فتاة ولدت من رحم النوبة، تحمل ملامحها على وجهها، تحمل منها صبغة بشرتها السمراء، نحالة الجسد، ابتسامتها المميزة، السكون، ووداعة العيون، ولكنها مع ذلك لم ترث منها انطوائها على بيئتها حتى أبت روحها أن تستنشق أولى أنفاسها من بيئتها الأم وخرجت أول ما خرجت إلى العاصمة تفتح عيونها على مجتمع أكبر بثقافة مغايرة وأكثر انفتاحاً. نمت الفتاة داخل مجتمع صخب متزاحم الاتجاهات متعدد التيارات لم تقوى فيه على إثبات ذاتها بالحديث عنها، ولم تشعر في صوتها وسيلة ناضجة للتعبير عن أفكارها حتى اتخذت الورقة والقلم وسيلتها لإعلان خواطرها وأفكارها طازجة، وهكذا كان مولد أديبة جديدة في "دنيا الكتابة". ولدت سمر نور في القاهرة عام 1977 من أصول نوبية، درست الآثار مصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة وتخرجت عام 1998، حصلت على دبلومة تذوق فني من معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون، عملت منذ تخرجها بالصحافة وتنقلت بين العديد من الصحف والمجلات في مجالات مختلفة حتى تخصصت في الصحافة الثقافية وحصلت على جائزة من نقابة الصحفيين في مجال الصحافة الثقافية و يحمل رصيدها الأدبي 3 أعمال بدأتهم بمجموعتين قصصيتين، ثم انتقلت إلى الرواية. تقول سمر:"كنت أملك صوتا ضعيفا في طفولتي يصعب الاستماع إليه وكنت أشعر أنه لا يوجد أحد ينصت لهذا الصوت، فكنت أؤلف القصص التي نلعبها كأطفال في مسرحيات، وشعرت أن هذه نقطة قوة لدي، فبدأت الكتابة منذ تعلمت القراءة والكتابة". بدأت رحلتها مع الكتابة خلال عامين من عقدها الثاني، ولكن لم يتحرك بها قارب الرحلة إلا في المرحلة الجامعية عندما بدأت تُنشَر قصصها القصيرة في عدد من المجلات فكانت "سلالم" أولى نصوصها المنشورة على صفحات المجلات وكانت أشبه بلقطة حياتية على غرار قصة "نظرة" ليوسف إدريس، وفاز هذا النص بجائزة في الجامعة، فازدادت رغبتها إلحاحاً في نشر نصوصها حتى بعثت إلى مجلة "إبداع" بأحد قصصها القصيرة "مفترق طريق" في بريد القراء ثم فوجئت بنشرها بين أسماء لكتاب كبار في متن المجلة. شجعها ذلك للمشاركة بها في مسابقة "نادي القصة" مع نص آخر بعنوان "أحزان فرح" تناولت خلاله القضية الفلسطينية بشكل إبداعي شجي يستدعي ذكريات فلسطين بشكل غائم في مخيلة طفلة ويتكون النص من فقرات تعبر بشكل تفصيلي عن مجموعة لوحات تصحبها وتُسلسِل تلك الذكريات، وقد فاز ذلك النص بجائزة نجيب محفوظ في نادي القصة فبدأت بذلك ترسيخ قدميها في عالم الأدب. أصدرت مجموعتها القصصية والتشكيلية الأولى "معراج" وضمت خلالها النصين الفائزين بنادي القصة، كما تضمنت المجموعة عدد من اللوحات للفنانة التشكيلية حنان محفوظ ترسم آفاق كل نص مكتوب. أما على مستوى اللغة فكانت متخلصة من ثقل الوزن الشعري في معظمها لكنها لم تخلو من شاعرية مختزنة في المفردات والجمل. تَعتبِر سمر نور التشجيع دافعًا قويًا وخاصة بالنسبة للشخصيات شديدة الحساسية القريبة للتكاسل والتباطؤ، وعليه تؤكد أنها شخصية تحتاج للدعم والتحفيز من المقربون وهو ما تحقق لها منذ عملها الأول معراج فكانت التشكيلية "حنان محفوظ"، والناقدة "لنا عبدالرحمن" أبرز الصديقات الداعمات لها من بداية مشوراها مروراً بالكاتب يحيى مختار و الناقد الراحل خليل كلفت. دفع هذا التشجيع قدميها إلى الخطوة الثانية في مشوارها الأدبي لتصدر ثاني أعمالها مجموعة قصصية تحمل اسم "بريق لا يُحتَمل" عام 2008،تقول عنها "في مجموعة (بريق لايحتمل) كنت أحاول إعادة العلاقة بينى وبين المدينة، تلك التي أشعر بالاغتراب فيها رغم أني ولدت ونشأت بين شوارعها وبيوتها". كما ترى أن هذه المجموعة ظُلمت كثيرا ورغم نجاحها والإشادات القوية بها تعتقد أنها لم تأخذ حقها لعدة ظروف وتؤكد أنها تعتز بها بشكل كبير لأنها قامت من خلالها بتقديم الشكل الأقرب للكتابة. ثم انتقل قاربها إلى المحطة الثالثة التي قررت فيها تغيير جلدها لتقوم بتقديم أولى رواياتها "محلك سر" عام 2013 و كانت الرواية مراجعة للوعي من خلال صديقتين، عبرا معًا أكثر من ثلاثين عامًا من عمرهم، ويقفان عند لحظة تحمل كل أعوامهم تلك، عنيت الرواية بفكرة الجنون وحاولت النظر إليها من زوايا مختلفة، منشغلة بوهم اليقين، والحقيقة، فيما تحمله ذاكرتنا، ونعتبره هو الواقع، وترى سمر أن "محلك سر" أعلى أعمالها في صداها وأرجحت ذلك إلى طبيعة الاهتمام الأكبر بالرواية عن المجموعات القصصية. وعن المحطات المترقب أن ترسو فيها عبر رحلتها، تقول سمر نور إنها ترى حالياً من قاربها 3 محطات ربما يشبها اثنان منهم المحطة الأخيرة ظاهرياً ولكن لا نعلم ما ينتظرها في كل منهم حيث تحتفظ سمر بمسودتين لروايتين جديدتين أنهت نصفيهما تقريباً، ولكن كالعادة تستبقهم سيرتها الأولى في الكتابة القصص القصيرة حيث تقترب نور من محطتها الرابعة بمجموعة قصصية تحمل اسم "في بيت مصاص الدماء" وهي قيد الصدور خلال الأيام القادمة عن الهيئة العامة للكتاب ويدور أغلبهم في منطقة فانتازيا الواقع، فأبطالهم مثلنا في تلك المرحلة الزمنية، مهزومين ومتمسكين بلحظة ما كى لا ينحدرون للجنون، ولإثراء التجديد والتنوع تبدأ نور بتوجيه قدر من أهتماماتها للسيناريو والمعالجات السينمائية. وعن المساحات التي تود سمر أن تتطرق إليها، تؤكد أنها لا تُشغل بالها باختيار أي الأبواب تطرقها، فترى أن الفكرة فقط هي القائد إلى كل حيز، المسمى أو الغير مسمى "الفكرة وحدها هي التي تقودك، والتجربة وحدها هي التي تشكل الشخصيات، والشخصيات وحدها هي التي تخلق عوالمها، وكل ذلك ينطلق بي إلى مساحات تفوق خيالي، وإلا فلا معنى للإبداع، تلك الحرية التي تتركها لأفكارك وشخصياتك وعوالمك ومشاعرك هي التي تختار المساحات التي تسعها".