في عصر ثورة العلوم والتكنولوجيا، تعد الثقافة العلمية المتمثلة في معرفة الحقائق الأساسية حول نتائج العلوم، جزءا أساسيا من الثقافة العامة، وهي ضرورية لتنمية قدرات النشء والشباب لاستيعاب مفاهيم العلم والتكنولوجيا وجعلها سلوكا ومنهجا في الحياة. ومن المفيد القول بأن تبسيط العلوم ونشرها على نطاق واسع هو أساس الثقافة العلمية المنتشرة بين الأفراد في الدول المتقدمة، ففي الولاياتالمتحدة على سبيل المثال توجد قنوات متخصصة تماما لتبسيط العلوم، مثل قناة "الاكتشاف" Discovery، والقناة التعليمية Learning Channel، وقناة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" NASA، بالاضافة الى البرامج العلمية على القنوات التليفزيونية الأخرى، وهناك أيضا أشرطة الفيديو العلمية المنتشرة في مكتبات دول العالم المتقدمة، التي يعلق عليها علماء ومؤلفون كبار، لإثارة حب العلم لدى الأفراد وبخاصة الأطفال والشباب، كما لا تخلو أي صحيفة أو مجلة من صفحات علمية يحررها متخصص قادر على تبسيط حقائق العلم الحديثة وعرضها بصورة يستطيع كل قارئ أن يستوعبها. لقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الثقافة العلمية لأبنائها، فقامت بإعداد العديد من برامج التربية العلمية، بما في ذلك برامج تطوير مناهج العلوم، بهدف نشر الثقافة العلمية ومحو الأمية العلمية بين أبنائها، ومثال ذلك برنامج 2061 الأميركي، الذي يدعمه الاتحاد الأميركي لتقدم العلوم American Association for the Advancement of Science (AAAS)، ويهدف الى رفع مستوى الثقافة العلمية بين الأميركيين وبناء مواطن أميركي جديد بحلول عام 2061، وأيضا برنامج الوكالة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا Japan Science and Technology Agency، الذي يهدف الى زيادة الوعي العلمي والتكنولوجي لدى عامة الناس، وبخاصة الأطفال والأجيال الناشئة، والذي يتضمن مهرجانات علمية وإنشاء مكتبات فيديو علمية وبناء متاحف علمية. لقد أصبح نشر الثقافة العلمية على نطاق واسع، ضرورة بالغة الأهمية والحيوية، خاصة في مجتمعنا العربي الذي يواجه تحديات هائلة، منها التحديات العلمية التي تتمثل في تأخرنا العلمي الطويل بالقياس الى مجتمعات سبقتنا كثيرا في مجال العلم والمعرفة، ذلك لأن المجتمع المثقف علميا، يعرف ويفهم ويقدر دور العلم والعلماء نحو غد ومستقبل أكثر اشراقا، كما تزداد قدرة جماهيره على المشاركة بفاعلية في صنع القرار. ولا شك أن وسائل الاعلام المختلفة تلعب دورا متميزا في نشر الثقافة العلمية وتنمية الخيال العلمي لدى الأفراد، وذلك من خلال إعداد مواد وبرامج علمية وتعليمية وثقافية متميزة تنمي مدارك الأفراد وتثير خيالهم، خاصة التلفزيون الذي يعد من أكثر وسائل الاعلام انتشارا وجذبا وتأثيرا على الكبار والصغار. فقد أظهرت الدراسات في الدول المتقدمة أن المشاهدين يفضلون في المرتبة الأولى مشاهدة برامج الخيال العلمي، كما أن الطلاب الذين يحبون البرامج والقراءات الخيالية تكون نتائج دراساتهم ممتازة. أما في عالمنا العربي، فإن واقع البرامج العلمية والتعليمية في وسائل الاعلام لا ترقى الى الدرجة المطلوبة لتنمية الثقافة العلمية والوعي العلمي لدى الأفراد، اذ انها لا تتناول اتجاهات العلوم والتكنولوجيا الحديثة وتقديمها بصورة جذابة ومبسطة، كما أن مجال الخيال العلمي من الموضوعات العلمية التي يرغب المشاهدون في معرفة معلومات عنها، لكن لا يجدونها في ما تقدمه البرامج العلمية. أصبح تقديم برامج وأفلام علمية وتعليمية في عالمنا العربي ضرورة مهمة تقتضيها التطورات العلمية والتكنولوجية العالمية السريعة والمذهلة، فمثلا، أين البرامج العلمية التي تتناول مظاهر التقدم العلمي الحالي في مجالات مثل الذكاء الإصطناعي والروبوتات والنظم الخبيرة والشبكات العصبية والواقع الافتراضي والهندسة الوراثية والعلاج الجيني والنانوتكنولوجي والليزر، وغيرها، التي يجب أن تقدم بصورة جذابة مشوقة تستطيع العقلية العربية عموما أن تستوعبها، ويمكن أن تتضمن هذه البرامج تمارين عقلية وأسئلة تتحدي أفكار ومعلومات الأفراد، مثل "ماذا يحدث لو.. ؟" التي من شأنها اثارة وتنمية خيالهم العلمي وتفجير طاقاتهم الابداعية. كما أن الصحف والمجلات يجب أن تفسح مساحات أكبر للثقافة العلمية وأعمال الخيال العلمي، بحيث تغطي المواضيع والأخبار والقضايا العلمية الحديثة بنفس القدر من المساحة التي تحظى بها الآداب والفنون والرياضة، اذ ان عرض الاتجاهات والقضايا العلمية الحديثة من شأنه أن يدرب الأفراد على الاهتمام بالعلم وقضاياه. ولا شك أن كل هذه الأساليب وغيرها، سوف تؤهل مواطنينا للعيش في عالم الحاضر والإستعداد للمستقبل، وستؤدي في النهاية الى اشاعة المنهج العلمي في التفكير والابداع العلمي في مجتمعنا، وبالتالي القدرة على مواجهة مشاكلنا بفاعلية أكثر. لقد أصبح هناك ضرورة عاجلة لتبسيط العلوم وتأصيل ونشر الثقافة العلمية وتنمية التفكير العلمي على مستوى التعليم العام والجامعي وعامة الجمهور، مع إعادة النظر في برامج ومناهج وطرق تدريس العلوم وإعداد وتأهيل مدرسي العلوم والرياضيات وفق رؤى الحاضر والمستقبل، لإعداد أجيال علمية مبدعة تؤمن بأهمية العلوم والتكنولوجيا والتطورات والإنجازات العلمية في صياغة وصناعة الحاضر والمستقبل الأفضل لأمتنا العربية. ...... صفات سلامة - كاتبة وباحثة في الشؤون العلمية والخيال العلمي