ باللغة الإنكليزية، يجب أن يصبح معرض الشارقة الدولي للكتاب حدثاً رئيسياً في السنة لكل مؤلف، أنا في رحلتي الخاصة، وكان من الواضح لي دائماً أنه على الرغم من أنني أذهب بعيداً، لا يجب أن أغادر مصر أبداً من دون الشرب من مياه النيل لضمان عودتي.