رتيبة الحفني .. فنانة مصرية ومغنية أوبرا عالمية، وعميدة معهد الموسيقى العربية بالقاهرة، ، أول إمرأة تتولى منصب مدير دار الأوبرا بالقاهرة ، ولدت عام 1931، ونشأت في أسرة موسيقية خالصة، فوالدها محمود أحمد الحفني لديه مايزيد عن 45 مؤلفاً عن الموسيقى، وهو أول من أدخل دراسة الموسيقى في المدارس المصرية، وجدتها لوالدتها الألمانية الأصل كانت مغنية أوبرا ألمانية. أجادت الحفني عزف البيانو وهي في سن الخامسة، ودرست الموسيقي في برلين وميونخ بدعم من والدتها، ثم عادت إلى القاهرة وقامت بالغناء في أوبريت " الأرملة الطروب" عام 1961، وقامت بدور البطولة في "أوبرا عايدة" للموسيقار العالمي فيردي في باريس.. حصلت على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2004، كما شغلت العديد من المناصب أبرزها معيدة بالمعهد العالى لمعلمات الموسيقى 1950، رئيسة دار الأوبرا المصرية من يونيه 1988 حتى مارس 1990، وأيضاً رئيسة المجمع العربى للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، وتوفيت عن عمر يناهز 82 عاماً بعد رحلة طويلة مع المرض. تم تنفيذ أوبريت "الأرملة الطروب" لأول مرة باللغة العربية على مسرح دار الخديوية (دار الأوبرا القديمة في القاهرة)، عام 1961، والذي أظهر إمكانات موسيقية ودرامية كبيرة للحفني، وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان، كانت أوبريت "الأرملة الطروب" يعاد مرة أخرى في القاعة الرئيسية بدار الأوبرا بالقاهرة.. كان أول إنتاج من " الأرملة الطروب" عام 1956 بمشاركة بعض الممثلين المصريين وقتها مثل حسن فايق وزينات صدقي، لكن الحفني التي عاشت حياة فنية متنوعة بدأت تعمل بشكل مختلف في الموسيقى العربية، حتى قامت بتسجيل العديد من الإنجازات في الساحة الموسيقية الكلاسيكية، وساعدها في ذلك نشأتها في عائلة موسيقية، حيث درست في كلية التربية الموسيقية في القاهرة وتعلمت العزف على البيانو والعود، لكنها كانت أكثر اهتماماً وولعاً بالغناء و الموسيقى باللغة العربية. في عام 1960، أنشأت الحفني الجوقة الأولى للأطفال في مصر، وبعدها أنشأت جوقة أطفال أوبرا القاهرة وفرقة أم كلثوم للموسيقى العربية، وما أسست الفرقة القومية العربية للموسيقى، رغم أنها واصلت تعليمها في ألمانيا ودراسة الغناء الأوبرالي في ميونيخ والفولكلورية الفنون في برلين، في الوقت الذي كانت فيه الفنون تزدهر يوماً بعد يوم في مصر، لكنها تظل أول مطربة أوبرا مصرية تحصل على دبلوم من مؤسسة الموسيقى العالمية. لأكثر من عقدين، أشرفت الحفني على برنامج إذاعي للموسيقى والعديد من البرامج التلفزيونية، بما في ذلك سلسلة من البرامج التعليمية للأطفال، وكانت أول رئيسة لدار الأوبرا المصرية الجديدة عندما بدأت نشاطها عام 1988، وتعتبر الحفني أحد الفنانين النادرين الذين يتقنون كل أنواع الموسيقى العربية والغربية، وحققت العديد من الإنجازات التي يظل على رأسها أوبريت الأرملة الطروب الذي يعد أول عمل أوبرالي تُرجم إلى العربية، حيث كانت الحفني الدينامو الرئيسي وراء تحقيق هذا المشروع، وهو مادفعها للإعتزاز به والتأكيد عليه في كافة لقاءاتها وكان من بين ما روته عن هذا العمل أثناء عرضه في احتفالات قمة الأفرو آسيوية، أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طلب من مدير الأوبرا وقتها د. ثروت عكاشة البحث عن مغنية مناسبة لدور البطولة، ووقتها تلقت مكالمة هاتفية من مكتب الوزير يؤكد