أكد د. محمد أمين عبدالصمد المتخصص في الأنثروبولوجيا الثقافية في كتابه "الموال القصصي في السينما المصرية" أن الموال القصص يشكل مستودعا لآمال الجماعة الشعبية وتنفيسا عن آمالها واستشرافا لطموحاتها ككيان جمعي تشغله البطولة الفردية بشكلها الفردي، الذي تدعمه ثقافة تعلي من قيمة البطولة الفردية وتقدسها، وأن دور الموال القصصي قد تعاظم حتى أنه استقطب الكثير من جمهور نوع قصصي آخر وهو جمهور السير الشعبية، كما استقطب عددا كبيرا من المغنين الشعبيين، بل لم يقف إغراءه عند هذا الحد حيث ألهم الكثير من المبدعين أعمالا تواصلوا بها مع الجمهور سواء في مجال المسرح أو غيره من المجالات الإبداعية. وقال في كتابه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة إن السينمائيين نظروا بعين الاعتبار إلى المأثورات القصصية الشعبية، فأنتجت أفلام عن عنترة وأبي نواس وجحا في بدايات السينما، وفيما كان الموال القصصي صاحب نصيب من الاستلهام بدأه هنري بركات في فيلمه "حسن ونعيمة" المأخوذ عن موال بنفس الاسم، وتبعه حسام الدين مصطفى بفيلم "أدهم"، ثم "بهية" لرمسيس نجيب، ثم "شفيقة ومتولي" لعلي بدرخان، ثم "المغنواتي" لسيد عيسي عن موال "حسن ونعيمة". ونلاحظ أن الفترة التاريخية ما بين أول عمل وآخر عمل تمتد من عام 1959 حتى عام 1984 ولذلك انعكست الظروف التاريخية والاجتماعية على الأعمال الفنية. يتتبع د. عبدالصمد تعريف ونشأة الموال عامة وثم الموال القصصي خاصة وأنواعه وأبطاله، لافتا إلى تعريفين له الأول لصفي الدين الحلي في كتابه "المرخص الغالي والمعطل الحالي": أنه فن شعري له وزن واحد وأربع قواف على روي واحد، مخترعوه أهل واسط من بحر البسيط، واقتطعوا منه بيتين وقفوا شطر كل بيت منه بقافية منها، وسموا الأربعة صوتا، ومنهم من يسميها بيتين على الأصل ونظموا فيه القول الجزل في الغزل والمديح والصنائع على قاعدة القريض المعرب. والثاني لأحمد علي مرسى: الموال ينظم في وزن البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) ولكن هذا الوزن يضطرب كثيرا على ألسنة المغنين الشعبيين المحترفين الذين يعتمدون في المقام الأول على الآداء الموسيقي المصاحب لهم لا على ضبط الوزن الشعري. وفيما يخص نشأة الموال الأول رأي عبدالصمد إنه نشأ بالعراق بعد نكبة البرامكة، ولمنع الخليفة العباسي الشعراء عن رثائهم بالشعر الفصيح، فتحيلت جارية لهم، ورثتهم بشعر ملحون لا ينطبق عليه المنع والتجريم، وبالتالي لا يعاقب ناظم الشعر أو مردده. وقال "بدأ الموال بالعراق على أغلب الأقوال ثم انتقل إلى مصر، ويرى رضا محسن حمود أن الموال انتقل إلى مصر في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، أي في الوقت الذي دخلت فيه الموشحات والأزجال مصر من الأندلس، فالتقى الأدب العامي المشرقي بالأدب العامي المغربي في مصر في وقت واحد، وقد برع المصريون في هذا الفن وأدخلوا فيه الكثير من التجديدات، ونوه إلى هذا ابن خلدون فقال "وأتوا فيه بالغرائب وتبحروا في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية فجاءوا بالعجائب". أما الموال