يعتبر الفكر الإسلامي حلقة مهمة ومضيئة في تاريخ الوعي الإنساني، وبقدر تعلقه بالدين يتعلق بالعقل أيضاً، وهو ما يعني أن عمل العقل العربي والإسلامي من قبل بينما كل محاذير وتطلعات الآراء والأفكار الدينية هي محاور مهمة تحيط بكل تصورات الأفكار العديدة والتي نضجت وأضافت للبشرية. وقد ظهر هذا التسلح بالعقيدة للمفكر الإسلامي من خلال صياغة المشكلات، ثم في اختيار المناهج الفكرية، ثم في طبيعة الرؤى أو الحلول التي انتهوا إليها، وبالنظرة التاريخية سوف يجد الفاحص ضمن السياق التاريخي بعض المكونات الأجنبية التي هي وليدة الاحتكاك والتعامل مع الحضارات الأخرى. وفي كتاب «التصور الإسلامي للطبيعة» يحاول كاتبه أ.د. مصطفى لبيب الاقتراب من رؤية الفكر الإسلامي للطبيعة، والمفكرون المسلمون يتدبرون القرآن الكريم، وقد خلصت عقولهم من أوهام التقليد، وكيف تحقق التطور في الأفكار تلك بالمناهج المثمرة. رصيد مختزن بداية وضع الكاتب جملة المبادئ العامة في فهم مشكلات الفلسفة الإسلامية وهي: إن الفلسفة هي تأويل عقلي للوجود في حدود الطاقة اﻹنسانية -إن الفلاسفة المسلمين كانوا على وعي بأن الفلسفة هي فاعلية عقلية ومنهج في التساؤل- السبيل المهم هو الوعي بالمنهج وضبط المصطلح.. كما أن المفكرين المسلمين يدركون أن العقيدة الإسلامية تزكي الحس والعقل والقلب وتعلي من شأن المنهج التاريخي وتسلم بالتطور أو التقدم المتأسس على الرصيد المختزن عبر التاريخ -وإن العقيدة الإسلامية في جوهرها عقيدة توحيد، وبالتالي لا مقايسة بين ما هو بشري بالإلهي-. وفي النهاية يجب تقدير المفكرين الذين قدموا مثلاً متقدماً بالنسبة لزمانه ووقته. ويجيء إبراز أهمية دراسة وتناول الفلسفة الطبيعية في الآتي: الأول: في البدايات كانت هناك محاولات لتفسير الطبيعة، وهي ما قال بها ثلاثة فضلاء.. علي بن أبي طالب- جابر بن حيان- أبوبكر الرازي.. ثانياً: في البحث عن الطبيعة عند رواد العلم والفلسفة في الإسلام يعد تحدياً لأهمية النتائج التي استنتجها الكاتب.. ثالثا: يعد الاقتراب من عصر التأسيس تحدياً حقيقاً، نظراً لشيوع أن من تناول أفكار الطبيعة خلال تلك الفترة أرجعها إلى الغرب واليونان، تلك التي تتسم بالوثنية غالباً، بينما الدرس المسلم الآن وبتوجه من عقيدته الدينية السمحة حفلت النصوص المبكرة عند جابر بن حيان وأبي بكر الرازي وأبي يوسف يعقوب الكندي ومن تلاهم بلوغ الإبداع الفكري. نهج البلاغة وقفة مع تصور الطبيعة عند الإمام علي بن أبي طالب، حيث يقدم في كتابه «نهج البلاغة» الولاء لفطرة العقل السليم ومن عدم التعصب والانسياق وراء الهوى أو التعصب لرأي.. ثم يطلب الحكمة فالحكمة ضالة المؤمن، ويلاحظ الكاتب تلك الروح الجدلية في الكتاب بالانتقال من فكرة إلى نقيضها. كما في وصية الإمام علي لابنه «الحسن» على تأكيد دور التواصل العقلي في تأسيس الفكر الصحيح، وبيان الحق.. وهو القائل: «العلم وراثة كريمة»، ومعه انتهى الكاتب إلى أن ما فات يشير إلى بصيرة الإمام وأن الجدل والحوار الذي يقوم على أساس حق الاختلاف هو موقف إسلامي يثمر الجديد في الفكر بالحوار. وقد انتهى الكاتب ﺇلى مقولة مفادها أن محور النظرة الإسلامية للطبيعة هي عقيدة التنزيه الخالص وإن المسلم يعي «ليس كمثله شيء»، وما الطبيعة في ثباتها وعظمتها غير لحظة من لحظات الخلق الإلهي.