قساوسة وقيادات أمنية وتنفيذية.. محافظ المنيا يستقبل المهنئين بعيد الأضحى (صور)    وزير التعليم العالي يزور الجامعة الوطنية للأبحاث النووية في روسيا    التموين: فتح المخابز البلدية أمام أصحاب البطاقات لصرف الخبز المدعم    سعر اليورور اليوم الأحد 16-6-2024 مقابل الجنيه في البنوك    وزير الإسكان: تنفيذ 100 ألف وحدة سكنية بدمياط الجديدة    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    مقتل جندي إسرائيلي من سلاح المهندسين في معارك غزة    بيني جانتس: أمن إسرائيل يتطلب تجنيد مزيد من الجنود    سفير الصين: نعمل مع مصر لجعل طريق بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل مفروشًا بالورود    يورو 2024، أزمة تصريحات سياسية تضرب معسكر فرنسا    ألعاب وعرائس وبالونات.. العيد أحلى فى مراكز شباب أسيوط (صور)    برشلونة يفاضل بين نجم ليفربول ولاعب أتلتيك بيلباو    الأهلي يتفق مع ميتلاند الدنماركي على تسديد مستحقات و"رعاية" إمام عاشور    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    مصدر من اتحاد السلة يكشف ل في الجول حقيقة تغيير نظام الدوري.. وعقوبة سيف سمير    محمد صلاح يتسبب في أزمة بين اتحاد جدة والنصر    بالمراجيح وكرة القدم، الأطفال يحتفلون بعيد الأضحى في حديقة الأزهر (صور)    في أول أيام عيد الأضحى.. توافد المواطنين بجنوب سيناء على الحدائق والميادين والشواطئ    مصرع شخص غرقًا في مياه ترعة الكسارة بالشرقية    «النقل»: انتظام حركة تشغيل قطارات السكة الحديد ومترو الأنفاق في أول أيام العيد    المنيا تسجل حالتي وفاة أثناء أدائهما مناسك الحج    من بينهم ولاد رزق 3 والكهف.. تعرف على أفلام عيد الأضحى المبارك    خالد النبوي يظهر مع العُمال في العيد ويُعلق: «أسيادنا الخادمين» (صورة)    إيرادات Inside Out 2 ترتفع إلى 133 مليون دولار في دور العرض    أدعية وأذكار عيد الأضحى 2024.. تكبير وتهنئة    لتجنب التخمة.. نصائح مهمة للوقاية من المشاكل الصحية بعد تناول «لحوم عيد الأضحى»    طريقة عمل الكبدة بالبصل والفلفل زي المحلات.. «أسهل أكلة في العيد»    طريقة حفظ لحوم الأضاحي أطول فترة ممكنة.. «هتفضل معاكي طول السنة»    إصابة شاب فلسطينى برصاص قوات الاحتلال فى مخيم الفارعة بالضفة الغربية    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    بالصور.. اصطفاف الأطفال والكبار أمام محلات الجزارة لشراء اللحوم ومشاهدة الأضحية    برشلونة يستهدف ضم نجم مانشستر يونايتد    وكيل وزارة الصحة تتفقد القافلة الطبية أمام مسجد الدوحة بالإسماعيلية    ارتفاع تأخيرات القطارات على معظم الخطوط في أول أيام عيد الأضحى    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    التونسيون يحتفلون ب "العيد الكبير" وسط موروثات شعبية تتوارثها الأجيال    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى داخل ساحات الأندية ومراكز الشباب في المنيا    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    درجات الحرارة اليوم 16- 06 - 2024 في مصر أول أيام عيد الأضحى المبارك    البنتاجون: وزير الدفاع الإسرائيلي يقبل دعوة لزيارة واشنطن    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    إعلام فلسطينى: 5 شهداء جراء قصف إسرائيلى استهدف مخيم فى رفح الفلسطينية    الثلاثاء.. حفل حسين الجسمي ورحمة رياض في الكويت    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    الأوقاف الإسلامية بالقدس: 40 ألف فلسطيني أدوا صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى    الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى فى مشعر منى    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد بدر.. صور    توافد المصلين على ساحة مصطفى محمود لتأدية صلاة عيد الأضحى (فيديو وصور)    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضوضاء الريح : رواية سيرية عن الطفولة الفلسطينية الشقية
نشر في نقطة ضوء يوم 29 - 12 - 2011

حياة كل فلسطيني يمكن أن تروى، تحديدا منذ نكبة 1948، التي من نتائجها تمزق أسر فلسطينية، وفقدان أعزاء ..ووطن، ولجوء إلى العراء في فلسطين نفسها، وخارجها في البلدان العربية المجاورة، وأحيانا الرحيل إلى بلاد بعيدة لم يخطر ببال من رحلوا إليها أنهم بالغوها يوما. إذا كانت حياة الفلسطيني العادي البسيط يمكن أن تروى، فما بالك وهذا الفلسطيني شاعر، وكاتب حكايات للأطفال والفتيان، وأرشفجي يحكي عنه زملاؤه الأدباء في الأردن بأنه يملك أرشيفا يكاد يتفوّق على ما تملكه وزارة الثقافة الأردنية نفسها، يحفظ سير الأدباء الأردنيين ونتاجهم الأدبي.. ومن شتى الأصول والمنابت.