القصصي فقد لخص عبدالصمد تعريفه في ثلاثة اتجاهات الأول: أنه شعر قصصي شعبي على أساس عدم شرطية الغناء فهو قص لحدث باستخدام الشعر لا النثر وينتقل شفاهة مثل غيره من المواد الفولكلورية. والثاني رأي يرى وجود اطلاق اسم أغنية قصصية على هذا النوع، لأنه عبارة عن قصة تقدم في شكل أغنية أي يجب توافر الشعر والغنائية بها. والثالث: رأي آخر يطلق على هذا النوع اسم الموال القصصي على أساس أن الأشعار تصاغ في قالب الموال حيث تنظم الأبيات وقوافيها على شكل مواويل قصيرة (رباعية، خماسية، سباعية.. إلخ) وتتوالى تباعا مكونة الشكل الشعري العام للموال القصصي، ويبدأ الموال القصصي بعتب واحد من المواويل القصيرة الداخلية تتوالى بعده المواويل القصيرة بأشكالها المكتملة وتنتهي القصة ببقية الموال الأول أي بالردفة والغطاء فيكتمل بذلك الآداء. وأكد عبدالصمد أن أحداث الموال القصصي قليلة وبالتالي على من يستلهما سينمائيا أن يعتبرها الهيكل الذي سيبني عليه العمل الدرامي وبالتالي عليه التعامل مع السرد بطريقة درامية وإيجاد الشخصيات التي تحمل على عاتقها القيام بهذه الأحداث. وحلل عددا من الأفلام التي استلهمت الموال القصصي مثل "حسن ونعيمة" للمخرج هنري بركات وهو الأول الذي عالج موالا قصصيا، و"أدهم" للمخرج حسام الدين مصطفى، و"شفيقة ومتولي" و"المغنواتي". ورأى أنه في فيلم "حسن ونعيمة" تعامل صناع الفيلم مع التيمة على أنها قصة غرام فقط بدون النظر إلى رسالة أخرى من الممكن أن يحملها العمل، واعتمد الفيلم على شهرة الموال أولا ثم على شهرة مسلسل إذاعي سبق الفيلم كتبه عبدالرحمن الخميسي أيضا، ونجد أن في الفيلم الحرص على الصورة النمطية لمجتمع الفلاحين وصراعاتهم وعلاقاتهم وهو جو نمطي أوحى به الموال. وأشار د. عبدالصمد إلى أن موال فيلم "أدهم" تناول الثأر كتيمة أساسية ومواجهة أدهم لمن يقفون في طريق ثأره، إلا أن كاتب السيناريو والحوار سعد الدين وهبة حاول إضفاء بعد سياسي على الفيلم فجعل أدهم مناضلا ثائرا ضد الاقطاع بل بوعي شديد يقوم بإصلاح زراعي فيوزع الأراضي على الفلاحين المعدمين بواقع خمسة أفدنة لكل فلاح، وكأن سعد الدين وهبة أراد أن يصدر صورة جمال عبدالناصر من خلال هذا الفيلم ولو ساعدته الظروف الخاصة بالموال لجعله يؤمم الترعة والمعدية مثلا ويجعلها ملكية عامة وهو تحميل لا يتحمله العمل، وعلى هذا كان المخرج في واد فتعامل مع أدهم على أنه فارس مغامرات خارج القانون وكان أقرب لأبطال أفلام الويسترن فجاء الفيلم يحمل أجواء مجتمع لم نعشه أو نتعايشه. وفي تحليله لفيلم "شفيقة ومتولي" قال عبدالصمد إن كاتب السيناريو صلاح جاهين اختار أسلوب الراوي الذي يقدم الأحداث ويشرحها ويعلق عليها ويطرح وجهة نظره، وأن الفيلم منذ البداية يضعنا أمام حكاية تحكى، فنحن نرى الأحداث من خلال وجهة نظر من يروي الحكاية، والراوي هنا يفصل بيننا وبين العمل بمسافة لا تسمح لنا بالاندماج الكامل في الأحداث، مما يجعل المشاهدة عملية تسمح لنا بالتأمل والتفكير فيما يحدث أمامنا، وهذا الشكل قريب من البريختية وهو ما حرص عليه صناع الفيلم ولكن كاد هذا