بعد تعنيفه من المحافظ.. نقابة المعلمين تكشف حقيقة نقل مدير مدرسة أشروبة بالمنيا    من أجل الجرعة.. مدمن يقتل والده    البلطي ب 90 جنيها.. أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ اليوم    سعر الدولار الأمريكي يتراجع عالميًا اليوم في بداية تداولات الأسبوع (تفاصيل)    انفوجراف| تراجع أسعار الذهب اليوم الإثنين 11 أغسطس في بداية التعاملات    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتوفير التغذية الكهربائية لمشروعات التنمية الزراعية بالدلتا الجديدة    ارتفاع الطن.. سعر الحديد اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025 تسليم أرض المصنع وفي الأسواق    مصر تدعو الاتحاد الأوروبي لاتخاذ وقفة واضحة تجاه التصعيد الإسرائيلى الخطير في غزة    أوكرانيا والسويد تعدان مشروعًا لتطوير الطيران القتالي    إعلام إسرائيلى: الجيش سيعرض خلال أسبوعين خطة شاملة لاحتلال قطاع غزة    إيران: الصمت والتقاعس الدولي يسهمان في تفاقم جرائم الاحتلال بغزة    مواعيد مباريات الجولة الثانية بالدوري المصري والقناة الناقلة    رضا عبد العال: فوز الزمالك مفاجأة.. وريبيرو سبب تعثر الأهلي أمام مودرن سبورت    حبس شخص بتهمة قتل كهربائي بسبب خلاف مالي بالشرقية    حريق بمحيط مصنع سكر أبوقرقاص في المنيا    الداخلية تكشف تفاصيل صراخ سيدة داخل «تاكسي إسكندرية»    ضبط 8 أطنان خامات أعلاف مجهولة المصدر بالشرقية    ختام الموسم الخامس لمهرجان إبداع لأعضاء مراكز الشباب    الشاطر يكتسح شباك التذاكر.. وأمير كرارة: من أحب التجارب لقلبي    في الذكرى الثامنة لرحيله.. وصية نور الشريف التي طلب تنفيذها يوم وفاته    كلية طب قصر العينى تطلق مجلة دولية محكمة بالشراكة مع ناشر عالمى    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 40.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 26 يومًا    محافظ أسيوط: رفع نواتج تطهير الترع بطريق الكوم الأحمر    المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية تشارك في النسخة الأولى من بطولة العلمين للجامعات    وزير الري يتابع تطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي وصيانة خزان أسوان وبواباته    ارتفاع نسبة الرطوبة.. موجة حارة تضرب العلمين ومطروح    محافظ القليوبية: نخطط لإنشاء جمعية لرجال الأعمال والمستثمرين    وكيل تعليم الغربية يتابع سير امتحانات الدور الثاني للدبلومات الفنية في يومها الثالث    خلال ساعات.. نتيجة تنسيق المرحلة الثانية للجامعات 2025 (الرابط الرسمي)    ميناء الإسكندرية يستقبل السفينة السياحية الهولندية MS Oosterdam    وزير المالية: دعم جهود تمكين القطاع الخاص مع التركيز على التوسع والنفاذ إلى الأسواق الأفريقية    معرض دولي للكاريكاتير يحتفي بالنيل في عيده    «لمحبي الصيف».. اعرف الأبراج التي تفضل الارتباط العاطفي في أغسطس    بالأسماء.. 3 تغييرات في تشكيل الأهلي أمام فاركو (تفاصيل)    "الإسكان": تسريع وتيرة تنفيذ مشروعات الخدمات بمدينة أكتوبر الجديدة    التعليم: كتاب رياضيات أولى ابتدائي خطوة غير مسبوقة في تاريخ التعاون مع اليابان    الأمم المتحدة: خطة إسرائيل بشأن غزة "فصل مروع" من الصراع    تحرير 950 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    السياحة والآثار: وادي الملوك بالأقصر آمن والمقابر لم تتأثر بالحريق    محمد شاهين: ظهرت في كليب إيهاب توفيق وطفولتي كانت مع جدتي    تعرف على مباريات اليوم في الدور الرئيسي ببطولة العالم تحت 19 عامًا    مؤتمر صحفي لإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ.. الثلاثاء    الدفاع الجوي الروسي يُسقط 5 طائرات مسيرة أوكرانية فوق موسكو    نقص مخزون الحديد.. أجراس تحذير للجسم وطرق علاج الأنيميا    طب قصر العيني تطلق أول دورية أكاديمية متخصصة في مجالي طب الطوارئ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    د.