علي الرغم من أن اقامتي في الكويت، هذه المرة، لم تزد علي أربعة أيام فقط، إلا أنها حفلت بلقاء العديد من المبدعين والأكاديميين والنقاد العرب، سواء من ربطتني بهم علاقات منذ سنين طوال مثل: الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، أول عربي تمنحه جامعة قرطبة درجة الدكتوراه الفخرية خلال هذا العام الأكاديمي، والكاتب المسرحي عبدالعزيز السريع، الفائز بجائزة الدولة التقديرية في الكويت هذا العام، والناقد الدكتور سليمان الشطي الذي يتمتع بمكانة رفيعة في الجامعات العربية، والدكتور عبدالله بن صالح العثيمين، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية الذي يقصده كل من أراد أن يستوثق من معلومة تخص الحياة الفكرية في نجد والحجاز، والناقدين المصريين اللذين فرقت السبل بيننا في الآونة الاخيرة: الدكتور أحمد درويش المقيم الآن في الرياض للتدريس في جامعتها، والدكتور محمد حسن عبدالله الذي عايش الحياة الثقافية والفنية في الكويت قرابة نصف القرن قبل أن يستقر أستاذاً بجامعة الفيوم، أو من تعرفت إليهم لأول مرة عندما دعيت للمشاركة في احتفالية تكريمهم بجوائز مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في دورتها الأخيرة مثل: الشاعر التونسي المكي الهمامي الفائز بجائزة أفضل قصيدة عن نصه "أمير الرؤي"، والشاعر السعودي جاسم الصحيّح الفائز بجائزة أفضل ديوان، والناقد الأردني يوسف عليمات الفائز بجائزة نقد الشعر عن كتابه " قراءة ثقافية في أنساق الشعر العربي القديم". ففي مكتبة البابطين المركزية المتخصصة في الشعر العربي، التي تطل علي الخليج، وتجاور وزارة الخارجية، حضرت وقائع تسليم رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح جوائز الدورة الثالثة عشرة "دورة أبي تمام وعمر أبي ريشة" للفائزين بها من الشعراء والنقاد، بعد أن حالت الظروف دون انعقادها في دمشق، وفي مقدمتهم صديقي الشاعر فاروق جويدة الذي توجهت إليه الجائزة التكريمية، وقد ألقي في هذه الجلسة الرسمية أبياتًا كتبها في عام 1990 تعكس مدي قوة العلاقة بين مصر والكويت في وقت الشدائد، قبل أن يلقي قصيدته "الخيول لا تعرف النباح"، في حين حيا الدكتور العليمات في كلمته بإسم الفائزين مانح الجائزة الذي جاء اختياره سفيراً للنوايا الحسنة، وشخصية العام من قبل اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز العنصري. وبدوره أشار البابطين إلي الترتيبات التي تجري الآن مع الاتحاد الأوربي لعقد دورة جديدة من دورات مؤسسته لدعم الحوار الحضاري بين العرب والغرب في إحدي العواصم الأوربية في أكتوبر المقبل. وفي ديوانيته، التي ظل أمير الكويت السابق يدير منها أمور البلاد لأكثر من شهرين بعد تحرير الكويت في ضاحية النزهة، استقبل البابطين في اليوم التالي عدداً من الدبلوماسيين كان في مقدمتهم السفير الإسباني الذي رافقه رئيس جامعة قرطبة، والدكتور نادر الجلاد الأستاذ المشارك بها لإحاطة البابطين بإجراءات منحه درجة الدكتوراه الفخرية . وفي ديوانية أبي منقذ بضاحية مشرف، يستقبلنا عبد العزيز السريع، الأمين العام لمؤسسة الجائزة، علي شرف فوز جويدة بجائزة هذه الدورة، ليبدأ حوار بديع حول أنساب الخيول العربية، وأنواع النخيل، وتراتب التمور التي تجاوز الألف صنف، ويذكر جويدة للصديق الدكتور سليمان الشطي أن بعض فسائل النخيل يفوق ثمنها في مصر الآن عدة ألوف من الجنيهات، وسرعان ما ينتقل الحوار إلي استدعاء الذكريات مع الخالدين من المطربين و الملحنين : أم كلثوم، رياض السنباطي، سيد مكاوي، أحمد رامي، فيروز، ومحمد عبد الوهاب، وتكشف الجلسة عن مدي ولع الشطي والسريع ودرويش بالطرب والغناء القديم. وربما يكون أكثر ما ميز هذه الدورة السادسة لمهرجان ربيع الشعر، الذي سلمت الجوائز في رحابه، هو لمسة الوفاء نحو اثنين من الشعراء الرواد؛ الكويتي عبد الله سنان، والمصري محمد السيد شحاتة الملقب ب"شاعر البراري" الذي قدم الدكتور محمد أبوشوارب أعماله الشعرية في طبعة جديدة صدرت ضمن مطبوعات هذه المؤسسة، تناولها الناقد الدكتور محمد حسن عبدالله بدراسة كشفت عن أمور كثيرة من أهمها إبداع هذا الشاعر قصائده القصيرة في شكل "الإبيجراما" في وقت مبكر سابق علي تجارب الدكتور عز الدين إسماعيل وغيره. وفي ورقته حول سنان، أشار الدكتور مرسل العجمي أن عبدالله سنان عُرف علي نِطاقٍ واسع بسبب قصائده التي كان يلقيها في المناسبات الوطنية في الكويت، وذكر أن الأديب فاضل خلف أطلق عليه لقب "مُغنِّي الشعب" وقد كان محقاً في ذلك، فلشعره دلالة علي شعوره بالانتماء لوطنه الذي لم يتأخر يومًا في الحديث عنه، ولم يتردد في الثناء علي المتميزين من أبنائه في مجالات الخدمة العامة، والنشاط الثقافي والاجتماعي. وقد كان الجانب الإنساني واضحًا في شعره، هو والجانب الاجتماعي عبر دواوينه: "نفحات الخليج"، "البواكير"، "الله والوطن"، "الإنسان".