الأمر يفلت من أيديهم أحيانا. وأضاف في الموال كانت البطولة معقودة لشخصية متولي فهو من يحرك الحدث ويطوره، وينتقل الراوي معه من مكان إلى آخر، أما في الفيلم فكان الحدث يقدم عن طريق المونتاج المتوازي ثم أصبح يركز على شفيقة وما يحدث لها، وأصبح متولي على هامش السيناريو يقدم لنا من خلال الفترة التاريخية للأحداث والظروف. ولفت عبدالصمد أن الرسالة الأخلاقية في موال "شفيقة ومتولي" كانت الهدف، فالحفاظ على الشرف شيء مهم كما أكد الموال أننا أبناء أقدار تتصرف فينا كيفما تشاء، أما الفيلم فقد ابتعد عن هذه النظرة الأحادية ونظر نظرة شاملة لماهية الشرف وأسباب السقوط والتدني، دون إلقاء التبعة على القدر والمكتوب بل ما يحدث نتيجة اختيارات الشخصيات ونتيجة وعي كامل، ولذلك عليها تحمل العواقب كانت نهاية شفيقة في الموال والفيلم هي القتل، لكن في الموال تموت على يد متولي فهو صاحب الشرف الذي انتهك والحق الذي سلب وصاحب الأزمة بشكل فردي، أما في الفيلم فشفيقة تموت على يد الطرابيشي بك. وأكد أن هناك تباين في تناول السينمائيين للموال، فمنهم من قدمه بشكل بسيط مع تغيير النهاية لتتوافق مع رغبة الجمهور ومع ما هو مستقر من نهايات لأفلام هذه الفترة مثل "حسن ونعيمة" وهناك من حملها بمضمون سياسي هو خطاب هذه الفترة 1952 1984 مثل "أدهم"، و"بهية" وهناك استلهام لإعطاء فكرة الرفض والمقاومة مثل "شفيقة ومتولي" لكسر ما هو مستقر من جمود وركود مثل "المغنواتي". ورأى د. عبدالصمد أن الفيلم المعد عن نص شعبي تحكمه تقنيات السينما مما يخلق مجالا تعبيريا مختلفا عن المجال الذي يخلقه راوي القص، أي أن الوسيط مختلف، ولكل وسيط سماته وخصائصه وتقنياته، الراوي الشعبي عقل فريد يمثل ثقافة الجماعة، أما الفيلم السينمائي فهو نتاج مجموعة من العقول المبدعة في مختلف أفرع الفن السينمائي، وإمكانيات الموال تصلح للسينما مما يسهل عملية الإعداد والاستلهام، ففيه المكان والزمان والشخصيات والرسالة كما أن له لغته الخاصة. في تحليلاته لم يتجاهل عبدالصمد علاقة هذه الأفلام وغيرها مما استلهمت الموال القصصي الشعبي بالأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد، لذا فقد خلص ضمن الأسباب التي أدت إلى نشأة الموال القصصي وانتشاره إلى أن الظروف السياسية التي عايشتها البلاد وعدم وجود "البطل الوطني" مما حدا بالجماعة الشعبية إلى الاهتمام ب "البطل اللص" المتحايل الذكي، وأن الظروف التي عايشتها جموع الشعب من خلال علاقتها بالسلطة ورؤيتها لها فهي سلطة عليها وليس منها أو لها أدى ذلك إلى ظهور البطل الشعبي الخارج على السلطة المناوئ لها ولو كان مجرما، لكن يشفع له خروجه على السلطة والسخرية منها نيابة عن جموع الشعب المستكينة، وقد يحتفي المبدع الشعبي تواطؤا بالبطل الذي يخرج على التقاليد الجامدة الجائرة أحيانا مثل شخصية حسن المغنواتي. وفي نهاية كتابه خصص د. محمد أمين عبدالصمد ملحقا لنصوص الموال القصصي التي عمل عليها خلال دراسته مستبعدا تنويعات المواويل التي لم يستخدمها، والنصوص هي: ياسين وبهية، أدهم الشرقاوي، حسن ونعيمة، شفيقة ومتولي.