يوسف حمدان، المولود في قرية (إذنبه) قضاء الرملة في العام 1944، الذي فتح عينيه على (إبراهام) اليهودي الذي يحاول إغراء جد يوسف بما يريده من مال ليبيعه أرضه.. تفتح وعيه على النكبة، والفقدان، والجوع، والمهانة، من دون أن يعرف أسباب هذه المصائب.
يوسف يروي من ذاكرته الطفلية، ويفتتح روايته السيرية: صرخت منبها جدي: ها هو قد عاد ومعه آخرون! تظاهر جدي بعدم سماعي وهو يحاول تحرير رقبتي الثورين من (النير) معلنا انتهاء يوم حراثة آخر.
في هذا المقطع نبدأ مع الحكاية التي يسردها (يوسف) الراوي.. منذ الطفولة.. ويكبر فتكبر معه المأساة، ويكبر معها.. ويتمكن (إبراهام) من امتلاك الأرض بقوّة السلاح، وتبدأ معاناة الجد وأسرته وأحفاده.
بهذا المقطع تفتتح رواية (ضوضاء الريح) التي هي رواية (أبناء خديجة) المرأة الفلسطينية الفلاّحة التي احتضنت أطفالها وحمتهم من غائلة الجوع عندما أُسر والدهم، ثم صانت حياتهم وهم يكبرون في أيام التشرد والتنقل القسري من قرية (إذنبة) إلى قرى مجاورة لم تكن الحرب قد دهمتها بعد.. وصولاً إلى مخيم النويعمة.. وحتى رحيلها الفاجع عندما انهارت فوق رأسها حفرة وهي تستخرج منها ما تطلي به غرفتهم المبنية من الطين.. بالشيد الأبيض المستخرج من بطون تلال تقع شرق مخيم النويعمة أحد المخيمات الأربعة التي انتشرت حول مدينة أريحا.
أبناء خديجة فقدوا والدهم مبكرا، بعد خروجه من أسر الصهاينة بقليل، ولم يهنأوا بالعيش في أحضان الأب والأم، وهكذا فهم لم يعانوا كباقي الأسر من التشرد والغربة عن البيت والقرية والحقل حسب.. بل أيضا من افتقاد الحماية لطفولتهم.. بسبب رحيل الأب والأم معا الواحد بعد الآخر، وهم لما يبلغوا العمر الذي يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم.
أبناء خديجة طحنتهم الغربة واليتم معا، ولكنهم صمدوا بعد أن دفعوا الثمن غاليا من طفولة شقية، وفتوة قضوها في مكابدة افتقاد حتى لقمة الخبز.. والعطف، ولعل هذا ما صقل أرواحهم في التجربة التي وإن شاركوا كثيرين فيها من أبناء جيلهم، فإنهم عانوا فيها ما فاق معاناة الآخرين.
التنقل في القرى بعد استيلاء الصهاينة على (إذنبة) كان عابرا، ولكن الإقامة في مخيم النويعمة كانت البداية المؤثرة، ففي المخيم بدأت الدراسة، وبدا تفتح الوعي، وبدأت مرحلة إدراك ووعي ما حدث.
يسرد يوسف (الحكاية) بتلقائية، وحميمية، وبساطة.. لأن غايته أن يوصل للقارئ معاناته الشخصية هو وأسرته متداخلة بمعاناة أهله: جده وخاله وجدته وأقاربه، وأهل مخيمه.. وشعبه كله، فالتجربة بتفاصيلها تخّص كل فرد وأسرة، وبعمومها تشمل شعبا نكب وتعرّض لظروف شملته كله، وإن اشتدت قسوتها أكثر على بعض الأفراد والأسر.
هناك ما هو شخصي في رواية يوسف.. يجمعني وإيّاه، وهذا ما قرّب هذا النص الأدبي الأليف من نفسي، وأهاج ذكريات حميمة وحزينة.. وأحيانا جميلة.. وحتى فكهة، لأننا رغم كل شيء كنّا نضحك أحيانا في ذروة مآسينا المقيمة معنا.
أنا ويوسف عشنا في نفس المخيم (النويعمة) وعلمنا نفس الأساتذة، ومنهم وأبرزهم، واكثرهم تأثيرا في حياتنا، الأستاذ عدلي عرفات أستاذ اللغة العربية.
