أصبح شاعر العامية المصرية سيد حجاب (1940-2017) هو “المشهور رقم 60” في مشروع “عاش هنا” لتخليد الرموز الذي يضطلع به الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بمصر، الذي يتولى كذلك تنفيذ مشروع آخر بعنوان “حكاية شارع”. يحمل المشروعان على عاتقهما مسؤولية إنعاش الذاكرة الثقافية والحضارية بمصر، من أجل استعادة الوعي في زمن الجدب، وتفجير طاقات من خلال الشحذ وابتعاث الماضي بشخصياته الناصعة، في واقع يفتقد فيه الشباب إلى الرمز والمثال والبوصلة في معظم الميادين. يشترك المشروعان في الاحتفاء بالمكان، وتتمحور فكرة “عاش هنا” حول توثيق المباني والأمكنة التي عاش بها المشاهير، من المبدعين والعلماء والشخصيات العامة، في حين يعتني مشروع “حكاية شارع” بتسجيل التفاصيل المتعلقة بكل شارع تاريخي. هناك أمر تقني مشترك بينهما، إذ يضع “عاش هنا” لافتة ذهبية ذكية على المبنى الذي عاش فيه الرمز المحتفى به، عليها كود إلكتروني يقود إلى معلومات حول الشخصية يمكن تصفحها وتحميلها عبر تطبيق خاص، كما يضع “حكاية شارع” لوحة تعريفية مشابهة على كل شارع يجري اختياره. يستهل مشروع “حكاية شارع” خطواته الأولى بالتعريف ببعض الشوارع التاريخية والأثرية الشهيرة في وسط القاهرة؛ منها طلعت حرب وعمادالدين، في حين سجّل “هنا عاش” خلال الأشهر الماضية ستين لوحة على بيوت أعلام مصريين؛ منهم الأديب نجيب محفوظ، والموسيقار محمد عبدالوهاب، والتشكيلي حسين بيكار، وأمين عام الأممالمتحدة الأسبق بطرس غالي. مشروع "حكاية شارع" يهدف إلى صياغة الوعي لدى الشباب والأجيال الجديدة عبر ربطهم بماضيهم إذ يؤرخ لأهم شوارع القاهرة صياغة الوعي من لا يعرف معلومات وافية عن الشخصية التي تسمّى بها شارع طلعت حرب في قلب القاهرة، يمكنه من خلال لوحة مشروع “حكاية شارع” معرفة أبرز منجزات مؤسس بنك مصر ورائد النهضة الاقتصادية والصناعية في مصر، محمد طلعت حرب باشا (1867-1944)، باللغتين؛ العربية والإنكليزية. ويوضح محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أن المشروع الذي انطلق مؤخرا يخطو في مرحلته الأولى الجارية إلى التعريف بالرموز والشخصيات التاريخية السياسية الذين تسمّت بأسمائهم شوارع عديدة في وسط البلد (القاهرة)، ومنهم عبدالخالق ثروت وعدلي يكن وصبري أبوعلم وشريف باشا وغيرهم. ويشير أبوسعدة إلى أن مشروع “حكاية شارع” يهدف إلى صياغة الوعي لدى الشباب والأجيال الجديدة عبر ربطهم بماضيهم، ولا يكتفي المشروع بالتعريف بالشوارع التي تحمل أسماء شخصيات، وإنما يؤرخ كذلك لكل الشوارع التي تتعلق بالذاكرة القومية وتاريخ المصريين. المقصود بحكاية الشارع ليس مجرد اسمه، فالحكاية تعني التفاصيل والخفايا المتعلقة بتسمية الشارع، وهذه القصص والطرائف قد تشكل مداخل جاذبة للمارة كي يعيدوا قراءة تاريخهم بشغف، والتعرف على منجزات مجتمعهم غير البعيدة، والاستفادة من دروس الماضي، ومحاولة تجميل الحاضر. ويقول أبوسعدة، إن “حكاية شارع” يسرد تاريخ وحكايات شوارع تسمّت بأحداث سياسية، مثل 