على عتبة التسعين تقف، تحمل في يدها مجموعة ألوان وأوراق ولوحات من الكرتون، لتنهمر إبداعاً كالمطر، معبرة عن رحلتها الطويلة مع الحياة، بأناقةٍ تشبه رسوماتها التي أبت إلا أن تخرج إلى النور، لتبهر من حولها بقدرتها على التميز والإبداع، حتى ولو جاء ذلك متأخراً. إنها سميحة لحلوح «أم سمير»، السيدة الفلسطينية المسنة التي لم تكترث لرعشة يديها، وأصرت على إسعاد الآخرين برسوماتها الجميلة، لتكون مثالاً يحتذى به. «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، هذا ما تجسد في موهبة أم سمير، التي شعرت يوماً بضيق من الفراغ، فطلبت ورقة وقلماً، وبدأت الرسم، لتلفت الأنظار إلى موهبتها مع أول رسمة، والتي جاءت وكأنها نسخة مطبوعة من زاوية جميلة اختارتها، لتحظى بإعجاب أبنائها وأقاربها، وتبدأ رحلتها في عالم الرسم، الذي جالت فيه على ذكريات عاشتها، وخيالات تراودها، وتفاصيل كثيرة من واقعها. من الطبيعة تستقي أم سمير أفكارها، لتنطلق مع الزهور والأشجار في عالم مملوء بالجمال، ومع الاحتلال الصهيوني، تعبر عن ألمها، فترسم الدبابات والأسلحة والطائرات، وهي تدمر مدينة جميلة خضراء، يحيطها البحر بزرقته الرائعة. ولاقت أم سمير اهتماماً كبيراً من قِبل المحيطين بها، إذ يحرص أقاربها كباراً وصغاراً، على اقتناء كل ما تحتاجه من متطلبات الرسم، وإهدائها لوحات بيضاء وأقلاماً ملونة وألواناً مائية. وتفخر أم سمير بلقب «رسامة»، وتتلقى دعم أبنائها، لا سيما أن الرسم زاد سعادتها.