إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    قطاع الأخبار بموسكو يرصد تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس النواب    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    تعرف على سعر الدولار مقابل الجنيه في ختام تعاملات اليوم    تصدير شحنة غاز مسال جديدة من مجمع إدكو إلى تركيا    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    تداول 5801 شاحنة للبضائع والحاويات في ميناء دمياط    نائب وزير الخارجية التركي: أنقرة ستواصل الوقوف إلى جانب السوريين في بناء مستقبلهم    الدفاع المدني في غزة: انتشال جثامين 98 شهيدا من داخل مستشفى الشفاء    تفوق الفراعنة| تاريخ مواجهات مصر والأردن قبل موقعة الغد بكأس العرب    تعرف على طاقم حكام مباراة برشلونة وفرانكفورت في دوري أبطال أوروبا    منافس بيراميدز المحتمل - كروز أزول يصل الدوحة لمواجهة فلامنجو    تأجيل نظر قضية المتهم بالتحرش ب4 تلاميذ في روضة مدرسة دولية بالإسكندرية للغد    نادي قضاة المنيا يستعد لتشييع جثامين القضاة الأربعة ضحايا حادث الطريق الصحراوي    أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "القصص" قبل العرض الأول في مهرجان البحر الأحمر    الفيلم التونسى صوت هند رجب يترشح ل جائزة أفضل فيلم أجنبى ل الجولدن جلوب    خالد الجندي ردا على الجماعات المتطرفة: الإسلام دين الحرية (فيديو)    هانز فليك: مواجهة فرانكفورت صعبة.. وجارسيا الحارس رقم 1 لبرشلونة    قطار سريع يربط الدوحة ب3 مدن سعودية ويضيف 115 مليارا للناتج المحلى للبلدين    رئيس الوزراء يستعرض المخطط الهيكلي والرؤية التنموية لمنطقة "غرب رأس الحكمة"    تنميه تُعزّز ريادتها في أمن المعلومات بحصولها على شهادة ISO 27001 وتجديد شهادة PCI DSS للعام الثاني على التوالي    محافظ بني سويف يكرم مشرف بالإسعاف لإنقاذه عامل نظافة تعرض لتوقف تنفس مفاجئ أثناء عمله    اليوم.. زيلينسكي يجتمع مع مسئولين أوروبيين    مصدر بالزمالك: تصريحات وزير الإسكان تسكت المشككين.. ونسعى لاستعادة الأرض    بعد تعثر صفقة دياباتي .. الأهلي يكثف مفاوضاته لضم الكولومبي بابلو الصباغ    لتعزيز التعاون بين القطاع القضائي والمؤسسات الأكاديمية، مساعد وزير العدل يزور حقوق عين شمس    تعليق ناري من محمد فراج على انتقادات دوره في فيلم الست    البورصة تخسر 14 مليار جنيه في ختام تعاملات اليوم    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    محافظ جنوب سيناء وسفراء قبرص واليونان يهنئون مطران دير سانت كاترين بذكرى استشهاد القديسة كاترينا    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة فى حفظ القرآن للإناث الكبار.. فيديو وصور    الصحة: توفير ألبان الأطفال العلاجية بمراكز الأمراض الوراثية مجانا    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    نيللي كريم تعلن انطلاق تصوير مسلسل "على قد الحب"    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات كاتيا الطويل تهرب بلا بوصلة
نشر في نقطة ضوء يوم 14 - 01 - 2016

لا شيء ثابتاً في الرواية الأولى للكاتبة كاتيا الطويل «السماء تهرب كل يوم» (نوفل- هاشيت، أنطوان). الشخصيات متغيّرة والأحداث متشظية والمواضيع مختلفة. وحده المقعد الخشبي المهترئ يبقى مستقراً، ليصير شاهداً على تحولات العالم من حوله. ومن هذا التقابل بين «الثابت والمتحوّل»، تتولّد فكرة الرواية.