26 يوليو وهو موعد مغادرة الملك فاروق الإسكندرية بعد ثورة 23 يوليو 1952 مباشرة، و15 مايو وهو تاريخ ما سمّي في العام 1971 في عهد السادات بثورة التصحيح. وأرجع محمد عبدالعزيز مدير عام مشروع تطوير القاهرة التاريخية، الاهتمام بالشوارع العريقة إلى أنه وجه من وجوه إحياء ذاكرة الأمة، فأسماء وحكايات هذه الشوارع قد تمكن من قراءة الأحداث الفارقة والشخصيات البارزة التي صنعت تاريخ الوطن. وتتفرد شوارع القاهرة، وفق تصريح عبدالعزيز ل”العرب”، بامتدادها في عصور وحضارات مختلفة، الأمر الذي يكسب حكاياتها وتفاصيلها أهمية مضاعفة، ويزيد نوادرها وأسرارها خصوبة ومتعة وتشويقا. تقنيات مثلما يؤرخ “حكاية شارع” للمكان، فإن “عاش هنا” يوثق لأبرز الأمكنة التي عاش بها رموز ونجوم الفكر والأدب والفن والعلوم المختلفة والشخصيات العامة في تاريخ مصر الحديث، ويعرّف المشروع بتاريخ وسير هؤلاء المشاهير عبر تقنيات رقمية متطورة. العشرات من الأعلام أدرجوا بمشروع “عاش هنا” خلال الأشهر الماضية، ومنهم: الفيلسوف الراحل زكي نجيب محمود، والكاتب السياسي الراحل أحمد بهاءالدين، والموسيقار عمار الشريعي وسيد مكاوي، والشاعر فؤاد حداد، والفنان يوسف وهبي ونجيب الريحاني وغيرهم… ومنذ أيام قليلة: بطرس غالي وسيد حجاب “المشهوران رقم 59 و60”. اللوحة الذهبية الأنيقة الدالة على بيت أديب نوبل نجيب محفوظ (172 شارع النيل، العجوزة، الجيزة)، لا تحمل من الكلمات إلا القليل: الاسم، والتعريف، وتاريخ الميلاد، وتاريخ الرحيل، فضلًا عن شعار “هنا عاش” وعدد من الأختام، لكن كود اللوحة يقود إلكترونيّا إلى معلومات وافية. وتوضح هايدي شلبي، مدير عام الحفاظ على التراث بجهاز التنسيق الحضاري، أن المشروع اعتمد في معلوماته عن الشخصيات والرموز الذين يحتفي بهم على لجان من المختصين والباحثين في سائر المجالات، لإنشاء قاعدة بيانات شاملة حول كل شخصية وسيرتها الذاتية ومنجزاتها. ولفتت هايدي، إلى أنه يتم توثيق عنوان الشخصية على خارطة رقمية حتى يتم ربطها بقاعدة البيانات عبر كود اللوحة المعلقة في المكان الذي عاشت فيه الشخصية، ويمكن الاطلاع على المعلومات المتعلقة بالشخصية من خلال تطبيق “QRL” عبر أجهزة الموبايل والتابلت. وفق تلك الرؤية، يمثل المشروع دعوة شيقة للتعرف على مشاهير ونجوم المجتمع بآليات متطورة وصيغة جذابة تلائم العصر، بهدف استنفار الطاقات الكامنة لدى الشباب على وجه الخصوص، ووصل الماضي بالحاضر. وتؤكد هايدي شلبي أن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري سوف يعمل خلال المرحلة المقبلة على إعداد المزيد من اللوحات الخاصة برموز مصر، بهدف أن تصل لوحات “عاش هنا” إلى 200 لوحة خلال النصف الأول من العام الجاري. وتبقى مبادرتا “حكاية شارع” و”عاش هنا” خطوتين في مسار يرمي إلى إنعاش قوة مصر الناعمة، عن طريق ابتعاث طاقة إيجابية من الماضي، لكن تغيير الحاضر يتطلب إنجازات مماثلة في سائر المجالات، تنهض بها عقول واعية قادرة على الفعل الخلاق في واقع يشهد خفوتا منذ سنوات.