بدأت رحلة الكاتبة مع ذاتها من لحظة اعترافها لنفسها أنها غير سعيدة، هي صحافية ناجحة في عملها، متزوجة من رجل يحبها، ليس لديها أطفال، وتملك مالا وفيرا، لكن كل هذا يجعلها تتأكد من غياب شيئا ما عن حياتها، هي غير سعيدة، هي تتظاهر بالسعادة. لكن هذا الجدل بينها وبين ذاتها الذي استمر لأكثر من عام عن مفهوم السعادة وعن حياتها الحالية، تقرر في لحظة ما إنهائه تماما، تواجه زوجها برغبتها في الإنفصال، تأخذ إجازة من عملها لمدة عام كامل، وتقرر السفر لزيارة ثلاث بلدان ( ايطاليا- الهند- أندونيسيا) على أن تمضي في كل منها ثلاثة أشهر، تعيد فيها اكتشاف ذاتها، ومعرفة الحياة. تصف غيلبرت هذه المرحلة من حياتها بدقة مكثفة لتعبر عن لحظات الألم الشديد الذي يسيطر على المراحل التحولية في حياة الإنسان، انتقالها من بيتها، الفراق بينها وبين زوجها، القيام بكل تسويات الإنفصال وما يتبع هذا من ألم نفسي. تكون "ايطاليا" هي المحطة الأولى في رحلة غيلبرت، لقد ربطت الكاتبة بين كل كلمة من كلمات عنوان الكتاب ببلد تنوي السفر إليه. "ايطاليا" هنا هي الطعام الشهي، هي وجبة بيتزا مذهلة، وفنجان كابتشينو لا يقاوم، هي البلد المبهرة التي تشبه متحف مفتوح على الطبيعة في كل أماكنها. تسافر إلى ايطاليا، لأنها شغوفة باللغة الإيطالية، وترى أنها تحمل من الجرس الموسيقي عند النطق بها، ما لا تحمله أي لغة أخرى. تحكي غيلبرت عن هذه المرحلة كما لو أنها تعيش مرحلة نقاهة بعد مرض طويل عانت منه، اذ رغم كل المتع المتوفرة في إيطاليا لكن ثمة احساس بالفراغ متعب جدا، لا يمنحها الراحة ،ويذكرها بوحدتها. أما حين تنتقل إلى " الهند" فإنها ستعيش مرحلة مختلفة كلياً عن "ايطاليا". في " الهند" تقرر الإقامة في مكان يشبه الدير، معتزل، يرتاده الباحثون عن السكينة، ممن لديهم مسعى روحي ضل منهم ويسعون إليه عبر التأمل لوقت طويل، عبر ضبط النفس ومجاهدتها. هكذا تعيش حياة تقشف شديدة، في مكان يخلو تماما من الرفاهية، لتكون "الهند" هي "الصلاة" لأن الكاتبة تنشغل في هذا الجزء من مرحلتها – الذي يعتبر الأكثر اهمية – في تكريس جهدها لمعرفة نفسها من الداخل، تنظر إلى الجزء الخفي من ذاتها، تتعرف إليه، تكتشفه وتفهمه، وهنا يكون التحول الجذري. ختام الرحلة يكون في " أندونيسيا"، حين تكون غلبرت قد تعلمت بدقة ماذا يعني التأني والصبر. هكذا تكتشف المحبة، في بيت عراف أندونيسي فقير تتعلم معه معنى الحكمة ، والمحبة الحقيقية الصافية التي لا تنتظر مقابلا، محبة تمنحها للعالم بعد أن أخذت منه تصالحها مع ذاتها الأعمق. يتمكن قارئ هذا الكتاب، من معرفة أن الرحلة الداخلية الحقيقية هي الهدف الأسمى الذي سعت إليه الكاتبة عبر خوضها هذه الأسفار في ثلاث بلدان مختلفة. التحرر الداخلي هو حالة من الرضا، والتسامح مع النفس والعالم، حالة من الاستغناء النبيل عن كل ما هو مادي. حين تشعرنا المادة بالثقل، ينبغي علينا التتخفيف من قيدها الذي تشدنا فيه للأرض وتمنعنا عن الانعتاق الحقيقي الذي يقربنا من ذاتنا الأعمق. الجدير ذكره أن الكتاب صدر مترجما بالعربية عن "الدار العربية للعلوم" ، وبترجمة رشيقة للغاية من المترجمة زينة إدريس التي تمكنت بسلاسة رائعة من نقل أحاسيس الكاتبة ، ووصف أدق المشاعر والمواقف التي اختبرتها، ويمكن امتداح الترجمة بثقة بسبب قراءتي النص الأصلي بالإنجليزية.