محافظ الغربية: توفير سبل الراحة لزوار احتفالات مولد السيد البدوى    157 شخصا يقدمون أوراق ترشحهم لانتخابات النواب بسوهاج    القومي لحقوق الإنسان يناقش ورقة سياسات حول "الكوتا وتمكين المرأة"    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    فرص عمل وخدمات صحية تتصدر طلبات المواطنين في لقاء محافظ القليوبية    «مدبولي» يتابع جهود جهاز تنمية المشروعات بالمحافظات الحدودية    رغم اتفاق وقف إطلاق النار، 7 شهداء في غزة منذ صباح اليوم برصاص الاحتلال    عضو بحزب النهضة الفرنسي: اعتراف باريس بفلسطين مهّد لتوافق أوروبي بشأن حل الدولتين(فيديو)    ما حقيقة وجود أزمة في تأشيرات سفر بعثة الفريق إلي بوروندي؟    أول تحرك من قائمة الخطيب استعدادًا لانتخابات الأهلي (تفاصيل)    السجن المؤبد لشاب قتل آخر بسبب دراجة بخارية في قنا    تأجيل محاكمة 46 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في العجوزة ل13 ديسمبر    موعد إجازة نصف العام الدراسي 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    من «اللايف» لقفص الاتهام.. سوزي الأردنية تواجه المحاكمة لنشرها محتوى فاضح (القصة الكاملة)    بعد اعتماده علي السعوديين فقط، تفاصيل مشاركة بيومي فؤاد في موسم الرياض    آمال ماهر :«أصبحت أمًا في سن صغيرة.. والتحدي كان كبيرًا بين الفن والأسرة»    9 فرق فنون شعبية تحيي الاحتفال بظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس بأبوسمبل    الجغرافيا في الكوميديا الإلهية    تناوليها بانتظام، أطعمة تقلل آلام الدورة الشهرية طبيعيًا    طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار    عاجل- "كريتيفا".. مبادرة وطنية لتأهيل الشباب ودعم ريادة الأعمال وتعزيز الاقتصاد الرقمي في المحافظات    غدا.. فرقة النيل للموسيقى تختتم فعاليات معرض الزمالك الأول للكتاب    محافظ كفرالشيخ يتفقد مستشفى قلين ويشدد على جودة الرعاية وحسن معاملة المرضى    «أمن الجيزة» يضبط ربة منزل اقتحمت مدرسة بأكتوبر    تشغيل عدد من الرحلات المخصوصة من وإلى طنطا الجمعة المقبلة    وزير الري يستبعد تحويل جميع أراضي الدلتا للري بالتنقيط    مساعد وزير البيئة: مشروع إدارة مخلفات عبوات الكرتون يمثل أول منظومة متكاملة لإعادة التدوير داخل مصر    محمود مسلم: قمة شرم الشيخ تمهد لسلام واستقرار الشرق الأوسط.. وحماس لن يكون لها تواجد سياسي في غزة    «منتصف النهار» يبرز الإشادات الدولية بدور مصر في وقف الحرب على غزة    اليسار الفرنسي يجدد مطالبته بعزل ماكرون    نقابة الموسيقيين: مصر راعية السلام فى المنطقة ودرع منيع للحق والعدالة    ما حكم إخراج الزكاة في عمل تسقيف البيوت؟    وصول طائرة مساعدات سعودية إلى مطار العريش دعما لغزة    أرقام تفصيلية.. إطلاق سراح 3985 أسيرا فلسطينيا خلال صفقات التبادل    ارتفاع عدد الوفيات بين تلاميذ تروسيكل أسيوط ل5 أطفال    وزيرا الري والإسكان ومحافظ دمياط يشهدون ورشة عمل إطلاق الخطة المتكاملة للمناطق الساحلية    زيادة ربع مليون نسمة في تعداد سكان مصر خلال 60 يومًا    موقف البنك الأهلي من رحيل أسامة فيصل للقلعة الحمراء    رئيس جامعة القاهرة: إتاحة أحدث الإمكانات والمعامل لطلاب "الأهلية" لتلقي أرقى الخبرات    احتفالا بذكرى انتصارات أكتوبر.. الرقابة الإدارية تنظم ندوة حول مكافحة الفساد ببورسعيد    مكاسب مالية وحب جديد.. الأبراج الأكثر حظًا نهايات عام 2025    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 يبدأ يوم 23 الشهر الجاري    المرجان ب240 جنيهًا.. قائمة أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بسوق العبور اليوم الثلاثاء    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    دار الإفتاء توضح حكم ارتداء الأساور للرجال.. متى يكون جائزًا ومتى يُمنع؟    