المأساة التي تطرحها الكاتبة هدية حسين منذ الكلمة الأولى التي افتتحتها في هذه المجموعة القصصية وتجربتها القصصية والروائية هي مخاض لكاتبة تسعى إلى التوصل ببلاغة الحكايا، وسيميائيتها التي اشتغلت عليها كي تنفلت من سيطرة وتأثير الآخرين. وعندما تتأمل القصص التي احتوتها المجموعة تدخلك في عوالمها في تشكيل المعاني والاستجابات والبوح الداخلي، وكأننا في دهاليز ضبابية نستنشق منها العبر، والنصائح التي ولدتها السنوات، عبر شريط حياتي مفعم بالمعاناة والإحزان التي حاصرتنا. وأعتقد أن هذا يعود إلى ما يسمى الوعي القصصي لدى القاصة حسين وحجم الموهبة التي تمتلكها، مما جعلها توظفها لكي تكون مستقلة بذاتها. "كل شيء انتهى، قلت لنفسي، وكررت: إنتهى كل شيء، لم يعد ثمة ما يقال وسط هذا الكم الهائل من الوجع". والفوائد الجمة المثيرة لهواجسنا، التي تهرّبت منها القاصة بفضل الحكي المباشر وغير المباشر، لما يختلج في صدرها من لهيب السنوات الثقيلة، وهي تؤكد رسم جو قصصها التي أرادت أن تكون رسائل بما تعتقده. "وألملم حروف الحكايات، لأضعها من جديد، وابرم معها خيوط روحي، قبل أن تفر من جسدي". وجميع هذه القصص هي نسيج من الحكايا، والمواقف التي مرت بها، عبر مسيرة طويلة تجذرت بالبحث عن هموم ما يحيطها ويحيط أبناء وطنها، مجموعة من دهاليز هذا العصر التي اكتوينا بها، نتخلص من الدهليز الأول بصعوبة وشق الانفس، حتى ندخل في الدهاليز الأخرى "أرادت أن تقول أشياء كثيرة بعين جديدة تسعى إلى الاندهاش والتعجب تجاه الأمور المألوفة، حبيبي كوديا". رحلة في عالم الأحياء والأموات، جميع الأحلام التي تدور في مخيلتها تعاملت معها عبر استنشاق الصمت المدوي في داخلها، وهي مستمرة في بث رسائلها دونما توقف، لأنها تعتمد في بناء مكوناتها التي انطلقت منها كي تشّييد أنموذجها القصصي على الكشف الواضح والتأمل العميق وكذلك خصوصية اللغة. "يرسم عيوناً جاحظة، وقلوباً مثقوبة، ووجوهاً بلا ملامح، وأصابع بلا كفوف وكفوفاً من دون أصابع، وحين يلتفت ويراني متلبسة بالسطو على عالمه يهر ويفح ويصرخ". يقول عنها الكاتب والناقد جورج جحا: "هدية حسين تكتب بتصويرية وشعرية وعصبية وضبابية تتجاوز القول المباشر، لتتركنا في عالم متعدد الوجوه، وكلها وجوه متعبة حزينة ومفجوعة ومفجعة ايضا". والقاصة حسين تستل من الحاضر وتشمل المستقبل وهي تقدم نظرة شاملة وموقف من الحياة، اي تتدخل في الجوهر الزمني، وكما يقول الأستاذ الدكتور محمد صابر عبيد: لا شك في أن فحص السرد الأنثوي في نماذجه الحديثة المشتغلة على إعادة اعتبار النسق الانثوي، واقتراحه أنموذجاً معبراً تقدمه الكاتبة الأنثى بوصفه سبيلاً لأنثنة منطقة القص وإشغال متاهة الحكي". "أنت على حق، هناك ثقوب تتسع كل يوم في ثوب حياتنا، ثقوب لا ينفع معها الرتق". ولو تصفحنا مسيرة القاصة والروائية هدية حسين، ومن خلال اشتغالاتها في هذا المجال، وهي التي تجعل من الموضوعات الصغيرة العابرة والتي تتعامل معها عبر كرنفالها النظري الذي تجسده عبر النص المحكي على رؤية الجوهري والشامل مجسدة ذلك جمالياً لأنها منطلقة من هموم الإنسان الحديث، وطبيعة مشكلاته التي استطاعت القاصة والروائية العراقية أن تتوغل في عوالم وجوانيات هذا الانسان عبر مواقف مختلفة مستخدمة إسلوبا سرديا ًفعالا ًيضج بالتفاصيل التي تعزز من بناء الحدث الى جانب لغة أدبية معبرة تحمل شفراتها الخاصة وإيقوناتها المتحركة التي تشتبك لتنتج معطى ًجماليا ً دالا ً يلامس الوجدان. وما يمكن ملاحظته في نصوص هذه المجموعة ومجمل ما قدمته هدية حسين هو قدرتها على خلق إيقاع سردي محكم قادر على جذب القارئ لمواصلة تطور الحكاية ومآل شخوصها. "كل شيء يتحرك ويتغير في هذا العالم، يوماً بعد يوم، عاماً إثر عام، إلا أنت، واقف في المكان لا تبالي بمن يتحرك من حولك، كأنك لست موجوداً في الحيز الذي أنت فيه، كأنك حجر ثقيل بقي على حاله منذ الاف السنين". بقي أن نذكر أنه صدرت للروائية والقاصة هدية حسين العديد من المجاميع القصصية نذكر منها: "اعتذر نيابة عنك" عام 1993، "قاب قوسين مني" 1998، "بنت الخان" – رواية 2001، "ما بعد الحرب" - رواية.