تتوغل الكاتبة في سيكولوجية هذا «الكرسي» الراسخ في مكانه منذ سنوات. تؤنسنه فيستحيل راوياً عليماً تمرّ المعلومات- عن كلّ شخصيات الرواية- عبر رؤيته الخاصة، ليصير هو مصدر المعرفة الوحيد بما يجري في النص. كأنّ العالم الخارجي المتسارع بإيقاعه وأحداثه دفع الكاتبة الشابة إلى تأمّل الأشياء المستقرّة لتحكي من خلالها عن تخبطات الإنسان التائه في زمن التحولات الكبرى. هكذا، يحكي «المقعد»، بلسان بشري، حكايات أشخاص جلسوا عليه خلال رحلة هروبهم ليستريحوا قليلاً من لهاث الركض نحو المجهول. يُقحم المقعد سيرته بين سِيَر الآخرين، فيستخدم المتكلّم قاصداً نفسه، والغائب مشيراً إلى زوّاره الموقتين. لذا، جاءت العناوين الداخلية للنصوص موقعة باسمه واسم الشخصية المقصودة في النصّ. «أنا ونصف ثائرة»، «أنا والرجل القنيلة 1-2»، «أنا ونصف سارق»، ليختتم الفصل الأخير محتفياً بذاته شخصية أساسية «أنا...أنا». واللافت أنّ قراءة عناوين الفصول الداخلية توحي إلى القارئ ما سيكتشفه لاحقاً خلال القراءة المتأنية للنصّ.
أنصاف بشر
الشخصيات هنا غير مكتلملة، بل إنّها أنصاف شخصيات تعجز عن تحقيق بطولات كاملة في مساراتها الشخصية، فتظلّ عالقة في النصف. في «أنا ونصف ثائرة»، المرأة الجميلة المثقفة هربت من بيئتها الرجعية واحترفت الفن المسرحي فاكتسبت شهرة ومالاً وخسرت بيتاً عائلياً حميماً يحتضنها، فما عادت قادرة على مواصلة حياتها الجديدة ولا العودة إلى حياتها القديمة. لذا لجأت إلى الكنيسة واتخذت من المقعد الخشبي مكاناً تستعيد فيه راحةً لم تعد تعرفها في حياة متبدلة متعجلّة كأنها في سفر دائم. الشاب المسلم المتعلّم في «أنا ونصف مسلم»، أراد أن ينقذ شقيقته من براثن شقيقه المتطرف الذي حجّبها وأراد تزويجها إلى «شيخ» في سنّ والدها، فهرب معها وساعدها على أن تثور وتحقق حياة مهنية ناجحة، ليغدو من ثمّ سبباً في بقائها وحيدة بلا زوج وبلا عائلة وأولاد. الشقيق المتطرّف يصير شخصية مستقلة في الفصل التالي «أنا والرجل القنبلة». هو أيضاً يقصد الكنيسة وإنما بهدف تفجير نفسه فيها. لكنّ مهمته الإرهابية لا تكتمل. يبقى جالساً على المقعد الذي سبق أن جلس عليه شقيقه، مستذكراً حياته وندمه على ما صار اليه من غير أن يملك جرأة التراجع عما اختاره. فيظلّ الإرهابي كذلك هارباً من ذاته، وعالقاً في منتصف الطريق. أمّا المقعد الخشبي فهو أيضاً نصف بشري. هرب من جماده وانتقلت اليه عدوى التوتّر والملل والبؤس والثورة. وهو يقول في هذا السياق: «مصائبي سببها الناس. كل الناس مصائبهم الناس... أنا مقعد خشبي مهترئ صرت أشبه البشر...» (ص 10)
لا تقوم رواية كاتيا الطويل على قصة محورية، بل على مجموعة قصص صغيرة، منفصلة، تتجمع الواحدة الى جانب الأخرى كقطع «البازل» الدقيقة لتُشكّل في النهاية لوحة مكتملة الصورة. الفصول تبدو منفصلة، والشخصيات الثانوية في الواحدة تصير محورية في الأخرى، تتكرّر الأحداث وتتكامل لتلتقي في النهاية. وهذه الحبكة الدائرية الشكل تُمثّل بنية النص. إنها حبكة متمكنة ومشغولة بأسلوب حيوي يجعل من مجموعة أحداث متفرقة حكايةً واحدةً متكاملة، وإنما ليس ضمن إطار حدث رئيس كما هي الحال في العادة، بل حول فكرة واحدة تطغى على النص منذ بدايته حتى النهاية، "الهروب".
