يميل الفنان التشكيلي السوري محمد أسعد سموقان إلى تقديم وجبات شهية بصرية في أعماله التشكيلية، وينتصر لجميع الألوان، ولكنه قد يعطي الأزرق البطولة وعبر كيمياء إبداعية حساسة ولطيفة تتفاعل جميع العناصر، وهنا الألوان البهيجة تقودنا إلى الشكل ولا تطمسه أو تشوهه. لكل لوحة معانيها بالتأكيد، وهذه المعاني والدلالات متاح فهمها والجدل حولها، وهي إنسانية، ولا يسعى سموقان لتسجيل حدث محدود مباشر، العناصر الفنية تتلاحم وتتكاتف لتقديم بهجة بصرية عصرية وذات دلالات لا محدودة لمخاطبة العين والفكر والروح. الفنان غير منفصل عن واقعه المفعم بالألم والحروب والموت والتشرد ولا يتهرب من هذا البؤس لكنه قد يستنجد بالأساطير والملاحم التراثية السورية ليزج بنا إلى عمق الألم من نوافذ ميتافيزيقية متعددة. رغم الأزمة وما تعيشه سوريا من ظروف قاسية أثرت على الحركة التشكيلية السورية إلا أن صوت الإبداع لم يصمت. وينشط سموقان ويرسم مئات الأعمال منها الصغير جداً الذي لا يتجاوز حجم كرت الفيزيت ومنها الكبير جداً الذي قد يصل طول بعضها إلى ثلاثة عشر متراً مثل تلك التي تجسد الأساطير والملاحم السورية. الرسم بالنسبة للفنان سموقان يعني المحبة بكل معانيها الإنسانية ويجد الفنان لذة الحياة والوجود ووسيلة لمحاربة الكراهية التي نضجت وترعرعت بسبب الحروب، لوحاته قصائد ضوئية فيها الكثير من الدهشة والأمل رغم ما قد تحويه من ألم إلا أن الفنان يعتبر نفسه داعية للحياة والسلام والمحبة، وهنا زرع التشاؤم والاحباط واليأس ليس من وظيفة الفن، فالفن يُغذي الأرواح المتعبة ويمنحها القوة لقهر الموت البشع. يحتل الجسد الأنثوي مكانة مهمة في عالم سموقان، ويتفنن في تصويره بأساليب مختلفة تتجاوز جميع الحدود وتخلق منه دلالات روحية وميتافيزيقية مذهلة، التعري في لوحات سموقان مرتبطة ومقرونة بالجوهر والجسد الأنثوي العاري جزء من الطبيعة والكون ومنبع الحياة، وهو لا يقدم لذة وقتية لدغدغة الشهوة الحيوانية، الجسد العاري يتحول إلى أيقونة، وكأنه يصور لنا جماليات الآلهة وقوتها وسحرها وغموضها الخارق، والجسد مرتبط بالطبيعة وبتفاصيل صغيرة كالزهور وأوراق الأشجار والحيونات وتراب الأرض. البصمة السورية يلتقي الماضي بالحاضر في الكثير من لوحات سموقان، ونكون في حضرة حوار مع الأصالة والتجديد، وللوجوه الإنسانية نصيبها كبوابة لتلمس الروح والعمق الإنساني بما فيها من قلق وألم وفرح، فالفنان يتيح للروح أن تتظاهر وتصرخ ونكاد نسمع ترانيم وأهازيج النفس وتتفجر بنعومة هادئة لكنها قادرة على التأثير فينا وقيادتنا إلى ساحتها المدهشة. يضع سموقان البصمة السورية في كل لوحة يرسمها، ويظل البعد التراثي حاضراً بصور غير مباشرة لكنها مفهومة، ويمكننا أن نُحسّ بها وكل لوحة لا تنفصل عنه كفنان سوري وعربي، وهنا الخاص يلتقي مع العام ويقدس الأرض بما فيها من شجرٍ وحجرٍ وحيونات. هناك نوع من الحيونات تحضرُ ويتكرر حضورها كالكلاب والذئاب والضفادع وهي في حالة حركة وليست جمود، كل شيء يبدو حياً ومتحركاً وله وجهة نظر إلى مكان ما أو إلينا، هذه التقنيات تجعل من اللوحة التشكيلية حية وناطقة، وهذا جعل بعض الشعراء والشواعر يعيدون قراءة بعض أعمال سموقان لتتحول إلى قصائد شعرية. نجد عدة قصائد من وحي لوحاته للشاعرة المغربية ثريا بن الشيخ، وعندما سألتها في حوار سبق نشره عن هذه النقطة ردت بقولها: "الشعر انبجاس متقطع لحقائق مبطنة لا يدركها حتى صاحبها. والرسم كما تعرفون شعر صامت كما قال بروتاجوراس. وتحويل اللوحة الفنية إلى قصيدة ليس بالأمر الهين، هو فعل يشبه تفسير الأحلام، إذ فيه من المعرفة كما فيه من الحدس الشيء الكثير، اشتغل على اللوحة كنص قادر على فتح جسور أخرى للإلهام. فكل لوحة لها تأثير خاص وقدرة على استنطاق غوامض فينا، وهي تناوش فينا عوالم خفية نسعى إلى إدراكها وفهمها والتعايش معها." ويمكننا أن نلمس طقوس حكائية وملامح درامية سلسة ومكثفة في بعض لوحات سموقان، كما نرى تمازج وتفاعل ما هو حي مع الجماد وخصوصاً المزهريات التي تتخذ أشكالاً مختلفة وقد تكون مليئة بالزهور أو يتربع عليها ضفدع أو فارغة أو بداخلها جسد قط. يصعب أن نلم بتجربة الفنان السوري محمد أسعد سموقان في مقالة واحدة، وهذه التجربة بحاجة إلى دراسة أكاديمية معمقة وسأكتفي هنا بهذه المقالة والتي جاءت نتاج تأثير معايشتي لها من خلال ما ينشره الفنان من صور لبعض لوحاته على موقع الفيسبوك، وأتمنى حضور معرض حي له أو زيارة مرسمه كون المتعة ستكون مدهشة عندما نتنفسّ عطر اللوحة ونشعر ببهجتها وسحرها وروحها الحي.