الأستاذ عدلي عرفات جذبنا للقراءة، وعندما كبرنا شجعنا على الكتابة.. وتبنى من وجد لديهم موهبة، فعمل على تنميتها، ورعايتها.. فكان أبرز تلامذته الصديق يوسف حمدان، الذي بات صديقا للأستاذ عدلي.
حكاية الأستاذ عدلي رحمه الله مشرّفة وفاجعة، فهو، وهذا ما عرفناه عندما كبرنا، كان مصابا بمرض السكري منذ طفولته المبكرة، ولذا كان لونه أصفر شاحبا.. ومع ذلك فقد تفانى في نشر الوعي بين طلابه، وأحضر لهم الكتب من القدس، وبنى لهم مكتبة.. وشجعهم على القراءة، والنقاش، والتفكير.. والخطابة والجدل.
حكاية الأستاذ عدلي تبرز في رواية يوسف، الذي دأب على مراسلة أستاذه الذي غادر إلى دمشق لدراسة الطب في جامعتها.. ومات قبل أن يتخرّج من كلية الطب في العام 1963. (العجيب أنني كنت آنذاك أعيش في دمشق.. ولم أعرف أن الاستاذ عدلي يدرس في جامعتها).
يوسف الوفي لا يحكي عن نفسه، وإن كانت تجربته الحياتية حاضرة، فهو يستعيد شخصيات من المخيم، من زملائه وجيرانه وأساتذته وموظفي وكالة الغوث الذين يحضر منهم مدير المخيم الطيب الذي ساعد أسرة يوسف على شراء غرفة لهم تؤويهم وتصون كرامتهم ؛ ولأنني عشت مع يوسف في (النويعمة) فإنني وأنا اقرأ استعدت بمحبة بعض الشخصيات، وفي مقدمتهم تلك المرأة التي كنّا نناديها (الخالة شمسة) .. التي كانت تهتم بيوسف وأبناء صاحبتها المرحومة خديجة، وتقدم لهم ما تيسّر من الطعام.
كبر يوسف، وتعلّم ميكانيكا الآلات الثقيلة في معهد وداي السير المهني، وسافر من بعد إلى الكويت، وهناك عاش تجربة غنية ينقلها بحميمية، ويقدم شخصيات طريفة منهم زميله السعودي الأصل (عجران) الكاره للعمل في الشركة والأجانب.
يبدأ نص يوسف بالمواجهة مع (إبراهام).. وينتهي بمواجهة إبراهام من جديد.. ولكنها مواجهة عاجزة، غير متكافئة، لا تعيد الأرض التي استولى عليها إبراهام بقوّة السلاح.
اقترح يوسف على جده العودة بتصريح إلى (إذنبه).. فوافق الجد بعد تردد، وإذ تصل بهما السيارة إلى القرية.. ويحدد الجد أرضه، يبرز إبراهام.. ويواجه الجد يوسف ساخرا: هل جئت لتقبض ثمن أرضك يا خبيبي؟!.. راخت أيام زمان يا خبيبي..اليوم إنت مش خبيبي يا خبيبي.
وانطلقت بنا السيارة..ولم نلتفت إليه. (ص112
يا لها من عودة.. تليق بها سخرية إبراهام!. هذا ما يقوله يوسف، فالعودة إلى الأرض لا تكون بمجرّد إلقاء نظرة عليها.. والتفجع والبكاء.. العودة إلى الأرض. وعودة الأرض.. لا تكون بتصريح من العدو المحتّل!
يوسف حمدان الذي تتلمذ على يدي الأستاذ عدلي عرفات، وجعل من الشعر همّ حياته ومعناها، جعل من (المهنة) وسيلة للرزق.. فقد آمن مبكرا بأن مهنة في اليد أمان من الفقر، وهو مع انهماكه بالعمل، ورحيله الدائم من بلد عربي إلى آخر، واظب على كتابة الشعر، وحكايات الأطفال، وأرشفة حياة المبدعين بروح اعتادت أن تعطي بمحبة وغيرية.
ضوضاء الريح .. الرواية السيرية، أخذت عنوانها من قصيدة كتبها يوسف وأهداها لأستاذه عدلي معاتبا إيّاه على استقالته من التعليم ومغادرته إلى دمشق لدراسة الطب من دون إعلام طلابه ..خاصة يوسف.
ربما يتنهد القارئ وهو يطوي آخر صفحات هذا (النص) وهو يقول لنفسه: يا إلهي ..كم تعذب جيل النكبة هذا.. وكم أنهم أبطال هؤلاء الذين رغم الجوع والفقر واليتم تعلموا، وبنوا أسرا..وتغلبوا على ظروف حياتهم الشقية، وها هم يكتبون سيرة شعبهم، ويلهمون الأجيال التي ولدت بعدهم!
* صدرت الرواية عن دار الينابيع للنشر والتوزيع الأردن 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.