يبني الكاتب السوري محمد غازي عرابي روايته الجديدة "الزوج والرجل الآخر" على أساس المونولوج الداخلي للشخصيات، حيث تظهر من خلالها مواقف الإنسان الحقيقي من العالم عبر معالجة حالة نفسية مهمة هي الشك الناجم عن الغيرة بين الزوجين. وتحكي الرواية قصة زوجين عاديين يعيشان في ضواحي دمشق ويستقبلان في منزلهما عائلة أخت الزوجة ليكون هذا الحدث مزعزعا لهناءتهما الأسرية حيث أن زوج الأخت القادم من السعودية يتمتع بشيء من الوسامة ويأتي اهتمام الزوجة سعاد به مثار شكوك الزوج ومفجرا لغيرته لتستمر الرواية وتفضح البشاعة القائمة وراء تلك الوسامة. لكن اهتمام الزوجة سعاد بزوج اختها يستمر على حاله ما يزيد من التوتر في العلاقة بين الزوجين دون أن تكون هناك أي نهاية لهذه الغيرة أو أي حل لها. ويربط عرابي في روايته الصادرة عن "دار البشائر" بين الماضي والحاضر والمستقبل من خلال حديث بطل الرواية مع حرصه على توافق الحدث مع الفترة الزمنية التي وقع فيها تلافياً لخلل يمكن أن يحصل عندما تتحرك الشخصيات عبر الأزمنة والأمكنة ما مكن الكاتب من الالتزام بوحدة الموضوع وهو الركن المهم في الرواية. وتقدم الرواية الحدث من عدة زوايا وجوانب لإلقاء الضوء على ما هو مطلوب كشفه خلال السرد الروائي عبر صدور أحكام فردية وذاتية متنوعة تتميز بضرورة إصدارها من خلال العوامل النفسية والاجتماعية للشخصيات التي تبرز الحالة الاجتماعية الواقعية بخصوصيتها. وحرص الروائي عبر سير الأحداث على أن تكون هناك نظرات كثيرة حول الحدث الواحد وشرح وجهات النظر على أن تفعل كل شخصية ذلك ضمن ما يخصها دون أن يتدخل الروائي ويدافع عن أي شخصية ما أكسبه المقدرة على الحيادية خلال إمساكه بأطراف الحوار. وفي الرواية بدت البراعة واضحة في تحريك الشخصيات كما في تناول الموقف الذي حصل جانب جرمانا وطلبت الزوجة سعاد من رجل عابر أن يدلهم على الطريق المؤدية إلى المنزل الذي اشتراه أخوها لتسكن فيه أختها القادمة من السعودية. ويحاول الكاتب أن يعالج مشكلة الغيرة بخلق ظواهر تتميز بالعفوية والصدق وذلك من خلال إثبات وجود حالات إعجاب واحترام بين الرجل والمرأة دون انهيار الحدود الأخلاقية القائمة بينهما، حيث لا نلمس في الرواية أي دلالة على وجود علاقة سيئة بين خالد زوج الأخت وسعاد زوجة الأخ. كما يعمد عرابي في روايته إلى تفجير حالة غضب عند الزوج وانعكاسها على وجه الزوجة بسبب تعاملها مع خالد زوج أختها وتصوير الحالة النفسية للزوج الغيور وللزوجة التي ينتابها الألم من جراء ذلك ثم يترك الكاتب مخرجا للشخصية ويهدئ حالة الغضب فيبين الزوج علمه بأنه لا يوجد أي خطأ بالعلاقة وهو مجرد إعجاب إنساني وبرغم ذلك تنتابه الغيرة. ويحاول الروائي أن يأخذ دور المعالج النفسي الذي يجعل المريض يتحدث حتى يخرج عقدته من حيز اللاوعي إلى الوعي فيسجل بدقة وإخلاص ذبذبات نفس تعيش الشك مبينا أن الشك حالة يعيشها معظم الأزواج مهما كانت الثقة عظيمة بين الزوجين حيث يبقى لجرثومة الشك قدرة على اختراق حصن الثقة ومن الممكن أن تتطور فعاليته إلى حد الخطر وقد ينحصر نشاطه في حد معين ثم يقوى عليه وفاء الإنسان ودوافعه فيحبطه. ويسعى الكاتب لتأكيد ديمومة النفس وعدم حركتها أو صيرورتها عبر تحول ما لأن الفطرة قد لا يؤثر عليها الاكتساب ما دفع الروائي إلى انسياب سردي لم يصل إلى نهاية برغم تنوع الأحداث التي تشير إلى عدم توقف الحياة بل استمرارها والخلاص إلى ضرورة النقاء في التعامل لأن السييء مهما حاول أن يتظاهر بعكس ذلك فلن يتغير وهذا ما أثبته خلال شخصية خالد المتبدلة وخلال شخصية سعاد التي ظلت معجبة بخالد رغم أنه سييء.(سانا)