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    «الصحة» تنظم يوما علميًا للتعريف بالأدلة الاسترشادية بمستشفى المطرية التعليمي    مدرب المنتخب: وارد انضمام السعيد لأمم أفريقيا.. ولا توجد أزمة مع إمام عاشور    وفد رفيع المستوى من مقاطعة جيانجشي الصينية يزور مجمع الأقصر الطبي الدولي    تعددية مُؤَسَّسة.. مجلس الشيوخ المصري في دورته الثانية يعيد رسم ملامح الحياة الحزبية    صحيفة إسبانية: شرم الشيخ لؤلؤة سيناء تتألق كعاصمة للسلام وتخطف أنظار العالم    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة وفرص ضعيفة لأمطار خفيفة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    حماس توضح أسباب تسليم عدد أقل من جثامين الرهائن وتؤكد: «القيود الميدانية خارجة عن الإرادة»    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    وفاة شقيق عبد المنعم إبراهيم .. تعرف على موعد ومكان العزاء    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طه حسين .. جدل الحداثة والتقليد
نشر في نقطة ضوء يوم 17 - 07 - 2016

على رغم تأكيد عميد الأدب العربي طه حسين أنه «رجل شديد الأثرة، أحبّ أن أكون واضحا لمعاصريَّ ولمن يجيئون على أثري وضوحاً تاماً في جميع ما اختلفَ على نفسي من أطوار» - كما قال في مقدمة كتابه «تجديد ذكرى أبي العلاء» - فإنه ما من شخصية فكرية حديثة أو معاصرة أثارت، قدراً كبيراً من الجدل والالتباس على نحو ما أثارت شخصية طه حسين في أطواره كلها منذ أن كان صبياً يتلقّى تعليمه الأول في كُتَّاب القرية، ومروراً بتمرده على التعليم الديني التقليدي - الأزهري، وليس انتهاء بطبيعة كتاباته - وفي مقدمها كتابه «في الشعر الجاهلي، 1926» - وما أثارته من جدل عام لا يزال ممتداً إلى اليوم.
وإلى اليوم لا يزال بعض من الأكاديميين المختصّين ب «الأدب العربي» يردّدون المقولات - الاتهامات القديمة ذاتها في ما يتعلق بالكتاب - القضية «في الشعر الجاهلي» فيتهمون طه حسين بالسطو على كلام مرغليوث، أو محمد بن سلام الجمحي أو رينيه ديكارت ومنهجه الشكِّي... إلخ. لكن بموازاة ذلك، تطورت نظرة البعض الآخر - في ما يتعلق برؤية طه حسين لانتحال الشعر الجاهلي - ابتداء من القول أنه كان يستلهم آراءه من تراث نقدي واسع النطاق اسمه «التراث الوضعي» في نقد الشعر الجاهلي، ومروراً بتكوين صورة أدق عن هذا التراث وعن اطلاع طه حسين عليه وتأثره به، وتأكيد أنّ التراث المعني إنما هو تراث «النقد التاريخي» بصفة عامة، إذ لا يقتصر على الشعر الجاهلي، فضلاً عن أن علاقة طه حسين بهذا التراث قد بدأت مبكراً جداً في حياته منذ أن كان طالباً في الجامعة المصرية، وبلغت ذروتها أثناء دراسته في جامعة السوربون عندما تتلمذ على يد شارل سينوبوس، أحد الذين وضعوا قواعد «المنهج الوضعي في دراسة التاريخ» اعتماداً على روافد نقدية عدة، من بينها الرافد الريناني الذي يجسد في طبيعته التيار الفيلولوجي.
