الكاتبة شيرين راشد صاحبة مبادرة "أنا أقرأ" تستهدف بمشروعها الوصول للعالمية وإقامة جسر بين القرّاء في العالم العربي وبين نظرائهم في مختلف دول العالم. "يُشاع عن العرب أنهم لا يقرأون. قد يستسهل الكثير منهم الحكي والثرثرة على الاطلاع. غير أن ذلك لا يكون دقيقا في المطلق، لأن مبادرات القراءة والتثقيف تلقى قبولا، إذا اعتمدت على التكنولوجيا الحديثة، واستغلت أدوات العصر المتطورة. وهذا ما تؤكده مبادرة “أنا أقرأ” التي أطلقتها الكاتبة شيرين راشد. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتبة حول مبادرتها وغيرها من قضايا الثقافة" القاهرة - في الإمارات أطلقت إمارة الشارقة سنة 2014 مبادرة لأفضل مكتبة منزلية ضمن برنامج ثقافة بلا حدود، وفي مسقط جابت حافلة الألف كتاب أحياء وشوارع العاصمة العمانية قبل ثلاث سنوات لتشجيع الأطفال والشباب على القراءة. في كثير من المدن العربية تنطلق فعاليات لتوسيع نطاق القراءة والثقافة للأجيال الحديثة، ولاقت قبولا واسعا، في ظل أرقام متداولة متدنية تؤكد أن متوسط قراءة المواطن العربي يبلغ 11 صفحة في السنة. التجربة هذه المرة فريدة في القاهرة، حيث دشنت كاتبة شابة مبادرة بعنوان “أنا أقرأ” لتجتذب عشرات الآلاف من الفئات العمرية المختلفة، معظمها من الشباب والفتيات الباحثين عن مبادرات تحفيز حقيقية في عالم الثقافة. وتؤكد الكاتبة شيرين راشد صاحبة مبادرة “أنا أقرأ” أنها تستهدف بمشروعها الوصول للعالمية وإقامة جسر بين القرّاء في العالم العربي وبين نظرائهم في مختلف دول العالم. الداء دواء انطلقت راشد في مشروعها بعد أن أجرت دراسات عدة على حال الثقافة والقراءة في المجتمعات العربية لتكتشف هوّة سحيقة بين عالم القراء والمثقفين العرب، وعوالم الثقافة الأخرى في مختلف أنحاء العالم. تقول الكاتبة “لقد قمت بقياس درجة اهتمام الناس بالقراءة بعدة أوجه أولها نسبة المكتبات ودور النشر، فهي مشروعات تجارية وثقافية لها طريقة خاصة في رصد حركة البيع وطبيعته وأنواعه، وبدراسة تلك الأرقام استطعتُ رؤية منحنيات بيانية لاتجاه القراء الفكري ونشاطهم، بالإضافة إلى أبحاث خاصة برصد نسب القراءة والتعليم والشهادات الجامعية من جهات، مثل اليونيسكو”. "المنصات الصوتية إضافة إلى الكتب الإلكترونية ستزيح الكتاب الورقي من المشهد غير أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت" وتلفت إلى أن النتائج كانت مخيفة، فنسب القراءة تقل عن 2 في المئة، ولا بد من تحرّك إيجابي يستهدف عدة عصافير بحجر واحد، أولها تحفيز الشباب على القراءة والاطلاع والارتقاء بالذوق العام، ثانيها تحقيق جسور تواصل حقيقية بين القراء والكتاب. ثم يأتي بعد ذلك تخفيف الآثار السلبية لاستغراق الشباب في العوالم الافتراضية، واكتشاف أي مواهب إبداعية ونقلها من كونها تجارب ذاتية لأشخاص مجهولين إلى دائرة العلن. وتكشف شيرين راشد أنها توصلت من خلال العيّنات التي درستها إلى أن متوسّط قراءة الكهول وكبار السن يبلغ 20 دقيقة يوميا، وغالبا ما تستغرق في قراءة القرآن الكريم أو الصحف الورقية، بينما كانت المفاجأة أن الشباب الأقل من أربعين عاما يقرأون بمتوسط ثلاث ساعات يوميا، غير أن 90 بالمئة من تلك القراءات تبقى على صفحات التواصل الاجتماعي. تمثلت الفكرة الأساسية في كيفية استغلال انصراف الشباب إلى مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تحفيزهم نحو القراءة بمفهومها الشامل، أي أن يتم تحويل الداء إلى دواء مثلما يقول الشاعر الحسن بن هانئ (أبونواس) “وداوني بالتي كانت هي الداءُ”. وتذكر راشد أن وسائل التكنولوجيا مثلها مثل المطرقة، يمكن البناء والتدمير بها. هي أشبه بسلاح ذي حدين، لا سبيل للاستغناء عنها فهي سمة هذا العصر، وطريقة الوصول للإنسان. من هُنا قامت بإطلاق مبادرة “أنا