حماد عبدالله يكتب: "الفن" والحركة السياسية !!    أحرج " يويفا "بتعليقه علي استشهاد سليمان العبيد. .. محمد صلاح صوت فلسطين فى ملاعب أوروبا    تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيمفونية لونية وتجريد مغامر في تجربة التشكيلي العراقي محمد سوادي
نشر في نقطة ضوء يوم 05 - 12 - 2016

ابن الشمس لا يستطيع الابتعاد كثيرا عن مصدر الإلهام والإشراق، هكذا هو ابن الناصرية ومعابد الشمس الأولى في أوروك وأريدو الفنان التشكيلي محمد سوادي يسعى بجد ودأب كي يضفي شروقا متميزا على سطوح لوحاته فيها الكثير من الثيم والإيقاعات والمفردات المتداخلة والمساحات اللونية التجريدية من خلال التعامل بشكل متميز في ترويض المساحات بلونية متناغمة في تجربة مغايرة، تعتمد التجريب التكويني اللوني البعيد عن تشخيص الواقع بشكل مباشر.
فهو أحد التشكيليين المغامرين القلائل الباحثين عن قيمة التجريد اللوني المطلق في فضاء الحداثة اللونية المعبرة عن روح المعنى التي تكمن في خاصية كونه ملوّناً يعرف كيف يطوع العلاقة القائمة على أسلوب تحديد التكوين التشكيلي بواسطة خطة لونية لا خطية.
فاللون وحده هو نقطة الارتكاز الأساسية في فنه، إذ يعتمد في تشكيله اللوني على مدى أو مركز معين في اللوحة، يكثف فيه إيقاعاته اللونية بحيث تتداخل الطبقات اللونية فيما بينها ضمن مركزية الفكرة.
فهو يحوّل كل ما يجول بخاطره إلى فيض من الألوان المتداخلة والمتجاورة بقصدية ليست عفوية، بل تختزن نكهة من مزاج عراقي شرقي يشع بسطوع لوني متأثرا بقوة حرارة الشمس التي تعطي معنى حقيقيا لمعنى اللون، لذلك فهو يحاول أن يؤسس لمدرسة لونية متميزة تفجر إمكانيات اللون التعبيرية من خلال خلق توازن تجريدي بين العلاقة الشكلية والتعبيرية الباطنية.
إن غاية الفن عند محمد سوادي تأتي من أدلة روحية، وما هو كفنان إلا وسيط يحمل رسالة جمالية مهتديا برسالة تأملية تقترب من مذاق صوفي، في التأمل بما تحويه الطبيعة من عوالم جمالية لا تعثر عليها إلاّ عين المتأمل، فيعيد صياغتها وفق ذائقته الفنية بعيدا عن الأشكال الهندسية، بل يبني حلمه الأسطوري محاولا الإمساك بما لا يمسك -قدر الإمكان- وقد كان له ذلك.
وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار البريق اللوني، إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بالعطاء اللوني، الذي يتحوّل أحياناً إلى صيغة تشكيلية لها علاقة بالفن التجريدي غير المتطرف في عفويته وحداثته، ليصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون التلقائي بعفوية اللحظة الإبداعية فكل لمسة لونية في اللوحة هي كشف وإيحاء.
فإيقاع اللون يتكاثف ليشكل سمفونية تحاول أن تجمع أزمنه متفاوتة في لحظة واحدة من خلال هارمونية بصرية تعيد رسم معالم الواقع وفق رؤية فلسفية، تحمل الجوهر لتحيله إلى ما ورائية قصدية تتناغم بين الصفاء الروحي والتأمل العقلي، إنه يحاول أن يلملم اللحظات الهاربة الأكثر إشراقا ليخلق المتعة، حيث تتداخل الذاكرة على شكل استرجاعات حلمية مشحونة بطاقات لونية متفجرة تختصر المسافة بين الحلم والواقع، في عوالم مستعارة تعيد للمشاهد نوعا من البهجة المدهشة لتفرّد الفنان في تعامله مع اللون وفي أسلوبيته.
