جاءت تكهنات بعض المثقفين قبل التغيير الوزاري بتعيين وزير ثقافة جديد خلفاً لحلمي النمنم في غير محلها، فلم تصدق حيثيات الحكم علية بالفشل أو التقصير، كأسباب موضوعية للإقالة، من وجهة نظر المختلفين معه والمختلفين عليه، فقد استند المعارضون إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها الوزير المصري وتصوروا أن آخر حدث ثقافي سيشهده النمنم هو المعرض الدولي للكتاب، على أن تتم الإقالة بعدها مباشرة، ولكن ما حدث خيب ظنونهم، إذ ظل الوزير على مقعده وذهبت تكهنات النخبة أدراج الرياح. لقد اعتقد هؤلاء أن جملة الأخطاء التي وقعت منذ توليه الوزارة يمكن أن تطيح به ، بل تعدى الأمر مستوى الاعتقاد إلى جوهر اليقين، بأنه مغادر موقعه لا محالة، حيث كل المعطيات تشير إلى ذلك، وقد ذكر البعض دلائل تورط الوزير في بعض الأشياء، منها على سبيل المثال، عدم رده بشكل حاسم على اتهام أحد نواب البرلمان للأديب الراحل نجيب محفوظ بأنه يروج للفسق في رواياته ومطالبته بمحاكمته ميتاً. ولم تكن تلك هي الواقعة الوحيدة، وإنما جاء بعدها عرض الفيلم المشبوه «جمهورية ناصر» ضمن عروض البانوراما الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي، في تحد سافر للمشاعر الوطنية لجموع المثقفين، فرغم الاحتجاجات الواسعة لم تصدر عن وزير الثقافة حلمي النمنم أي ردة فعل، ولو مجرد تصريح للتهدئة، وأعطى ظهره للمشكلة كأن شيئاً لم يكن. ولم تمر سوى أيام معدودة حتى جاءت أزمة جديدة متمثلة في مطالبة أخرى من نائب برلماني آخر بضرورة منع عرض فيلم «مولانا» بدعوى الإساءة لرجال الدين، علماً بأن ما طرحة الفيلم كان بعيداً عن فكرة التعميم، واقتصر فقط على بعض مشايخ الفضائيات الذين يتصدون للفتوى ويحكمون في أمور الدين والدنيا دون إحاطة كافية بالقضايا محل الخلاف، فضلاً عن إنهم ليسوا منزهين عن النقد طالما أنه في الإطار المقبول. ولأن السيد الوزير لم يحرك ساكناً والتزم الصمت حيال هذه القضايا الخلافية فكان طبيعياً أن توجه له سهام اللوم من البعض، وتأتي توقعاتهم لإقالته مترجمة لرغباتهم الدفينة والمعلنة في تحقيق تلك الأمنية، ليس حباً في الإصلاح ولكن نكاية فيه، بالإضافة لكل ما سبق لم تسلم نوايا المثقفين المتحاملين والناقدين لوزير الثقافة من شبهة المهاجمة لأسباب شخصية، التي لم تبتعد عنها كثيراً مزايا جوائز الدولة التي ذهبت لغيرهم من المستحقين وغير المستحقين، فأوغرت صدورهم ضده فتمنوا إقالته. هناك أيضاً أسباب أخرى يضطلع بها بعض العاملين في القطاعات الثقافية التابعة للوزارة ممن أضيروا جراء سياساته وقراراته، التي كانت سبباً رئيسياً في عزلهم من مناصبهم وتجميد أنشطتهم وتحويلهم إلى مجرد أنفار، بعد أن أمضوا سنوات في مواقع قيادية بارزة لعبوا من خلالها أدواراً ومثلوا أضلاعاً أساسية في حركة النشر والإبداع وخلافة. هؤلاء المغبونون هم من قادوا حملة ضارية ضد النمنم على أمل أن يكون لهذه الحملة صدى لدى أصحاب القرارات الفوقية فيتحقق المنشود. الغريب أن ما يحدث الآن يشي بتغير نسبي في موجات الاحتجاج والرفض من جانب من قادوا الحملات وحرضوا ضد الوزير، بعد أن تأكدوا من عدم جدوى الكلام المرسل والهجوم بلا تأثير فالأصوات التي ارتفعت للمطالبة بالإقالة انخفض جرسها إلى الحدود الدنيا، والشخصيات التي طالما أعلنت تشبثها بحقها المهدور على حد وصفها باتت الآن تقترب اقتراباً حثيثاً راجية الصلح والمسالمة لشعورها بأن مخاصمة المؤسسة الثقافية الرسمية فعلاً في غير صالحها. الدرس المستفاد من تلك المعارك الوهمية التقليدية والمعتادة، هو أن معظمها يقوم على الاشتباك لمجرد استعراض العضلات وإظهار العين الحمراء للوزير، فإن رضخ تأكدت القوة الناعمة وتأسست بشكل ضمني قاعدة تكافؤ القوى وتوازنها بين المثقف والسلطة الثقافية، وبناء عليه يتم التعامل الحذر بين القوتين العظميين وعلى ضوء ما يستجد يحدث التواؤم أو يكون التنافر.