يعتبر كتاب "السينما العربية والأفريقية" الأول والشامل الذي يصدر باللغة الإنجليزية، ويخصّص معظم فصوله لتناول تاريخ السينما العربية: تطوّر اتجاهاتها وأشكالها، أفلامها وصناعها وعلاقتها بالتطور الاجتماعي في العالم العربي. "السينما العربية والأفريقية" كتاب باللغة الإنجليزية من تأليف ليزبيث مالكموس وروي أرميس، يشمل مقدمة وثلاثة أقسام، في 11 فصلًا. وقد عاد أرميس ونشر كتابًا منفصلًا بعنوان "أصوات جديدة في السينما العربية" سنقدّم له عرضًا في مقال منفصل. أما هذا الكتاب الصادر عن دار نشر "زد" في لندن، فيقع في 662 صفحة من القطع المتوسط، ويناقش فيه روي أرميس في فصله الأول (من القسم الأول) بدايات ظهور السينما في الدول العربية والأفريقية خلال فترة السيطرة الاستعمارية، حيث ارتبطت في البداية بأجهزة الإعلام الرسمية مثل الإذاعة والصحافة وكان المقصود من هذا الارتباط أن تلعب دورًا دعائيًّا. وفى الفصل الثاني، ناقش بحث السينمائيين العرب والأفريقيين بعد الاستقلال عن هوية خاصة تميز أفلامهم، ولجوئهم في أحيان كثيرة إلى الاقتباس من الأدب وغيره من مصادر الإبداع. كما يناقش دور الدولة بعد الاستقلال في دعم السينما وهو ما برز بوجه خاص في تجارب إقامة مؤسسات السينما الحكومية (القطاع العام) في مصر والجزائر وسوريا والعراق وما انتهت إليه التجربة من فشل بسبب سيطرة العقلية البيروقراطية في تعاملها مع وسيلة من وسائل التعبير الفني، والصراع الدائم بين الدولة ممثلة في سلطة الرقابة، والفنان السينمائي كمبدع فرد تتملكه الرغبة باستمرار في القيام بدور في عملية النهوض الاجتماعي. أما القسم الثاني من الكتاب، فهو مخصّص للسينما العربية. وينقسم إلى ستة فصول تحمل العناوين التالية: الملحمي، الكوميدي، الدرامي، المشهد، الصوت، والعلامة. وعي سياسي في فصل الملحمي، تناقش مالكموس أولًا فكرة البطل في السينما العربية وتجد المؤلفة، تشابهًا بين البناء الدرامي في الكثير من الأفلام العربية، مع البناء الشائع في أفلام رعاة البقر الأميركية، فراعي البقر (الكاوبوي) هو عادة رجل قادم من خارج المحيط الاجتماعي، متمرّد يحارب ضد الآخرين ثم يصبح بطلًا في أنظار الجميع. في الفيلم الجزائري "الخارجون على القانون" مثلًا، الذي أخرجه توفيق فارس عام 1969، تدور أحداثه قبل حرب التحرير الجزائرية؛ البطل وهو شاب جزائري يخدم في صفوف الجيش الفرنسي، معروف بكونه من الرماة الماهرين، كان دائمًا يثير المشاكل لأهله وأبناء بلدته. لكن بعد أن يقوم بزيارة قريته، ويشهد بعينيه موت والده على أيدي الجنود الفرنسيين، يتحوّل إلى المقاومة ولكن بطريقته الخاصة، أي إلى العمل الإجرامي الفردي، فيقبض عليه ويُسجن، وداخل السجن يتعلّم من زملائه معنى المسؤولية والتضامن مع الآخرين، وبعد أن يُطلق سراحه ينضم إلى المقاومة المسلحة ضد الفرنسيين. هناك تماثل كبير بين بطل هذا الفيلم وبطل الفيلم التونسي "رسائل من سجنان" (1973) لعبد اللطيف بن عمار. ويصوّر هذا الفيلم نمو الوعي لدى شاب من الطبقة الوسطى إلى أن يلتحق بالمقاومة. لكن