أن "ناصر" وراء اختيارها للعب دور البطولة الغنائية في الأوبريت، وأوضحت أن عكاشة قرر تعزيز أوبريت الأرملة على نطاق واسع، وأراد جلب طبقات اجتماعية جديدة إلى دار الأوبرا، حيث تم تخفيض سعر التذكرة إلى ستة قروش ليسمح لكافة الطبقات المتوسطة والعاملة لمشاهدة العرض، ويومها جلس أحد العمال جنباً إلى جنب مع الفنانة الراحلة أمينة رزق، وسألها عن الأدوار المقبلة في الأوبريت، وتقول الحفني بالنسبة للكثيرين كان هذا العمل أول اتصال شعبي مع قاعة الأوبرا وكانت مناسبة لا تنسى في حياة البسطاء والفنانين. استمرت البروفات حوالي تسعة أشهر، وكان ثروت عكاشة متحمساً جداً لانجاز هذا الأوبريت وأعطاه قدراً كبيراً من وقته الخاص، وكان التمرين الموسيقي والمسرحي كل يوم في الصباح وبعد الظهر، حتى خرج العرض الأول في 15 اكتوبر عام 1961، ولمدة 20 يوماً، بغناء الخفني، وشارك في العمل نخبة رائعة من الممثلين مثل كنعان وصفي، يوسف عزت جنباً إلى جنب مع أميرة كامل وريجينا يوسف، وأيضاً حسين رياض الذي التحق بالبروفات في وقت متأخر جداً. كانت "أرملة الطروب" إنجازاً ثقافياً مهماً منذ ذلك الحين، وحاول بعض الفنانين استنساخ عدد ليس بالقليل من ألحان العرض، لكن دار الأوبرا القديمة قررت تنفيذ عمل آخر باللغة العربية لاستثمار هذا النجاح مثل مسرحية موسيقية مأخوذه عن ايفور نوفيلو بعنوان سنوات الرقص، قام بترجمة النص عبد الرحمن الخميسي، وكانت رتيبة الحفني لها الدور القيادي في الإشراف على العرض والبروفات ووضع الموسيقى، وهناك أيضاً العديد من الترجمات الأخرى لعدد من الموسيقى العالمية أبرزها لا ترافياتا، ريجوليتو، الناي السحري، زواج فيجارو.. وغيرها، وجميعها تم ترجمتها إلى اللغة العربية في دار الأوبرا الخديوية بمشاركة العديد من المواهب المصرية. وكانت الحفني ترى أن دار الأوبرا المصرية يمكن أن تتحدي فنياً أي إنتاج دولي أو تقوم بتنفيذ أى عمل عالمي، لكن على الرغم من أداء الأوبرا للمسرحيات الموسيقية باللغة العربية الدولية للوصول إلى جمهور واسع إلا أن الحفنى كانت تفضل الغناء بلغة العمل الأصلي الأجنبية، ولذلك كانت ترفض ترجمة الأغنية فمثلاً أثناء غناء مقطوعة لفيردي باللغة العربية لن يتولد نفس الشعور والإحساس إلا باللغة الإيطالية الأصلية، وتقول إنه من من المهم جداً للمغنين فهم اللغة التي يتم فيها الغناء. لم يكن صوت الحفني مقتصراً على مصر فقط، لكنه امتد من خلال أوبريت " الأرملة الطروب" الذي عرض على شاشات التلفزيون النمساوي، الأمر الذي ساهم في لفت انتباه المجتمع الدولي إلى صوت الحفني، وفي السنوات التالية غنت في روماوبرلين وأيضاً على مراحل في يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا. لكن في ظل توهجها الفني قررت الحفني التنحي أو اعتزال حياتها المهنية الأوبرالية، وكان هذا القرار أحد الأسباب الرئيسية وراء انسحاب حسن كامي وصبحي بدير من الغناء الأوبرالي، وكان قرارها نابعا من الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب الذي ترك الغناء وهو في قمة تألقه ، وكانت ترى أن الفنان الذكي هو الذي يترك المسار الفني وهو في القمة، وبهذه الطريقة يمكن للناس أن يتذكروه دائماً قبل أن يشهد تدهوراً في صوته الذي يأتي مع التقدم في السن، ومع ذلك لم تستطع الإبتعاد عن الموسيقى أو حياتها المهنية الأكاديمية واستمرت على رأس قيادة الأوبرا المصرية، حتى رحلت عن عالمنا حارسة الثقافة الأوبرالية.