كلّ شخصيات الرواية ترد في النص من دون أسماء، وإن كانت هوياتها الدينية مكشوفة في معظم الأحيان. القصص مختلفة وكثيرة لكنها غير مُصنّفة زمانياً أو مكانياً. ولعلّ الكاتبة تقصدت هي أيضاً أن تهرب من لعبة التسميات ليظلّ «الهروب» تيمة الرواية ومادتها الأولى، فنياً وواقعياً، وهي التي اختارت أن تسم العنوان أيضاً بالكلمة المتكررة كلازمة على امتداد الكتاب «السماء تهرب كلّ يوم». وإذا أردنا التوقف عند هذا الحافز المتكرر بوفرة في النصّ والمُلازم للشخصيات الرئيسة وحيواتها، لوجدنا أنّ «الهروب» الحاضر بحقليه الدلالي (التيه، الخوف، الارتباك، الضياع، اختفاء) والمعجمي (ركض، غادر، مضى، فرّ، رحل) يبدو كأنّه مأساة قدرية «إغريقية» تحكم الشخصيات بالبقاء في مرحلة برزخية بين الإنطلاق والوصول، فلا هي تعرف متعة البداية ولا راحة النهايات.
الأمكنة والأزمنة غير محددة. والجميع هنا متشابهون في رحلة سيزيفية بين ذهاب وإياب شبه عبثي. أمّا الجلوس على هذا المقعد فيظلّ وحده اللحظة المقتطعة من حياة ذاك الهارب. الهارب من ماضيه، من واقعه، من خطيئته، من ذكرياته، من حبّه... «وقف ليرحل لكنه عاد وجلس. جلس بارتباك وخشية. وكأنه لا يعرف أي قرار يتخّذ... إلى أين عليه التوجّه. يسأل عن المكان الذي يجب أن يذهب اليه، المكان الذي يمكن أن يعود اليه، أو يهرب اليه... يسأل ولا جواب. دائماً لا جواب» (ص 260). أمّا الكنيسة فتُمثّل مسرح الأحداث من دون أي تحديد للفضاء المكاني العام، وهي تحمل دلالاتها المعروفة كمكان هادئ، مُقفل، آمن، تُسيّجه القوانين والطقوس على عكس العالم الخارجي الصاخب والمفتوح على كلّ الأخطار والاحتمالات.
كلمة وحركة
يحاول الراوي في كلّ فصل أن يُقدّم الشخصيات بأوصافها الإجتماعية والنفسية. فالكلمة عنده لا تنفصل عن الحركة. يسرد خطابات «الهاربين» ممن اتخذوه مقعداً موقتاً يستريحون عليه من عناء «سفرهم» الإعتباطي، ثم يصف حركات أجسادهم التي تعكس جلوسهم المتوتّر كأنّهم على كرسي الإعتراف. ولا نخال هذا المقعد القابع في كنيسة بعيدة سوى ذلك، وإن كان الإعتراف هنا يتجاوز معناه الديني كما هو عند «القديس أغسطينوس» مثلاً ليحمل معاني إنسانية أوسع. فالهاربون لا يتطهرون من خطاياهم بمجرّد التلفظ بها، بل إنّ التوتر يظلّ لصيقاً بهم لأنّهم يدركون أنّ العودة مستحيلة والوصول غير ممكن. هكذا نجد معظم الأفعال التي تصوّر هؤلاء «الأبطال» انفعالية ومضطربة: «شعرتُ بقبضتها القوية مشدودة على عنقي تحاول نقل ألمها واختناقها إليّ» (ص 27) أو «عادت إلى الضعط على عظامي الخشبية المهترئة» و «شعرتُ به متلعثماً مضطرباً» (ص 88)
في عالم عربي تتآكله أدران الحروب والنزاعات، ويضيع فيه الناس بين المنافي الداخلية والخارجية، تأتي رواية كاتيا الطويل الأولى لتصوّر حياة عبثية تائهة في خضّم أزمات الحياة الكثيرة. إنها حياتنا نحن، الذين مهما اختلفت هوياتنا وهواياتنا لا بدّ أننا متشابهون في اضطراباتنا ومخاوفنا، والأهمّ في هروبنا الدائم. الهروب إلى حيث لا ندري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.