تدور أحداث رواية "نزلاء العتمة" للروائي الأردني زياد محافظة الفائزة بجائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أعلنت نتائج دورته الرابعة والثلاثين السبت، حول موضوع الموت وأسئلته الكبرى وتتخذ من مسرح الموت مكانا لأحداثها وحركة شخوصها، ضمن رؤية تدعو إلى التفكر بمفاهيم ترتبط بالموت مثل الخلاص والشعور الإنساني حين لا يمكن تأطيره وحصره في قانون لا يتيح له مجالا للتأمل وممارسة الخيال كوظيفة ميتافيزيقية. شخصية الرواية الرئيسية معتقل سياسي يدعى مصطفى يموت تحت التعذيب، وينتقل من الحياة إلى عالم الموت تاركا خلفه زوجة حاملا والكثير من الذكريات الأليمة التي عاشها تحت سوط الجلاد وظلمة القضبان وتفاصيل التعذيب التي تعرض لها من ضرب وركل وأساليب نفسية موجعة، ترك بطل الرواية كل هذا ليذهب إلى عالم الموت حيث الموت ليس كما نعرفه نحن البشر، عبر تصوراتنا الدينية والروحية والتاريخية. وفي عالم المقبرة يتعرف مصطفى إلى الشخصية الرئيسية في ذلك العالم وهو الفضيل الذي قدمه لنا الروائي كأب روحي وقائد لمجموعة الأموات، ومحافظة بهذا يقيم مقاربة بين الحياة والموت تتقاطع فيها الأحداث والتفاصيل، فحين يدعو الفضيل مصطفى إلى الاستعداد لاستقبال ميت جديد إلى المقبرة فهو يستدعي حدثا آخر في الحياة خارج المقبرة حين يستقبل المعتقلون في السجون زائرا جديدا، الحياة والموت عند محافظة في رؤية ثنائية قد لا تبدو منطقية أو متوازنة، لكن قدرة الروائي ومخيلته الخصبة وبناء روايته المحكم مشهديا ولغويا خلق صورة مكثفة وقريبة عن تلك النقطة الغامضة والفاصلة بين الحياة والموت. يستقبل الموتى الزائر الجديد الذي ترك حياته خلفه وقدم محملا بالخوف والرعب من حياة القبر، لكن الفضيل يعطف عليه ويزرع الطمأنينة في قلبه، ويقيم سكان المقبرة استقبالا لائقا بميت جديد ثم يعود كل واحد منهم وحيدا إلى قبره، في التصوير لهذا المشهد ما يجعل القارىء مرتبكا ومشوشا تجاه تلك الحياة الأخرى، وما يجعله متأملا فيما إذا كانت لحياة الموتى تفاصيل تشبه حياة الأحياء، خاصة وأن الأموات في الرواية يتبادلون الأحاديث الكثيرة حول حيواتهم التي كانت، ويستعيدون أحداثا كثيرة منها ويتداولون فيما بينهم طريقة موت كل واحد وما كانت عليه حياته من قبل. في الرواية شخصيات أخرى يتعرف إليها مصطفى في عالم الموت، فأم طه امرأة تلفت نظر مصطفى إلى ولد صغير اسمه حسان يعيش في عزلة ووحدة ويظل في شرود دائم، وتطلب منه مساعدته على تخطي عزلته وفهمها، ومن الضروري الإشارة إلى أن زوجة مصطفى التي تركها حاملا قد ولدت طفلا أسمته حسان، وهذه الشخصية ربما تحتمل كثيرا من التأويل والتأمل. وهناك شخصية ياسين وجماعته التي لم يرق لها هذا التقاطع بين حياتهم والحياة خارج المقبرة واعتبروا أن في هذا إزعاجا لحياتهم الحالية وقلقا وتغييرا عما اعتادوا عليه، فعارضوا مصطفى لتعكير صفو حياتهم في حين نجد الفضيل يقرب مصطفى كثيرا لنفسه ويعرفه على الموت أكثر، وهنا تحدث نقطة التحول في حياة مصطفى ويحس بالحرية والانطلاق والحيوية. وهذا التحول في مسار الشخصية الرئيسية التي قضت وقتا تسترجع الأسى المتعلق بالاعتقال والتعذيب في عالم الموت، والحزن الذي أصيب به من جراء موته قبل أن يرى ابنه، تمثل في انحياز مصطفى إلى الحياة والضوء في المقبرة، حيث يبدأ في تجميل حياة الموت بالشعر والموسيقى والشموع ويطلب من الشاعر وعازف الناي المقيم في المقبرة أن يعزف لهم ويغير أجواءهم بسحر الموسيقى والألحان. ترجح كفة الضوء في المقبرة، وتتخذ الحياة هناك شكل الحياة الحلم التي كانت تراود مصطفى بعيدا عن الاعتقال والتعذيب والضرب، الحياة التي لم يحققها في الواقع وها هو يؤثثها في المقبرة على قياس الجمال الذي لم يستطع رسمه في الحياة الأولى. هنا تحصل الارتباكات في اللاوعي عند القارىء فما هي الحياة الحقيقية، وما هو الحد الفاصل بين الحياة والموت، وأين تكمن الحقيقة وأين يكمن الخيال في الرواية. تستمر الأحداث في التنامي فيساعد مصطفى الطفل حسان على تخطي عزلته وتقام حفلة موسيقية على الرغم من معارضة ياسين وجماعته وتسير الحياة بشكل ساحر حتى ظهور شخصية الجلاد واعترافه بالندم على ما فعله مع مصطفى، لكن الانتقام لم يأخذ مصطفى إلى سواده وإنما سامحه منحازا بذلك إلى قيم التسامح التي يعرفها البشر في حياتهم الواقعية. في نهاية الرواية يتعرف يدرك مصطفى أن الولد حسان هو ابنه الذي لم يره في الحياة الأولى ويتضح له هذا عندما تأتي إلى المقبرة امرأة تدعى فدوى حاولت الانتحار في حياتها وعرفت أم حسان وهي تبكي ولدها المتوفي. في الرواية عالم جديد لا نجده في الكثير من الأعمال الأدبية، عالم سحري وخيالي إلى أبعد الحدود، فيه من الغرائبية الكثير، حيث الوصف والأجواء الفانتازية المشهدية في العالم الآخر الذي نرسم له نحن في مخيلتنا صورة غامضة مليئة بالخوف ومشوبة بالرعب الذي يشبه لحظة شبحية تمر خلال العين فتقلق وتخيف. ومن الجدير بالذكر أن الكاتب زياد محافظة روائي أردني وعضو رابطة الكتّاب الأردنيين وقد صدرت له عن دار الفارابي ببيروت رواية "بالأمس.. كنت هناك" ورواية "يوم خذلتني الفراشات" التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2012، وصدرت له عن دار فضاءات بعمّان مجموعة قصصية بعنوان "أبي لا يجيد حراسة القصور"، ورواية "أنا وجدي وأفيرام".