إن الفنان في جهده الإبداعي يحاول أن يعطي مفاهيم وتصورات ورؤية معاصرة للفن، بما يعني العودة إلى الذات التي قادته إلى البحث في وجعه الروحي القلق فلم يجد غير تلك الصوفية اللونية لإملاء شعور الإحباط والانتكاسة وإعادتها إلى بهرجة لونيه فرحة لكنها موجعة في ذات الوقت، مسكون بعوالمه الداخلية أولا، وبالعالم الطبيعي الذي يواجهه في دوامة البحث للامساك بالحقيقة الوجودية المعمقة فإن لم يستطع فلا بأس من التعلق في أطرافها فهو لا يتحدث عن النهائية أو التمامية في العمل الفني بل إنه يجاهد للوصول إلى مفاتيح تفكك أو تقرّب من الوصول بخلق منهج كياني متفرد يتوسل بنهج أهل المعرفة الروحية والاقتراحات الصوفية للتأويل.
من هنا يظهر لنا هذا البعد في عدم تجاوز الأفق غير المنظور في اللوحة، إنه يحاول أن يبدع قراءة معمقة للوصول إلى إشارات سردية لا متناهية من فيض يأتي من سرمدية الوجود، إنه صوت باطني يتجلى في عيون الرائي مثل ظلال تتمخض بالتفجر الروحي لإثمار الخصب اللوني في جسد اللوحة، ليفصح شاء أم أبى عن مكنون الذات ويحفز طاقة التفكير لدى المتلقي، إذ لا تقتصر المعرفة على ما هو مألوف من المثيرات الشكلية المباشرة بل يتطلب الأمر استثارة أفق التفكير والانتباه إلى ما قد يغفل من معطيات الواقع في تنمية قدرات التخيل لتجاوز محدودية هذه المعطيات.
يقول الفنان بول كيلي في هذا الشأن “إن العين تتحرك بسأم عندما تتأمل ما تعودت علية من الأشكال” ومن هنا تبرز قدرة الفنان محمد سوادي في إرساء قدرة الإبداع للوصول إلى الإثراء الروحي عبر الخلط المبدع بين التجريد الواقع وما يعتمر بروحة من عشق إلهامي-ذاتي لخلق نمط جديد من الخصوصية في استغلال طاقة اللون غير المحدودة للتعبير في مساحات تجريدية تزخر بإيحاءات متكيفة مع الامتداد البصري بين المرئي واللامرئي الكامن في عمق العمل الفني. فهو إذن يحاول دائما أن يجري حوارا بين الكتلة اللونية والمشاهد.
ولأن الفنان ككائن من نوع خاص، لا يهمه في آخر الأمر إلا الوصول بدعوته من أجل كون مليء بالقيم الجمالية النبيلة، مختطا لنفسه منهجا وأسلوبا متفردا وبعيدا عن التقليد لخلق ظاهرة لونية عراقية التميز عالمية الاتساع، فألوانه المبهرة الحامية تعكس جرأة الفنان في قصدية خلق تناقض صارخ بين الضوء والظل وحرية اللمسة التجريدية التي تجعل انبثاق تألق الضوء من داخل المادة، إنه يملك حساسية مفرطة تجاه الواقع وجوهر الأشياء عبر تجريدية تفاجئ المشاهد بزخم الإيحاءات لتكثيف الامتداد البصري متخذا من هارموني الألوان قناعا للوصول إلى العمق مبتعدا عن الرمز المكشوف وكل مظاهر التشخيص عبر دلالات غير محدودة في الخيال الإبداعي.
إن أعمال الفنان محمد سوادي ستبقى دائما تثير الجدل بقدرتها اللونية على إيقاظ المشاعر ومنح المشاهد فرحا تأمليا ومتعة الغوص في تأويل اللون، ليكلم الصامت في روحه. ويبقى التميز في الإبداع هو جوهر الخلود الدائم في تاريخ الفن.
......
كاتب من العراق مقيم في لندن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.