إن طبيعة أعمال التشكيلي السعودي إبراهيم العرافي الحروفية تقوده إلى الانصهار روحا في قلب التراث الحضاري العربي الإسلامي، حيث تتبدى تجربته الرائدة في مجال الحروفيات وفن الخط العربي غنية بعدد من المقومات الحضارية العربية، حيث يطبع مجال الفن التشكيلي بإيقاع الحروفيات والزخارف والمنمنمات العربية الأصيلة. وبامتزاج الخطوط العربية بأساليب فن التشكيل المعاصر، مرتكزا على علامات ومنمنمات مقابلة لبعضها، إنها ثنائية تبدأ من عملية البناء الفضائي، وتفضي إلى مسلك إبداعي بديع، بثنائية تسبح في المثل والقيم، التي يكشف عنها المنحى الدلالي. وأعمال في مجملها تحكمها سلطة الخط ورونقه وبهاؤه، ويحكمها الالتزام بالضوابط الحروفية حينا آخر. يفصح عن ذلك التركيب اللوني المدجج بالحروفيات المقيدة بالقواعد وضوابط الخط والجمالية، وخصوصا منها خط الثلث والخط الديواني، وهو ما يؤشر إلى أن المبدع يتقيد بضوابط الخط العربي للحفاظ على جمالياته الطبيعية التي ورثها عبر أزمنة خلت. إنه التزام أخلاقي يجعل الحرف العربي سيدا داخل الفضاء، حيث تخضع له الألوان والأشكال أثناء عمليات التركيب، وهو ضرب من التجديد في نطاق التناسق بين الأشكال والخطوط، وبين المادة التشكيلية المعاصرة. كما أن سحر الحرف يتجلى في سباحته بضوابط وقواعد في فضاء غير محدود، وبذلك يتمكن من الظهور بسلطة أقوى في الفضاء ويطرح وجوده ضمن سياق التعبير بالحرف فوق اللون، فهو يأخذ مركز الصفوة ويطفو فوق السطح بارزا بقواعده المتعارف عليها، لكن في بؤرة تشكيلية قوامها اللون الخاضع لسلطة الحرف. إنها تجربة ومراس يقودان المبدع إبراهيم العرافي إلى عوالم حروفية عربية تراثية، تطرح أعماله في نطاق تعدد الرؤى الفنية، فهو يشيئ الأشكال والعلامات والحروفيات داخل الفضاء اللوني، وفق وهج فني متعدد الدلالات، وهو إنجاز يمتح من التعبير بالثنائيات. وينم عن تجربة عالمة من حيث عمليات التوظيف الضوئي والرمزي والعلاماتي، وأيضا من حيث تدبير المجال الجمالي، في ما يخص تناسق الألوان وشكلية مزج الحروفيات والدوائر والمربعات والمستطيلات، وفق رموز وعلامات أيقونية تروم التجاور والتمازج والتماسك، الذي يصنع التوازن بين كل العناصر المكونة لأعماله، وينتج التنغيم والتباين والتكامل والانسجام. إنه مسلك تعبيري يتخطى التجريد، ويروم أسلوبا حروفيا يتفاعل مع أنساق لونية مختلفة ومتباينة بتوظيفات خاصة، لكن بوجدانية وواقعية إيحائية، تدعم القوة التعبيرية المعاصرة لديه. ويعطي انطباعا بأن الخطاط إبراهيم العرافي يعمل وفق تصورات ورؤى مركزية، يوزعها وفق طريقته التي تفصل بين ما هو حرف له أصوله وضوابطه وتقييداته؛ وبين ما هو طليق في الفضاء، الشيء الذي يدخله ضمن المنطق الجمالي، وهو يحوله بطريقة إبداعية إلى أشكال دلالية تحمل مفرداتُها الفنية أبعادا فلسفية ورؤية خصبة في التعبير، تُشكل هي الأخرى قيمة أساسية في أعماله الخطية. وهذا لا يتأتى إلا بتنظيم المادة الخطية وتطويع الألوان وفق ما يتلاءم مع التركيب الحروفي الذي يشكله، الذي يستشف الجماليات المتنوعة في الحروف والصيغ الجمالية للألوان، ما يجعل أعماله تنبض بالحركة حيث تتمظهر مختلف التفاعلات داخل الفضاء. إنه تناغم فني في عمليات التركيب والوضع، وتجسيد التقنيات الفائقة التي يتوفر عليها الخطاط إبراهيم العرافي، وتحَكُّمه في عمليات توظيف مفردات الثقافة الحروفية والإرث الحروفي التاريخي والمعرفي. وإنها كذلك تجربة حروفية مائزة تجعل حضوره قويا في المنتظم الحروفي العالمي.