أقرأ” على فيسبوك لدعوة الشباب إلى القراءة. اعتمدت المبادرة في البداية على تسجيل مقاطع فيديو قصيرة لمشاهير الأدب والفن والحياة العامة يتحدثون فيها عن أثر القراءة في تكوين شخصياتهم وتغيير حيواتهم. وتم التركيز على مشاهير معروفين للناس، يحظون بجماهيرية ونجومية خاصة بين الشباب، مثل شريك حياتها الكاتب أحمد مراد، وبعض نجوم الفن مثل آسر ياسين ومروان حامد وماجد الكدواني. قبل أسابيع ارتفعت بشكل كبير مبيعات كتاب “فن اللامبالاة” للكاتب مارك مانسون، لأن جمهور اللاعب المصري محمد صلاح المحترف في نادي ليفربول الإنكليزي تابع صورة له وهو يقرأ الكتاب. وعملت المبادرة على نشر مقولات مأثورة مأخوذة من إبداعات جيل الأدباء الأكثر جماهيرية لدى الشباب مثل الأديب العالمي نجيب محفوظ والراحل أحمد خالد توفيق وإبراهيم عبدالمجيد وسعود السنعوسي وأشرف العشماوي وخالد خليفة وحسن كمال، وغيرهم. انتصار إلكتروني توضح راشد ل”العرب”، أن ردود أفعال الأوساط الثقافية تجاه المبادرة جاءت إيجابية، تمثلت في دخول عدد من المؤسسات الثقافية الخاصة مشاركة وداعمة، من بينها منصة “كتاب صوتي” للمشاركة وقررت إتاحة بعض الكتب الصوتية مجانا عبر صفحة المبادرة، إلى جانب مشاركة مؤسسة “كتبي” المتخصصة في النشر الإلكتروني في إتاحة كتب إلكترونية للقراء عبر المبادرة. وأسهم تجاوب بعض دور النشر مع الحملة في إطلاق مسابقات أدبية للكتاب المجهولين، منها مسابقة في القصة القصيرة تقدم لها أكثر من 400 متسابق، وتم اختيار أفضل 20 عملا ليتم نشرها في كتاب مطبوع مجمع عن دار “الرواق للنشر”، كما نشرت القصص على جمهور يتجاوز المئة ألف قارئ على صفحة “أنا أقرأ”. ورغم أن المبادرة موجهة إلى الشباب بالأساس، لكن آثارها لحقت بالشيوخ وكبار السن، لذا لم يكن عجيبا أن يفوز في مسابقة القصة القصيرة كاتب غير معروف يبلغ عمره ستين عاما. وتؤكد الكاتبة أن القراءة للجميع ولم تقصد استهداف جيل دون آخر، لأن الثقافة لا تقتصر على سن معيّنة، قائلة “هذا لا يمنع أن أجيال ما بعد الألفية لديها فرص أكبر للقراءة والإبداع بدليل افتتاح كثير من المكتبات المستقلة بخلاف اتساع حصص الكتب الإلكترونية والصوتية خلال السنوات الأخيرة”. ولاحظت صاحبة المبادرة، أن هناك مجالات أكثر اهتماما من جانب القراء الشباب عن غيرها. فمثلا يركز جمهور القراءة على الخيال الجامح في الروايات والقصص القصيرة، ويتفاعل أكثر مع كتابات رؤية الذات من الداخل، وحقيقة الوجود، وما وراء الطبيعة، والميتافيزيقا. وتفسر الإقبال من جانب الشباب على الروايات الخيالية، بأن البعض من القراء يرون أنفسهم كأبطال لتلك الروايات، ويهربون بها من الواقع الذي يرفضونه في الغالب، لافتة إلى وجود اهتمام كبير بكتب التنمية البشرية والتاريخ والعلاقات الإنسانية والتسويق. وتتابع “هناك اختلافات بين الدول العربية في أذواق القراءة، لكنها اختلافات طفيفة مرجعها في المقام الأول السياسة والعقائد والعادات الاجتماعية”، مؤكدة أن التواصل الاجتماعي أذاب الكثير من الحواجز والحدود كأن البشر صاروا في دولة واحدة. واعترفت شيرين راشد، بانصراف معظم أبناء الأجيال الجديدة عن كتابات الرواد، واتهام الأجيال القديمة للحديثة بتجاهل الروّاد أمر طبيعي وقائم وسوف يظل موجودا، وعلينا استيعاب ذلك. وترى في حوارها مع “العرب”، ضرورة استيعاب أن القراءة تتطور والكتابة كذلك تختلف من جيل لآخر. وتتوقع راشد أن تزيح المنصات الصوتية والكتب الإلكترونية الكتاب الورقي من المشهد، غير أن ذلك قد يستغرق وقتا، قائلة “التوجه العالمي الآن يمضي ناحية الحفاظ على البيئة، ما يعني منع قطع الأشجار وخفض حرارة الكوكب، لذا سينتهي الكتاب يوما ما، شئنا أم أبينا، وبطبيعة الحال فإن الأجيال الجديدة أميلُ إلى القراءة الإلكترونية والسماع عبر الإنترنت”.