نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الندوة الثانية فى سلسلة الأدب العراقى تحت الاحتلال الأميركي. وقال الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن المبدع الكبير الراحل أحمد حميدة كان من أشد المتحمسين لهذا الملف، وكتب قراءة نقدية إبداعية هامة جدا عن رواية الكاتب العراقي أحمد خلف "محنة فينوس" بعنوان "رؤية.. وليد محنتك يا فينوس" وتمت قراءة هذه الدراسة في الندوة، كما قدمت الأديبة منى عارف دراسة حول مجموعة الكاتب فرج ياسين "واجهات براقة" بعنوان "المكاشفة الذاتية والبوح الفياض فى رحلة سرد". أما المبدع الشاب محمد العبادى فقدم دراسة بعنوان "أقاويل العراق كجزء من قصة العرب" يناقش فيها مجموعة "رماد الأقاويل" لفرج ياسين. وأوضح عتيبة أنه مع خروج آخر جندى أمريكي من العراق بدأ مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية التحضير لسلسلة ندوات لمناقشة عدد من الأعمال السردية العراقية التي كتبت تحت الاحتلال الأميركي ما بين رواية وقصة قصيرة وقصة قصيرة جدا. مشيرا إلى أنه طرح فكرة الندوات على الناقد العراقي د. ثائر العذارى الذي تحمس بدوره للفكرة وأحضر عددا من الأعمال العراقية الإبداعية التى تم توزيعها على نقاد ومبدعى الإسكندرية لتقديم قراءات نقدية لها، مشيرا إلى أنه سيتم طبع الملف الناتج عن هذه القراءات فى إحدى كراسات المختبر التى تطبعها مكتبة الإسكندرية، وسيتم إهداؤها إلى روح الأديب الراحل أحمد حميدة. في قراءتها لمجموعة "واجهات براقة" أشارت الأديبة منى عارف إلى أن شاغل المبدع "فرج ياسين" الشاغل طرح تجديد في القصة عن طريق التجريب والسعي إلى ابتكار وقفة خاصة أمام الواقع من أجل الإمعان في قراءته بشكل موضوعي وفني. أفرد مساحة للنبض الحقيقي لقضايا باتت تشكل نسيجاً ساطعاً لواقع تاريخي يحاصر حياتنا ويعيد صياغتها. أشد تأثيراً من الواقعيه السحرية والخيالية أيضاً. امتلك الأديب القدرة على التقاط المشهد الإنساني بأرق تفاصيله بكل ذكاء وحساسية إنسانية وإبداعية رائعة. يستحضر لتلك اللقطات شكلاً مغايراً للغة. يجعل من أدواته ريشة دقيقة ليرسم الحالة الفكرية والذهنية والنفسية التي تمر بها شخوصه المختلفة. اعتمد في كتابته للقصة القصيرة على الوحدة، الجراءة، التكثيف, المفارقة، استخدام الإيماء, التلميح والإيهام أيضاً واختيار العناوين المحيرة التي تأتي لحظة التنوير في نهاية كل قصة كسطر مكمل أو كخاتمة تنير القصة، وهو مهتم دون إبراز ذلك بشكل كبير بصياغة نظرية فنية للقصة القصيرة محورها الأساسي: 1- وحده الانطباع. 2- عدم تعدد الشخصيات والأمكنة. غزل لنا أقاصيصه التي تؤكد على تلك الوحدة والعزلة لأنه فنان شديد التفرد. أما الأديب الشاب محمد العبادي فأكد أنه مع مجموعة "رماد الأقاويل" للكاتب العراقي "فرج ياسين" يجد المتلقي نفسه أمام كاتب متميز ومتمكن من أدواته, هو كاتب يحمل خبرة ثلاث مجموعات قصصية سابقة على مدى أكثر من ربع قرن, بالإضافة إلى خبرة نقدية واسعة في النوع القصصي. تتجلى خبرة "ياسين" في تعامله بحرفية كبيرة مع كل نص من نصوص المجموعة, سواء في اختيار اللغة أو صيغة الراوي أو شكل الحبكة, وهي الخيارات التي تتبدل تبعا لطبيعة كل نص, كذلك تظهر الخبرة في الوعي بترتيب نصوص المجموعة بشكل متميز, شكل يحافظ على العلاقة بين النصوص ليعطي المجموعة انطباع الكتاب المتكامل. ويستطيع القارئ الواعي أن يلاحظ أن هناك خواصَّ مشتركة بين نصوص هذه المجموعة "العراقية" وبين نصوص القصة العربية الحديثة بشكل عام, والمصرية بشكل أكثر تحديدا, من أبرز هذه الخواص: استلهام البيئة المحلية والتراث الشعبي, التعامل مع قالب الحكاية, الحنين إلى الماضي (النوستالجيا), الاهتمام بالصراع العربي الإسرائيلي.. وغيرها. إن "رماد الأقاويل" مجموعة قصصية متميزة لقاص أخلص لفن كتابة القصة القصيرة فأجاد فيها, واستطاع أن يكتب نصوصا تنطلق من عراقيتها لتتواصل مع إنسانية العالم. رحيل أحمد حميدة وأشار منير عتيبة إلى أنه سيقوم بقراءة المداخلة النقدية الثالثة التي كتبها المبدع الراحل أحمد حميدة قبل رحيله بأيام وناقش فيها رواية أحمد خلف محنة فينوس، وأشار عتيبة إلى أنها القراءة النقدية الوحيدة التي كتبها أحمد حميدة في حياته، كما أنها آخر ما كتب على الإطلاق، وقبل أن يقرأها أشار إلى برقية التعزية التي أرسلها الأديب إدريس الصغير باسم اتحاد كتاب مدينة القنيطرة المغربية يعزون فيها الأدب العربي والإسكندرية في رحيل الكاتب الكبير أحمد حميدة، كما أشار أيضا إلى أن مختبر السرديات سوف ينظم الثلاثاء 6 مارس/آذار احتفالية بأحمد حميدة، ودعا كل من يعرفون الأديب الراحل إلى كتابة شهاداتهم وإرسالها إليه وكذلك إرسال صوره ولقطات الفيديو والصوت الخاصة به لعرضها جميعا في هذا اليوم. قرأ عتيبة مداخلة أحمد حميدة مؤكدا على الجزء الأخير منها والذي حمل نبؤتين الأولى تمنى الجميع أن نلتفت إليها وألا تحدث وهي الخاصة بوجوب محافظتنا على أرضنا وإلا أخذها الغزاة، والثانية هي نبؤة رحيله الذي كان يشعر به بقوة رغم أن ظروفه الصحية الجيدة لم تكن توحي به، حيث يقول حميدة: "نعم دمر العراق عملاء وجواسيس وخونة من أبنائها، مثلما فتحوا، زمان، للإنجليز أبواب مصر، فتحوا لأميركا أبواب العراق، فلا تأملوا في معجزات أخرى تأتيكم من السماء، فزيوس هام، حارب مارس ودفنه تحت الأرض ونام. وظلت الأرض لأصحابها، من عليها، فليحملوها، قبل أن يأتي الغزاة، ويمتطوا ظهوركم، وأنا سأمضي بعيدا عنكم. سأعود لأحشاء فينوس الفاتنة.. سأعود للرحم الآمن.. لكن حين أردت العودة.. كانت فينوس اختفت، ضاعت، ربما ذهبت تبحث عن موطن آخر، أو إله أكثر وعيا، أكثر يقظة.. سأذهب، وأبحث عنها". وعن رواية أحمد خلف محنة فينوس يقول المبدع الراحل أحمد حميدة: "توا خرجت من أحشاء فينوس الفاتنة، لأرى الذي كوّن نطفتي جورا واغتصابا، مارس اللعين إله الحرب والدمار.. لم أره، لكنني شهدت ما جرى وما كان.. ولم تركني الراوي وحيدا في الجوف، أو تجاهلني وهو السارد العليم بكل شاردة وواردة، القابض بمهارة فنان على خيوط اللعبة والحكايات المدهشة.. راوي يأخذني عبر سطوره لأغوص في الأزمنة البعيدة، السحيقة، أزمنة أثينا، أربابها، والأباطرة، آلهتها الصغار، يغوص بي لوقائع الألم.. كأن الرواية آلة زمن دوارة، بمجرد تسلقي للسطور أكون هناك.. وبسطر آخر أنتقل إلى هنا، ليريني واقعا آخر مأساويا أشد قسوة وضراوة عما كان بزمن حروب أثينا.. راوي وفق كل التوفيق في اختيار أثينا، لتلعب بها لعبة الإسقاطات الممهد لها بحنكة على عراقه المغتصب، المنهوبة ثرواته، طمس تاريخه المجيد.. نعم حقائق بشعة يغلفها بحواديت ليبعد عني الملل، برغم احتواء المرارات لبدني الوليد.. يراوغني بفن سهل التناول.. يسليني بعذابات أبشع، ليريني مدى تمزق شمل العالم العربي، المستكين بعضه تحت إبط الغرب الملعون تحت نظر رب الأرباب ومنيرفا".