ضمن هذا السياق يأتي كتاب الدكتور عبدالرشيد محمودي بعنوان: «طه حسين بين السياج والمرايا» في طبعته الثانية (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015)، والذي يضم بين دفتيه مجموعة من الأبحاث والمقالات المتعلقة بطه حسين، والتي تتابعت وتيرتها لنحو خمسة وأربعين عاماً (منذ عام 1973 حتى الآن). ولا شك في أن عدداً كبيراً من مقالات الكاتب تنصرف إلى معالجة «قضية الشعر الجاهلي»، حيث خصص لها الكاتب الباب الثاني من كتابه (ص 90 - 140)، فضلاً عن أنها تكشف عن هذا التوتر الحي النابض في شخصية طه حسين، بل بالأحرى ذلك الصراع المحتدم الذي كان يدور في نفسه ما بين اتجاهين كبيرين يجذبانه بعنف: تيارا التقليد والحداثة.
وكان الكاتب أبان عن ذلك الجانب بصورة خاصة في كتاب له صدر عام 2002 بعنوان: «طه حسين من الأزهر إلى السوربون»، لكنه أضاف إلى كتابه هذا «طه حسين بين السياج والمرايا» في طبعته الثانية ثلاث مقالات جديدة هي: «طه حسين من وجهة نظر فلسفية»، و «النزعة الإنسانية عند طه حسين»، و «طه حسين وتوماس هاردي».
وبالعودة إلى قضية الشعر الجاهلي، يؤكد الكاتب في مقالة مطولة بعنوان: «مسار طه حسين من الدهشة إلى الشك»، أن الرجوع إلى ديكارت لم يكن إلا خطوة واحدة، وخطوة أولى. وقد ابتدأ الكتاب مقالته بالرجوع إلى مقالة أخرى للدكتور جلال أمين نشرت في مجلة الهلال بعنوان: «بمن تأثر طه حسين؟»، وافق فيها محمودي في ما يتعلق بمصادر طه حسين في الشعر الجاهلي، خاصة الفكرة التي مؤدّاها أن ما يُسمّى بالشعر الجاهلي قد وُضع معظمه بعد ظهور الإسلام!
وفي الأحوال كلها، ينتهي الكاتب - من خلال تتبعه مسار طه حسين وتطور نظرته لقضية الشعر الجاهلي - إلى إثبات بعض النتائج المهمة، وفي مقدمها: أن طه حسين قد توصل إلى نظريته تلك بمعزل عن آراء المستشرق الإنكليزي مرغليوث؛ كما عبّر عنها في مقالته «نشأة الشعر الجاهلي» (حزيران - يونيو 1952). وأن البذور الأولى لشكوك طه حسين، في ما يتعلق بصحة الشعر الجاهلي، إنما تعود إلى حقبة مبكرة جداً في حياته الأدبية (1908 - 1914)، وإلى سنة 1911 على وجه التحديد. وأن المصدر الأول لتلك الشكوك كان عبارة عن المحاضرات التي ألقاها المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نالينو على طلاب الجامعة المصرية - ومن بينهم طه حسين – خلال العام الدراسي 1910-1911، وهي المحاضرات التي نُشرت في ما بعد تحت عنوان: «تاريخ الآداب العربية». وأن تأثير منهج الشك الديكارتي في قضية الشعر الجاهلي حقيقي بالفعل، لكنه جاء متأخراً ومحدوداً.
