تعد تجربة الخطاط المغربي العربي توراك من بين التجارب القوية في فن الخط المغربي، لأنها تشربت من عمق الخصائص الجمالية للخط المغربي في معظم تراثه، وهي تتمتع بإضفاءات روحية تتوغل في قلب التراث الحضاري العربي الإسلامي، حيث تتبدى تجربته غنية بالتداخلات التاريخية والجمالية، لتطبع مجال الفن الحروفي المغربي بإيقاع جديد قوامه الخط المغربي الأصيل والزخارف والمنمنمات المغربية الأصيلة. وبذلك تتمظهر أعماله الخطية ذات أبعاد متنوعة تستند إلى التراث، باعتباره مادة غنية تزوده بمختلف الأشكال والعوالم الفنية. فامتزاج الخطوط المغربية بأساليب التراث المغربي القديم، وارتكاز المنمنمات والزخارف على علامات ورموز تاريخية وحضارية، تجعل من أعماله الخطية وعاء للجمال القديم الحديث في ثنائية تبدأ من عملية البناء الفضائي وتفضي إلى مسلك إبداعي بديع، إنها ثنائية ترسخ ثقافة المثل والقيم الجمالية عبر التاريخ المغربي الخصيب. ولعل تردد المنحى الدلالي بين ما تكتنزه المادة التراثية وما يضمره الجهاز المضاميني، يُعد انعكاسا لهذه الرؤية الشمولية التي تأخذ بعين الاعتبار التعامل مع الخط المغربي في مختلف أشكاله التطورية، واستنادا كذلك إلى المرجعيات الجمالية التاريخية. ولذلك؛ فإن العربي توراك غالبا ما يلتزم بالضوابط الحروفية والتقييدات الجمالية، لكن بدون أن يغفل حرية الحرف داخل الفضاء الفني، لأنه يرغب في تطويع الحروف للألوان والأشكال، وتطويع الألوان لخدمة الشكل والمادة الحروفية في نطاق جمالي قوامه التناسق بين الأشكال والخطوط، ومختلف العناصر المكونة للفضاء، ما يضع المادة الحروفية في مقاربة جمالية شاملة. إن أعمال الخطاط العربي توراك تطرح في المشهد الخطي المغربي والعربي عوالم ثقافية وفنية وجمالية تطبع أعماله في نطاق تعدد الموارد الخطية والمشارب الجمالية، وتعدد التصورات والرؤى؛ مما يُعدّد من المسالك ويعدد كذلك من التدفقات البديعية. فهو يشكل الحروف داخل الفضاء اللوني وفق بناء فني متعدد المضامين، ومتعدد الدلالات، ومتعدد المعاني، وهو إنجاز حروفي تعبيري ينمّ عن تجربة عالمة وخبرة قويمة من حيث عمليات التوظيف الحروفي، وأيضا من حيث تدبير المجال الجمالي في ما يخص مختلف عمليات التناسق من حيث التركيب، وعلى مستوى الألوان والحروف. وهو بذلك يقدم خدمة فنية للفن الحروفي المغربي تقوم على مبدأ التوازن بين كل المفردات التي تشكل القاعدة الحروفية لأعماله. ويأتي هذا التأطير في سياق تجربة فنية خطية مغربية معاصرة تأخذ بعين الاعتبار لب الثقافة المغربية، وجوهر التراث المغربي العريق. تجربة تضطلع بتقاطعات حوارية وسرية مع مكونات الوجود الحرفي في سياقاته الجمالية المتنوعة، في وضع فني ساحر يفضي إلى مشروع يهتدي إلى منجز البحث عن جماليات مضمرة في كنه المادة التراثية. وبذلك تبدو أعمال توراك تستنطق من خلال الخط لغة اللون، ومن خلال اللون لغة الخط، مما يوحي بالإبداع الجمالي المتداخل، يقدمه الخطاط بمزيد من العشق والانزواء في أحضان فلسفة الخط واللون. وبمعزل عن كل أيقونية؛ يواجه العربي توراك عالما خطيا، بقدر ما هو مُؤدّى بفيض من الإحساس؛ بقدر ما هو مُركّب بفيض من الهندسة والمنطق ثم الجمال. أسلوب متنوع تتداخل فيه المدارس الفنية في الخط.