أكد الدكتور صلاح جرار أستاذ الأدب الاندلسي في الجامعة الأردنية أن أهمّ مصدر من مصادر التعرّف على شخصية المرأة الأندلسية هو ما صدر عنها من أقوال وأشعار. وأضاف أن المرأة الأندلسيّة تظهر في الأشعار والأقوال كائنا نابضا بالحياة، على خلاف الصورة التي تظهر في الأخبار، إذ نرى صورتها في تلك الأخبار من خلال وسيط أو طرف ثالث، فلا تبدو الصورة واضحة لنا كما لو كانت حاضرة بشكل مباشر تتحدث إلينا بما تشعر به وتظهر لنا أفكارها وانفعالاتها وسائر حالاتها الإنسانية. وقال جرار في الندوة التي نظمها منتدى الفكر العربي بعنوان "شخصية المرأة الأندلسية الشاعرة في السياق الحضاري الأندلسي"، وأدارها الأمين العام للمنتدى د. محمد أبو حمور، إن المرأة الأندلسيّة ظهرت في ميادين الحياة والعمل المختلفة، "ربّة منزل، معلّمة، طبيبة، متصوّفة، كاتبة، ناسخة، خطّاطة، راقصة بالسيوف، شاعرة". وذكر المحاضر أن الخلفاء في عصر بني أميّة في الأندلس كانوا يتخذون المرأة الأندلسيّة كاتبات لهم، وكانت النساء الأندلسيات تطلب الأعمال الديوانية كالذي نجده في شعر حفصة الركونية، مشيرا إلى أن كتب الأدب والتراجم الأندلسيّة تحدثت عن نحو سبع وعشرين شاعرة، أشهرهنّ ولاّدة بنت المستكفي، نزهون بنت القلاعي الغرناطية، وحفصة بنت الحاج الركونيّة، ونُضار بنت أبي حيّان الغرناطي. أما عن الاختلاط بالشعراء فقد أشار جرار إلى "اختلاطهنّ بالرجال وبأقرانهنّ من الشعراء، وكان لبعضهن مجلس أدبيّ يرتاده الأدباء والكتاب من أنحاء الأندلس وتجري فيه مساجلات أدبيّة ومطارحات نقدية، كما كان للشاعرات حضور في المجالس الأدبية التي يعقدها الشعراء الرجال حتى في منازلهم". وأضاف المحاضر أن شعر المرأة الأندلسيّة يكشف بوضوح عن جوانب من حياتها وشخصيتها ولاسيّما جرأتها وتحرّرها واعتدادها برأيها واستقلاليتها، وقدرة على تحدّي المجتمع وإثبات صحّة موقفها كما عند الشاعرة ولادة بنت المستكفي، والشاعرة حفصة بنت الحاج الركونية الغرناطية. وإلى جانب هذا النوع من الشاعرات اللواتي لا يتورعن عن البوح بمشاعرهنّ، ويتمتعن بالجرأة والثقة بالنفس واستقلال الرأي والقرار، فإننا نجد طائفة أخرى من النساء الشواعر يقلن الشعر في مختلف الأغراض كالمدح والتهنئة والشكوى والتصوّف والمديح النبويّ والفخر والرثاء ووصف الطبيعة، ولكن أيضاً بما يدل على قوة الشخصية والثقة بالنفس وحريّة الفكر والاختيار. وبين جرار أن أشعار بعض الشاعرات الأندلسيات تدل على جوانب أخرى من حياتهن في السياق الحضاري الأندلسي، ومن هذه الجوانب الكشف عن تنوّع في ثقافة المرأة الأندلسيّة من خلال الوقوف على إشارات فقهية ودينية وتاريخية وعلمية وفلكية وإدارية ولغوية وغيرها. كما كانت المرأة الأندلسيّة تفخر بعلمها وبجودة خطّها، وذلك من المؤشّرات على رقيّ الحضارة الأندلسيّة. ورأى المحاضر أن من يتأمّل شعر المرأة الأندلسيّة في موضوعاته المختلفة من مدح وهجاء وفخر ووصف وغزل وغيره، فإنّه يقف على جوانب عديدة من صورة تلك المرأة وشخصيتها وطباعها وأخلاقها ودورها في البناء الحضاري الأندلسيّ، كما يقف بكلّ جلاء على نظرة المجتمع الأندلسيّ للمرأة واحترامه لها ولحرّيتها وشخصيتها؛ فهذه الملامح هي نتيجة لكون الشعر يرقى بوعي صاحبه ويجعله قادرا على مواجهة الحياة بحريّة وثقة، فالشاعر الحقيقي يرى الحياة على صورة تختلف عمّا يراه بها الناس العاديّون، ولذلك نجده يقف من قضايا الحياة مواقف تنسجم مع وعيه ورؤيته.