هناك أيضًا نموذج "البطل المهزوم"، كما في فيلم "الكرنك"لعلي بدرخان، الذي نرى فيه عدة "أبطال"من الطلبة، كل ما يفعلونه أنهم يتكلمون كثيرًا في المقهى، يناقشون الهزيمة التي وقعت في سنة 67 وكيفية الخروج منها، وسرعان ما يُلقى القبض عليهم مرة بعد مرة ويتعرّضون للاستجواب والتعذيب، تارة بتهمة الانضمام إلى الإخوان المسلمين، وتارة أخرى بتهمة الشيوعية. وتؤدي هذه التجربة القاسية إلى نمو وعيهم السياسي بما يدور في بلدهم والاقتناع بضرورة التغيير. وترصد المؤلفة التعبير عن العنف الاجتماعي في الأفلام العربية فتختار نماذج عدة من بينها فيلم "العصابة" لهشام أبوالنصر الذي يوجه النقد للسياسة الرسمية، بل وقد أُعتبر هذا الفيلم أيضا معاديًا لأمركة المجتمع ولسياسة التعامل مع إسرائيل، غير أن مخرجه استخدم نفس القالب الدرامي والسينمائي لأفلام "رامبو"الأميركية، وهي مفارقة تقول إن الجمهور تقبلها بالطبع دون مناقشتها. ومن الجوانب الطريفة التي تتعرّض لها المؤلفة استخدام لعبة كرة القدم الشعبية كنوع من الرمز السياسي والاجتماعي في بعض الأفلام كما فعل محمد خان في فيلم "الحريف"، وكما في فيلم "الكأس"لمحمد محفوظ، وفيلم "الدرجة الثالثة" لشريف عرفة. وكنموذج لسينما النقد الاجتماعي تتّخذ المؤلفة من الفيلم الجزائري "عمر قتلاتو الرجلة" (أو عمر قتلته الرجولة) لمرزاق علواش، نموذجًا تتناوله بالتفصيل موضّحة أنه يصوّر هامشية جيل ما بعد الاستقلال في الجزائر من خلال "البطل"الذي يروي لنا الأحداث ويعلق عليها. ولكن لأن البطل يعيش في نوع من الخيال الهروبي الذي يصنعه بنفسه، فإننا نتساءل في النهاية ما إذا كان ما رواه لنا هو الحقيقة أم من نسج خياله. لكن المؤلفة تصل إلى اعتبار الفيلم بأكمله رصدًا لنمو وعي البطل، وهو رأي لا نوافقها عليه، لأن الفيلم ينتهي في المشهد الأخير كما بدأ، دلالة على استمرار الدورة الفارغة في حياة عمر، وتأكيدًا على بقاء الموقف الاجتماعي كما هو، دون تغيير. كوميديا وميلودراما وبحسب جريدة العرب اللندنية تقسم المؤلفة ليزبيث مالكموس الكوميديا في السينما العربية إلى نوعين هما: الكوميديا الهزلية، وكوميديا المواقف، لكنها تؤكّد أن العامل المشترك في الأفلام الكوميدية العربية يتمثل دائمًا في شخصية ضئيلة، سواء جسمانيًّا أو اجتماعيًّا، تقف على هامش المجتمع وإذا ما أرادت الدخول إلى المجتمع عليها أن تلجأ إلى أكثر الأشكال تطرفًا. وهي ترى أن هناك على الأقل نوعين من الكوميديا في السينما العربية، يعتمدان على ما إذا كان الموضوع هو المجتمع أم الشخصية التي تتوق إلى التوافق مع ذلك المجتمع. أما الميلودراما فتتبنّى المؤلفة تعريفًا لها يقول إنها تتجسّد في الأفلام التي تهتم بما يدور داخل الغرف المغلقة ويتعلّق بمشاكل الأفراد، ومن الأفلام الميلودرامية القديمة لنيازي مصطفى إلى الأفلام الحديثة للسينمائيين في الثمانينات، تسعى الكاتبة إلى اختبار صحة تلك المقولة، وتصل إلى تأكيد صحتها. وهو ما لا نتفق فيه معها، فالميلودراما تتّسم عادة بالمبالغات الشديدة والأحداث