من جهة أخرى، كان مصطفى صادق الرافعي أشار في كتابه «تاريخ آداب العرب» الذي نشر الجزء الأول منه عام 1911، ونقده طه حسين في العام التالي، إلى أن المصدر الأول لشكوك طه حسين المبكرة في الشعر الجاهلي هو آراء محمد بن سلام الجمحي، لكن الكاتب يرد على ذلك الاتهام بمقالة لطه حسين صدرت في الجريدة بتاريخ 17 أيار (مايو) 1911 بعنوان: «الآداب العربية في الجامعة»، تؤكد علم طه حسين بآراء ابن سلام، وأنه لم يستمد معرفته بها من كتاب الرافعي لأن الكتاب لم يكن قد صدر بعد، ما يعني أن علم طه حسين بالشكوك التي تحيط بالتراث الجاهلي أقدم بكثير مما يتخيله البعض، وأنه كان على علم بآراء ابن سلام الجمحي، إذ يقول في سياق رده على صاحب الرافعي ما نصّه: «هوِّن عليك أيها الكاتب، فلستَ وحدك الذي تنفرد بعلم الآداب. فقد قرأنا مثلك ودرسنا على أساتذة لم تدرس عليهم وعرفنا أن محمد بن سلام ينكر هذه الأخبار والأشعار ويراها من وضع ابن إسحاق، صاحب المغازي».
في عام 1912، قدِم المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون إلى القاهرة ليحاضر في الجامعة المصرية الناشئة حول «تاريخ الاصطلاحات الفلسفية العربية». وفي العام التالي أعدّ ماسينيون تقريراً لاحظ فيه أن طلابه ينقسمون إلى فئتين: الأولى من خريجي المدارس الحكومية الذين اطلعوا على الأفكار العصرية، لكنهم لم يتعلموا المناهج الأوروبية إلا بطريقة سطحية، فضلاً عن أنهم تلقوا هذا الإعداد الفكري باللغة الإنكليزية من دون أن تُتاح لهم أدنى فرصة للتفكير بلغتهم الأصلية. والفئة الثانية من خريجي جامعة الأزهر ممن يجهلون الأفكار والمناهج الأوروبية تماماً، لكنهم يتمتعون بميزة كبرى، ألا وهي أنهم تعلموا التفكير بلغتهم الأصلية.
وكان ماسينيون يبدي ميلاً إلى الفئة الثانية عن الأولى، وبالفعل استطاع ممثلو هذه الفئة وفي مقدمهم الشيخ الأكبر مصطفى عبدالرازق (1885 – 1947)، وطه حسين، ومحمد يوسف موسى (1899 – 1963) وغيرهم أن يجمعوا ما بين ثقافة الأزهر والتعليم الديني التقليدي من جهة، وثقافة الغرب العصرية بمناهجها العلمية المختلفة من جهة أخرى، وأن يخرجوا لنا من هذين العنصرين مزيجاً رائقاً يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة من دون أن يطغى أحد العنصرين على حساب الآخر.
واسترعى طه حسين انتباه لويس ماسينيون فكتب يقول عنه ذات مرة: «وكان من دواعي ارتياحي أنني وجدت بين تلاميذنا عقلاً في المرتبة الأولى، ضريراً ذا بصيرة نفّاذة، هو الشيخ طه حسين». كما كان اقتناع ماسينيون بمحمد يوسف موسى سبباً في اختياره خبيراً في لجنة الميتافيزيقا - الفلسفة في المجمع اللغوي بالقاهرة وهو لا يزال طالباً يدرس بفرنسا! وبعد عودته عرض عليه طه حسين أن يعمل في الجامعة المصرية، فأجابه بأنه لا يرضى عن الأزهر بديلاً! فقال له طه حسين: لن يُقدِّرك الأزهر! فقال: لا أريد غير الأزهر. وبالفعل صدقت نبوءة طه حسين، إذ سرعان ما اشتد الخلاف بين محمد يوسف موسى وشيوخ الأزهر التقليديين، وانتهى الأمر بقبوله ترشيح بعض أساتذة كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، لشغل وظيفة أستاذ مساعد للشريعة في كلية الحقوق بعد أن أصابه اليأس والإحباط من إصلاح الأزهر: جامعاً وجامعة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.