يهيمن الرجال على جميع مفاصل تاريخ الفن، حتى أن رسّامة عظيمة من عصر النهضة، مثل ارتيميسيا جنتليتشي (1593 1652)، ما زالت مهمّشة قليلاً، ربما بسبب تفوقها الاستثنائيّ، كإمرأة، في الحقل التصويريّ. أغتصبها أستاذها الذي بعثها والدها لتعلّم الرسم على يديه، فظلت مهمومة بميثيولوجيا «جوديث تقطع رأس هولوفيرن» وهو عنوان لوحتها المرسومة عام 1620م (هناك نسخة لكرافاجو بالعنوان نفسه مؤرخة بنحو 1598م). لعلّ حكاية جوديث كانت تعبّر عن رغبتها الشخصية بالثأر من اعتداء وقع عليها. لا غبار أن أسلوب ارتيميسيا جنتليتشي التصويري مطابق لجماليات ورفعة ودقّة عصر النهضة. أفادت أرتيميسيا جنتليتشي بدون شك من تقنيات مُعلّمها الكبير كرافاجو، لجهة التأثيرات الدرامية والنفسية للعبة الظل - الضوء، لكن لمستها الشخصية لا تخطئها العين، وقد قيل غالباً أن مجمل لوحاتها تعبّر عن وجهة نظر أنثوية بالموضوعات المُعالجَة. عندما صارت جنتليتشي رسّامة في البلاط، فذلك بفضل عائلة «ميديسي» المعروفة برعايتها للفنون، وبفضل ملك إنكلترا تشارلز الأول. وهذه حالة استثنائية في تاريخ الفن بالنسبة لامرأة رسّامة. في الحقيقة ليست ارتيميسيا حالة فريدة وحيدة، فما بين نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر شهدنا أسماء نسوية، جلّها إيطالية تقريباً، في فن التصوير، مثل سوفونيسبا أنكويسولا (1530 1625) التي استدعاها إلى إسبانيا فيليب الثاني، ولافينيا فونتانا (1552 1614) التي دعاها إلى روما البابا كليمون الثامن، وفيديه غاليتسيا (1578 1630) المتخصّصة بالطبيعة الصامتة. وغيرهنّ ممن عاصرن جنتليتشي، ولكن ليس بالقوة التشكيلية ذاتها وبالحضور الطاغي. كانت الذكورية مهيمنة في تاريخ فن التصوير. وصولاً إلى القرن الثامن عشر لم نشهد ظاهرة حضور نسويّ باهر، حتى ظهور الفرنسية إليزابيث فيجيه لو بران (1755 1842) التي تعلمت في البدء على يد أبيها، ثم تمرّنت مع مجموعة كبيرة من الرسامين الفرنسيين منهم بريار وجوزيف فيرنيه. وبدأت تنسخ في المتاحف الشهيرة أعمال ربمرانت وفان آيك وغيرهم. تبلور أسلوبها بصفته من «الروكوكو» وكانت تهتم بمواضيع الكلاسيكية الجديدة دون ان تكون كلاسيكية بالضرورة. اشتهرت لو بران بتصوير البورتريهات، وكان دُرْجة فنية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. تمّت دعوتها إلى قصر فرساي فأنجزت أول بورتريه لماري إنطوانيت، تبعتها بما يقارب الثلاثين لوحة للملكة والعائلة الحاكمة. لعل علاقتها بالملكية وهجرتها طويلاً بعد الثورة الفرنسية، أنْسَتِ الوسط الثقافيّ أهميتها التشكيلية، فإن أول معرض استعاديّ فرنسيّ لها، لم يُقَم إلا نهاية عام 2015 بداية 2016 في الغراند باليه. مرة أخرى يبرهن تاريخ الفن على ذكوريته المطلقة، وكان يتوجب انتظار القرنين التاسع عشر - العشرين اللذين اختلفت الصورة فيهما، فظهرت رسّامات كثيرات، لعلّ فريدا كالهو من أشهرهنّ. يُذكر في تبرير هذا الغياب النسبي، قبل ذلك، تأثير الحروب الدينية التي كانت تمزٌق فرنسا، ولا يبدو السبب مقنعاً تماماً. في ألمانياوهولندا كانت تزدهر المدن الكبرى وتنتعش، إضافة إلى حرية دينية أعلى منسوباً من التزمُّت الكاثوليكيّ، ووضعية أقلّ تزمتاً بشأن المرأة. وكلها عناصر لا تُفسّر سبب قلة الرسامات كذلك. في هولندا يشار إلى كاترينا فون هيميسين (1528 - 1588) النهضوية التي يَعرف المتخصصون أعمالها بثقة. كان نظام التعليم التشكيلي في هولندا النهضة مختلطاً للذكور وللإناث، لكنه أنجب عدداً أكبر من الرسّامين الرجال والقليل جداً من النساء. اليوم يستطيع تاريخ الفن وضع قائمة محدّدة بأسماء الرسّامات الأوروبيات منذ عصر النهضة إلى نهاية القرن الثامن عشر. قائمة فقيرة عددياً وتقتصر بالطبع على نساء برجوازيات. تاريخ الفن، موضوعياً، تاريخ ذكوريّ.