يعود الفضل في إعادة اكتشاف هذا الشاعر إلى معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين الذي صار وعاءً حافظا لكنوز شعرنا العربي الحديث، ومصدرا ملهما للباحثين والدارسين على مر الأجيال، كما يقول الدكتور محمد مصطفى ابوشوارب في إهدائه للكتاب الذي نحن بصدد عرضه اليوم. إنه الشاعر المصري محمد السيد شحاته الملقب بشاعر البراري (1901 1963) والذي لم يكن معروفا على نطاق واسع، حتى صدر كتاب "تأملات مع الحياة مختارات نادرة وقصائد لم تنشر لشاعر البراري محمد السيد شحاته" والذي جَمعت مادته الشعرية ابنةَ الشاعر السيدة توبة محمد السيد شحاته، واختار من بينها وقدَّم لها وأعدَّها للنشر الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب، وصدر الكتاب عن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري ضمن احتفاليتها بهذا الشاعر أثناء فعاليات مهرجان ربيع الشعر العربي السادس 2013. وعلى الرغم من عدم شهرة الشاعر في زمانه إلا أن جهود المؤسسة كما يوضح رئس مجلس أمنائها الأستاذ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في تصديره للكتاب لم تقتصر في إضاءة المشهد الشعري على الشعراء المشهورين فقط بل وجدت أن من واجبها التعريف بشعراء لم ينالوا حظهم في الشهرة والانتشار لإدراكها أن شهرة الشاعر تتحكم فيها عوامل متعددة إذ ليست القيمة الفنية لشعره هي العامل الوحيد، فهناك عوامل أخرى من بينها تفاعل الشاعر مع محيطه الاجتماعي وتهيؤ الفرص لنشر شعره، وهذا مما لم يُتح لجميع الشعراء. جاء الكتاب في 414 صفحة وأوضح د. أبوشوارب في مقدمته أن الشاعر محمد السيد شحاته لم يكن صاحب مشروع تشكيلي يجرِّب من خلاله أدوات الفن الشعري، بقدر ما كان صاحب أفكار ورؤى يحاول إيداعها روح المتلقي وعقله، وطبعها في وجدانه. لم يكن شاعر البراري شاعرا من أصحاب الفتوحات الفنية التي تهيئ عالما فريدا مبتكرا يخصه هو دون غيره، متميزا بمفرداته وصوره وإيقاعاته وأبنيته المبتدعة، بقدر ما كان شاعرا تعبيريا يقدم مواقفه إزاء تحولات الداخل والخارج معا، ويعبر عنها في إطار الأنساق الفنية المتداولة. وعلى الرغم من ذلك فثمة طاقات فنية بارزة تشكل في مجموعها ملامح جمالية النص الشعري عند شاعر البراري على مستوى العبارة والتصوير والموسيقى والنسق الفني للنص، مع ظهور بعض الانزياحات التصويرية اللافتة، وميل واضح إلى التشخيص والاستفادة من طاقات الإيقاع النسيجي للنص اعتمادا على آليات المماثلة الصوتية جناسا وتكرارا وردًّا أو المقابلة الدلالية أو التوازن البنائي. لقد بلغت نصوص ديوان شاعر البراري مائة وواحدا وتسعين نصا قُسمت إلى أبواب هي: مع الحياة – مع المجتمع - مع الشكوى – مع الراحلين – مع الأصدقاء – مع الأقربين – مع الشعر – مع الشيب – مع المرأة – مع الطبيعة – مع اليقين. وقد اتسمت هذه القصائد بأصالة عناصر الأداء الفني وارتباطها بثقافة الشاعر الخاصة، والقدرة على توظيف طاقات الشعرية في إنجاز الرسالة المقصودة، مع النزوع إلى التجديد. يقول شاعر البراري محمد السيد شحاته في مقطوعة بعنوان "وجود" ضمن باب "مع اليقين" على سبيل المثال: أوائلُنا لهمْ فينا وجودُ ** إلى حدٍّ، ودنيانا حدودُ وفي الألفاظِ تَستَترُ المعاني ** وفي الأحفادِ تستترُ الجدودُ