في الوقت الذي يكثف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب استفزازته وتهديداته اللفظية ضد الصين، تخطو هوليوود خطوة شجاعة في التعاون مع منتجين من الصين، في فيلم «السور العظيم» الذي بلغت ميزانيته 150 مليون دولار، وهو الفيلم الذي تم تصويره بالكامل بين البحر الأصفر وصحراء غوبي، ومن إخراج الصيني زانج يمو، وبطولة مات ديمون، بيدرو باسكال، تيان جينج، أندي لاو ووليام دافو، ونجوم محليين، الجميع يشترك ضد هذه المخلوقات المستوحاة من الأساطير الصينية. قبل أكثر من 1000 عام، يأتي اثنان من المرتزقة هما ويليام غارين (مات ديمون)، وبيرو توفار (بيدرو بسكال) من القارة الأوروبية المشغولة بالصراعات والحروب بحثاً عن مسحوق أسود يمكنه تحويل الهواء إلى نار، ما يعتبره أمراء الحرب اختراعاً غريباً، يدفعون أموالاً كثيرة للمرتزقة في سبيل الحصول عليه، كونه يغير من موازين الحرب. يظهر مخلوق غريب ويهاجم ويليام وصديقه بيرو، يتمكن ويليام من قتله ويحتفظ بجزء منه ثم يقعان في قبضة الجيش الصيني، الذي يحمي الغرب الصيني ويُحضّر لعملية ضد غزو مخلوقات وحشية تهاجم السور مرة واحدة كل ستين عامًا، يتم سجنهما ثم سرعان ما يقع الهجوم الأول، حيث يقدم ويليام وبيرو دليل شجاعتهما ويحظيان بالتكريم والمشاركة لوقف زحف هذه المخلوقات، وضرورة التخطيط لقتل ملكتهم. ألعاب زانج يمو كعادة زانج يمو في أفلامه، التي دوماً تقترب من الأساطير والتاريخ الصيني القديم، يحاول أن يصوغ حكاياته الدرامية من خلال إبهار بصري، تتفاعل معه التكنولوجيا والطبيعة البعيدة عن عين المُشاهد الغربي. وفي إطار ذلك يُصر على تضمين معالجته البصرية أفكاراً ومبادئ إنسانية عُليا. فهنا نجد هجمة هذه المخلوقات الشرسة «طاوطيي» ضد سور الصين العظيم، وما يصاحبها من معارك، العديد من الاشتباكات والخناجر الطائرة وكرات اللهب، ويحضر سور الصين العظيم كمعجزة بشرية، لا تخلو أي لحظة من مفاجأة أو حدث مثير، كتلك المشاهد التى نرى فيها المقصات العملاقة التي تقطع أجساد هذه المخلوقات، ورغم براعة القتال وتنوع أسلحة الدفاع فإن المعركة النهائية للقضاء على الملكة يبدو أن الجميع يشترك فيها، فلسنا مع سوبرمان ولا بطل أبيض خارق ومثالي، فهناك مَن يقدم حياته ويضحي من أجل بلده، ليس لمصلحة مادية ولكن حباً وإيماناً ودفاعاً عن أرضه وأهله. في بعض اللحظات تتوقف المشاهد الحربية ليغوص بنا الفيلم في أعماق أبطاله ويدرك ويليام بشاعة نفسه ويحدث التحول الداخلي من محارب وقاتل مأجور إلى محارب له هدف إنساني، هذا التحول الخطير وغير المتوقع حركه هذا المحيط الذي عايشه، بينما نرى زميله يسرق ويهرب مع شخص آخر، هنا يناقش الفيلم بعضا من القيم الإنسانية كالتضحية والثقة وكذلك الصداقة. الشرق وعالمه لم تكن هنالك حوارات مطولة، أو أفكار تُتلى، بل إنها تنبع من الشخصيات ووجهات نظرها المتباينة، إضافة إلى تمجيد روح التضحية والانضباط العسكري. من ناحية أخرى تعدد الوسائل في تشكيل المكون البصري فكانت البداية مع هذه الطبيعة المتنوعة، ثم الألوان المختلفة لملابس الجند وقبعاتهم ودروعهم وحرابهم، كل ذلك في سبيل الكشف عن حكاية أسطورية لبلد شرقي وحضاري تعد فيه الألوان عنصراً مهماً في ثقافته وتاريخه. حرص الكاتب ماكس بروكس ورفاقه الذين اشتركوا في كتابة السيناريو على أن يتم تسليط الضوء على الضابطة لين ماي (جينغ تيان)، ووضعها على قدم المساواة ضد ويليام (مات ديمون) ومنح الفيلم بعض الوقت لهذه العلاقة، فكل واحد يحاول فهم ثقافة الآخر وطريقة تفكيره وتجاوز شكوكه ومخاوفة من الآخر وعندما حدثت الثقة تحقق التعاون وكأننا نستشف رسالة قوية تأتي خارج الشكل الفيلمي/الأكشن، وموجهة بدقة وكذلك لها تأثيرها الخاص في تسويق الفيلم، وربما يثمر نجاح هذا الفيلم مشاريع مستقبلية ضخمة بين هوليوود والصين، أو ربما تصل بعض رسائله وما تتضمنها من ترحيب وتحذير. الرسالة والتوقيت رغم ما أثاره الفيلم من جدل، خاصة حول إسناد البطولة لنجم أمريكي، إلا أنه يوحي بأن الصين تجدد دعوتها للصداقة مع شعوب العالم، خصوصاً الغرب، حيث تستوعب قصة الفيلم ويليام وصديقه وهما من المرتزقة الأوروبيين في القرن الثاني عشر لمساعدة الصينيين على محاربة المخلوقات الخرافية التي جاءت من عالم مجهول وتسعى إلى اجتياح بكين ثم تدمير العالم كله والقضاء على الحضارة الإنسانية. سور الصين العظيم يترك الشعور بأن ما نشاهده صور مجازية، فهزيمة المخلوقات الوحشية يكون بسبب جشعها، ويتمثل بالأساس في القوة الجماعية والتضامن، حسب الأسطورة. الفيلم يثير العديد من الأسئلة، فهل نحن مع تحذير جاد من الاستهلاك المنتشر في الصين؟ أم التحذير من المسخ الفكري الخارجي في عصر الانفتاح والفضاءات المفتوحة؟ أم نحن مع مجرد فيلم مسل؟