مؤلف هذه الرواية هو ج. م. كوتزي من جنوب إفريقيا، حائز على جائزة نوبل للآداب 2003، ويعمل مدرسا لعلوم اللغة والأدب في جامعة كيب تاون، وقد حاز على جائزة بوكز مرتين، بالإضافة إلى جوائز رابطة كتاب الكومنولث للأدب المكتوب بالإنجليزية والجائزة الأدبية الأولى في جنوب أفريقيا. «في انتظار البرابرة» هي رواية كويتزي الثانية التي تحوز على جائزة، فهي تعبير بليغ عن الحرب بدون إطلاق رصاص، واستعارة فنية لما يعانيه الإنسان من مظالم حيث أعيد طباعتها تسع مرات في عقد الثمانينات. ويعتبر حالياً من أهم الروائيين الكبار في العالم.تتصف روايات ج. م . كويتزي ب«المهارة في التركيب والتحليل... وهو لا يرحم في انتقاده للنزعة العقلانية القاسية، والأخلاق المزيفة للحضارة الغربية»، هذا الكلام جاء في حيثيات قرار منحه جائزة نوبل الآداب، وينطبق إلى حد بعيد على روايته «في انتظار البرابرة» التي صدرت ترجمتها العربية من المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء وبيروت - 2004). تجعل الرواية القارئ يتذكر فورا قصيدة «في انتظار البرابرة» للشاعر سي.بي. كفافي والتي كتبها عام 1898 وتحمل العنوان نفسه، ولم يشر المؤلف إلى القصيدة بالطبع، ولكنها حاضرة في طول الرواية وعرضها. تدور أحداث الرواية في بلدة مجهولة نائية على تخوم حدود الإمبراطورية الشاسعة، حيث يعيش الراوي منذ ثلاثين عاماً، ويعمل قاضياً مدنيا، ويدير الأراضي المشاع، ويتابع بانتظام إمدادات الحامية، ويشرف على الموظفين، ويراقب التجار، ويترأس المحكمة الصغرى مرتين في الأسبوع. يعيش هذا القاضي الذي اتخذ منه المؤلف بطلاً وراوياً مع أهل البلدة في هدوء حتى مجيء العقيد غول من المكتب الثالث (أهم فصائل الحرس الوطني في العاصمة) بحثاً عن الأعداء الوهميين والقضاء عليهم بغية تكريس هيبة الإمبراطورية.. وكذلك لكي يجبر القاضي ومعه أهل البلدة على الانتظار، انتظار الشر الذي يتربص بهم من قبل البرابرة. لا تحمل الرواية أي زمان أو مكان، لكن الروائي يقصد بلا شك جنوب أفريقيا بلد الروائي التي عانت من نظام الفصل العنصري «الابارتيد» لسنوات طويلة. تقدم هذه الرواية تصويرا رائعا ومدهشا لحروب مفتعلة ووهمية تقوم بها الدول والإمبراطوريات والإدارات الحكومية لإظهار القوة وإرهاب الشعوب، وتعرض أفكارا فلسفية عن الحياة وذهنية رجل المخابرات حامي الإمبراطورية، وتدمير حياة هانئة وسعيدة باسم شعارات كبرى عن الوطن. تتداخل في الرواية الأحداث والأحلام والأفكار والأزمنة في إمبراطورية رمزية عن إيجاد البرابرة وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة الصدف، وإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم. وفي هذه الأثناء «يتجه سكان المدينة القديمة إلى بواباتها بقيادة إمبراطورهم، لانتظار وصول البرابرة الغزاة، ولكن البرابرة لم يظهروا، ماذا كان يمكن أن يحدث؟ وما الذي يمكن القيام به؟ لم كل هذا الذهول المفاجئ، وهذا الارتباك؟ كم أصبحت ملامح وجوه الناس مرتبكة؟ لماذا تخلو الشوارع والتقاطعات من المارة بهذه السرعة؟ وكل يذهب إلى بيته غارقا في التفكير لأن الليل أسدل ستاره ولم يأت البرابرة، وبعض رجالنا الذين وصلوا من الحدود قالوا: لم يعد هناك برابرة بعد الآن. والآن ماذا سيحدث لنا من دون برابرة. كان أولئك الناس نوعا من الحل.» هذه هي الفكرة المركزية التي استندت إليها قصيدة كفافي المعروفة وطورها كويتزي إلى رواية رمزية تستشرف آفاق الحروب وصانعيها، وهم الأشرار الذين يبررون شرورهم بقدوم الأشرار. ويقوم غول وأتباعه بعمليات تحقيق واسعة مصحوبة بتعذيب وحشي واغتصاب للنساء، ويموت الأطفال بسبب الإهمال، ويتحول السكان الأصليون إلى أعداء بالفعل، وهنا فقط يكتشف القاضي، بطل الرواية اللعبة! فما كان يجري لم يكن عملية متابعة لعنف وإرهاب، ولكنه صناعة واعية للأعداء والكراهية، وما كان يبدو من عمليات قتل للموظفين وسرقة واعتداء على الأملاك لم يكن على أيدي البرابرة الذين لم يرهم أحد، ولكن على يد جماعات الجنرال غول. وتنتهي الحملة العسكرية ويعود الجنرال إلى العاصمة، ويبقى عدد كبير من البرابرة الذين أطلق سراحهم في المدينة، ويتحولون إلى مشردين ومتسولين، والمحظوظون منهم يعملون في الخدمة والدعارة. ومن المشاهد المؤثرة في الرواية، أن واحدة من الفتيات المتبقيات في المدينة تعرضت للاغتصاب وقتل والدها وعذبت تعذيبا شديدا جعلها غير قادرة على المشي إلا بصعوبة، يشغلها القاضي في خدمته ويمضي شهورا عدة في محاولة علاجها وإعادة تأهيلها، ولكنه يفشل فيقرر نقلها إلى أهلها. وبطبيعة الحال لا يستطيع القاضي أن يصلح الخراب الذي أحدثه البرابرة أو فكرة بث رعب البرابرة في نفوس الناس. فمن السهل إصلاح البنايات والطرقات والمدارس ولكن من الصعب جداً إصلاح النفوس المخربة بفعل الحرب وانتهاك حقوق البشر. وهذا ما حصل في هذه المدينة. ويعبر الكاتب عن ذلك بقوله: «وشيئاً فشيئاً أفرغت الأعمال العدوانية المدينة من قواها الحية. مدينة نهبها الجنود، وأصبحت قاحلة، تنتظر بهلع هجوم البرابرة الأخير». وتظهر المدينة، بمن تبقى من أهاليها، في الفصل السادس والأخير من الرواية، بعد هجرة معظم الناس منها، ومن ضمنهم الصيادون بجوار المدينة، حيث يعمل الأهالي بقيادة القاضي في تنظيم أنفسهم وجمع المحاصيل، وإدارة الري والتموين استعدادا للشتاء بعد أن خرب الجنرال غول حياتهم الهادئة التي عاشوها لسنوات طويلة.