تُعتبر "السوشيال ميديا" أو مواقع التواصل الاجتماعي في العصر الحالي هي ذات التأثير الأكبر على فئة الشباب وخاصة في مرحلة المراهقة، حيث أضحت السوشيال ميديا عالمهم الخاص الذي يعبّرون خلاله عن آرائهم بحرية وبالشكل الذي يريدونه، ويكونون العلاقات التي يحتاجون إليها، مما أكسب مواقع التواصل الاجتماعي المقومات التي تجعلها المؤثّر المباشر على المراهقين. أجرت قناة "سي إن إن" الأمريكية دراسة حول تأثير "السوشيال ميديا" على فئة المراهقين، تضمّنت بحثاً استقصائياً تتبعياً لنشاط وعادات وممارسات أكثر من 200 من المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بهدف الكشف عن أسرار عالم المراهقين مع السوشيال ميديا. وشملت الدراسة الإجابة على عدة تساؤلات، حول كيف يستخدم المراهقون مواقع التواصل الاجتماعي؟ وما هي أنواع التحرّشات التي يتعرّضون لها خلف الشاشات الإلكترونية؟ وفيما يخصّ دور الأسرة ركّز الباحثون على دور الآباء في كيفية التعامل مع أبنائهم المراهقين، وماذا يفعلون لحمايتهم مما يحدث في عالم التواصل الاجتماعي؟. وقد كشف البحث الاستقصائي للدراسة عن أن المراهقين يمكنهم تفقّد مواقع التواصل الاجتماعي والبحث عن أي جديد بها، ومتابعات الآخرين لما نشره عليها، لأكثر من 100 مرة في اليوم الواحد، وهو ما يشبه مقياساً فورياً لمستوى الشعبية والشهرة، ويقصد بهذا علامات الإعجاب (لايك) ورسوم القلوب التي يحصل عليها المراهق عندما ينشر شيئاً ما على صفحته، وعدم وجود ذلك أو قلته يعني افتقار المراهق للشعبية ما يؤثّر سلباً عليه. وهنا يقول د. روبرت فاريس، خبير الطب النفسي، وأحد المشاركين في الدراسة: إنه تمّ العثور على الكثير من الأدلة على إدمان المراهقين لمواقع وبرامج التواصل الاجتماعي ولهواتفهم الذكية، كما أن لديهم شغفاً كبيراً وفضولاً مرضياً لمعرفة ما يحدث أونلاين في عدم وجودهم، وهذا يدفعهم بالتالي لتفقّد هذه المواقع والبرامج مرات عديدة ومتكررة، ما يجعله جزءاً رئيسياً من حياتهم اليومية لا يستطيعون الانقطاع أو التخلي عنه. شملت تلك الدراسة طلبة وطالبات من المرحلة الإعدادية من 8 مدارس مختلفة، تقع في 6 ولايات أمريكية، وذلك بتسجيل حساباتهم على مواقع "فيسبوك وتويتر وإنستجرام"، على سيرفر آمن صنعته أحد شركات الإلكترونيات لحساب شبكة "سي إن إن"، بعد أن حصلت القناة على موافقة آباء المراهقين، وعلى مدار عامين، هي مدة الدراسة، قام فريق من الباحثين برصد وتحليل حوالي 150 ألف منشور للمراهقين على هذه المواقع كل 6 أشهر، بالإضافة إلى إجابة المراهقين على عدد من الأسئلة الاستقصائية حول طبيعة استخدامهم لمواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، حيث ذكر 61 بالمئة من المراهقين الذين شاركوا بالبحث أنهم يتفقّدون مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متكرر ليروا عدد علامات الإعجاب والتعليقات التي تحصل عليها منشوراتهم، و35 بالمئة قالوا إنهم يفعلون ذلك ليروا ماذا يفعل أصدقاؤهم بدونهم، في حين ذكر 21 بالمئة أنهم يريدون التأكد من عدم ذكرهم بالسوء من قِبَل الآخرين أثناء عدم وجودهم "أونلاين". بينما رصد نشر صور وفيديوهات جنسية في 15 بالمئة من الحالات. وخلصت الدراسة إلى أنه كلما زادت فترة تواجد المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي، زاد توتر أعصابهم وازدادت مخاوفهم وتعاستهم، وخوفاً من التعرّض لأي إساءة من طرف آخر، قد يقوم المراهقون أيضاً بمتابعة ما ينشره أعداؤهم وليس أصدقاؤهم فقط، وهو ما يجعله عرضة لاضطرابات نفسية وقد يكون أكثر عدوانياً وكرهاً لمحيطه الاجتماعي. أما بالنسبة لأسر المراهقين، فقد فحص الباحثون حالاتهم أيضاً، ووجدوا أن 94 بالمئة من الآباء، لا علم لهم بكم المشاحنات والتحرّشات والمخالفات الأخلاقية التي يرتكبها أو يتعرّض لها أبناؤهم المراهقون على مواقع التواصل الاجتماعي. والنسبة البسيطة الباقية 6 بالمئة هي التي كانت حريصة على متابعة حسابات الأبناء على هذه المواقع، والرقابة على محتوياتها، ويصحح أي انحرفات، وكان لذلك أثر إيجابي واضح، حيث خلت صفحات الأبناء في هذه الحالات من المخالفات الأخلاقية المعتادة لدى الآخرين، وكذلك تمتّع الأبناء بصحة نفسية أفضل، واتزان أكثر في التعامل مع المحيط الاجتماعي، بل وحالة صحية أفضل. ويوضح د. فهمي ناشد، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، أن المراهقين في تلك المرحلة لا يفرّقون بين حياتهم في عالم الواقع، وحياتهم الافتراضية على شبكة الإنترنت، ويخلطون بينها بشكل يؤثّر على حياتهم الواقعية سلبياً، مع التأكيد على أنهم يميلون دوماً لأن ينشروا على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ما لا يمكنهم أبداً قوله في حياتهم اليومية على أرض الواقع، ويشمل ذلك توجيه السباب القذر والألفاظ المسيئة للآخرين، واستخدام المصطلحات والعبارات الجنسية الخادشة، وأحياناً نشر صور وفيديوهات جنسية أيضاً أو إرسالها لآخرين للإساءة إليهم، والإشارة بصراحة إلى المخدرات بأنواعها، رغم عمرهم الذي لا يتعدّى 16 عاماً، وهو ما يجعله العالم المفضّل لديهم وأكثر جذباً من الحياة الواقعية التي تملها القيود والضوابط، لافتاً إلى أن السوشيال ميديا تحوّلت مع الكثير من المراهقين والشباب إلى إدمان سلبي، فبعضهم قد لا يتناول الطعام حتى لا يترك الهاتف المحمول، ويشعر بفراغ داخلي كبير لو ابتعد لساعات عن مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل السوشيال ميديا تمثّل تهديداً حقيقياً للعالم الواقعي للمراهقين وتؤثّر سلباً على سلوكهم وحالتهم النفسية.