الاستثنائية بهدف خلق الإيهام الكاذب بأن ما يشاهده المتفرّج ليس فقط قابلا للحدوث، بل من المؤكّد حدوثه وعلى نفس الصورة التي يراه بها المتفرج. من أمثلة الأفلام الميلودرامية تورد المؤلفة "ملف في الآداب"و"البدروم" لعاطف الطيب، و"أريد حلًّا "لسعيد مرزوق، و"يوم حلو ويوم مر" لخيري بشارة و"نساء ضد القانون" لنادية حمزة. لكن الغريب أنها تورد أيضًا فيلم "الفتوة" لصلاح أبوسيف باعتباره من أفلام الميلودراما بينما يتفّق النقاد العرب على اعتباره من أهم ما ظهر من الأفلام الواقعية في السينما العربية. والغريب أيضًا أنها تتجاهل تمامًا أفلام المخرج المصري الراحل حسن الإمام الذي عرف ب"ملك الميلودراما" في السينما المصرية. وترى المؤلفة أن شخصية الفتوة لها موقع بارز في نمط القص السينمائي في الوطن العربي، وتخصّص لها بالتالي حيزًا خاصًّا ضمن القسم المخصّص للميلودراما. وبالنسبة لفيلم "الفتوة" ترى أنه يجسّد طريقة للصعود الاجتماعي توحي في النهاية بانضمام المتمرد إلى النسيج الذي كان يتمرّد عليه، وربما يشير أيضًا إلى احتمال استبداله ذات يوم ببديل آخر باتباع نفس الطريقة التي اتبعها سلفه. بعض الهنات الملاحظ أن المنهج الذي تتّبعه مالكموس في الفصول التي كتبتها عن السينما العربية هو منهج اجتماعي سياسي يتجه إلى الربط، ولو قسرا، بين الأفكار السائدة في الأفلام بل وحتى أشكال السرد الدرامي السينمائي، وبين التغيرات الاجتماعية والأفكار الاجتماعية التي تنشأ في فترة سياسية معينة. ويعيب هذا المنهج أنه يهمل كثيرًا فكرة الخيال الذي هو أساس العمل الفني، وعدم خضوعه آليًّا للمتغيّرات السياسية، وكذلك التأثر بالأفلام الأجنبية في السينما المصرية، ومحاكاتها دون أن يكون الفيلم خاضعا لسياق الظاهرة الاجتماعية الأكثر عمومية. على الرغم من الجهد الكبير الذي بذل في إعداد الكتاب عبر سنوات من البحث، إلّا أن المؤلفة ليزبيث مالكموس تغفل الإشارة إلى الكثير من الأفلام التي كانت ستغني بحثها في السينما العربية لحساب إبراز أفلام أخرى أقل شأنًا. وإضافة إلى اعتماد مفاهيم عمومية كما أشرنا في حالة تناول الميلودراما، يغفل البحث العلاقة بين الفيلم والجمهور في العالم العربي، وتأثير الفيلم الأجنبي وعلى الأخص الأميركي، في تشكيل أنماط التفكير لدى الجمهور. وتميل المؤلفة إلى التقسيمات الفرعية المتعدّدة دون ضرورة علمية، فهي على سبيل المثال، تقوم بتقسيم ما تسميه بالصوت إلى: الجنون، الأسطورة، الذاكرة، الأشكال، التابلوه.. دون أن تكون لهذه التقسيمات الفرعية أسباب لفصلها عن غيرها. فالذاكرة مثلا، ترتبط بالأسطورة في عدد كبير من الأفلام، وترتبط الذاكرة في أغلب أفلام السينما العربية الجديدة بالسيرة الذاتية للمخرج المؤلف. وهو أيضًا من الجوانب التي أهملتها المؤلفة تمامًا. وعلى الرغم من هذه الملاحظات على الكتاب، إلّا أنه يمثل خلاصة جهد علمي غير مسبوق في مجال الدراسات السينمائية باللغة الإنجليزية، وهو لا يزال يعتبر أحد المصادر الأجنبية المهمة بالنسبة لدارسي السينما العربية في الغرب.