اعتقد ان الحرية بكل معانيها كانت في "بؤبؤ عين" الثوار.. لان الحرية هي وحدها الضامن لعدم تمكين الفساد وتفشيه كما جري لبلادنا خاصة في السنوات الاخيرة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك.. وحيث تسود الحرية ويسود العدل والانتاج وازدهار البحث العلمي والتعليم.. والحرية هي التي تتيح تعقب الفاسدين السياسيين الذين يلوون عنق الحقيقة لصالح "اطالة" عنق من لا عنق لهم في الاساس، نفاقا ورياء وانتهازية وكما قلت سابقا علي صفحات هذه الجريدة المحترمة فان ثورة يناير ستظل مصدر إلهام وفضول وبحث وتحليل وانبهار وحنق "حنق المتضررين داخليا وخارجيا" وخوف من الانظمة التي كتمت الانفاس ونهبت ثروات الشعوب وفي ظني ان ما سوف يكتب عن ثورة يناير سيفوق بكثير ما كتب عن اعظم ثورات التاريخ.. وكان شباب يناير وقد انضم اليهم الشعب المصري في اغلبيته الساحقة، عظيم الوعي عندما رفع شعارا يسبق كل الاولويات بما فيها الحرية ذلك هو شعار "التغيير" ليس تغيير الوجوه بل اساسا تغيير السياسات وفي مقدمة الصورة هنا الاعلام المصري الذي هبط بسمعة مصر كثيرا عندما صور- او حاول زورا تصوير شعبها- بانهم عملاء لهذه الجهة او تلك وانحط بقدر الشعب وثورته اكثر عندما افتري قائلا: ان الشباب خرج للتظاهر والمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية لقاء وجبة كنتاكي.. هل هناك اعتراف اكثر من هذا بان القائمين علي النظام هم من اللصوص الذين نهبوا ثروات الشعب وعاثوا في الوطن فسادا حتي باع المصريون ضمائرهم لكل مشتر من المليون او المليار ربما الي وجبة الكنتاكي!! طبعا كان الواقع يكذب هؤلاء الناطقين باسم نظام فاسد ومفسد لانهم جزء اصيل منه بل هم صنيعته.. ولا يكفي اصحاب المكانة الرفيعة من كتابنا الكبار من الاشارة الي فداحة استمرار قيادات الصحف والتليفزيون الذين عينهم النظام السابق في مواقعهم- وقد هالني ان تبلغ البجاحة بهم حد الانقلاب 180 درجة علي كل ما كانوا يروجون له اثناء الثورة وكأنهم لم يأتوا اثما حقيقيا بطعن الشعب وثواره في وطنيتهم وكرامتهم وشرفهم من جهة وبتضليل الشعب، دافع الضرائب والمفروض ان يكون علي علم بما يجري في وطنه عبر وسائل الاعلام الحكومية من جهة ثانية- قال احد هؤلاء وكأنه ينتظر ان نخرج المناديل ونمسح دموع "الاشفاق؟!" عليه انه كان يؤدي واجبه.. ولم اسمع في حياتي بمثل هذا التبرير المعيب- ان تأدية الواجب عند سيادته هو ان يضلل الناس ويسيء الي الثوار بأوامر من وزير الاعلام ونجل الرئيس السابق.. والسؤال هو: ما هي حدود "الواجب" في مهنة الاعلام؟.. بالنسبة لي فإن اهم ركن هو ركن الامانة- وتشويه الحقائق- بأوامر عليا ايا كانت- هو خيانة الامانة بكل ما تحمل الكلمة من معان.. فالاعلامي او الصحفي الذي يدين بالولاء للحاكم لا يستحق ادني احترام لانه ليس موظفا في مكتب معين جدرانه "غير شفافية" بل هو يرتكب جريمة تضليل المواطنين والكذب عليهم اضافة الي انه يمثل نموذجا رديئا وكريها للعاملين معه او تحت قيادته.. والكارثة ان القيادات الاعلامية المعروفة استعدت الان للانقضاض علي مكاسب الثورة والتهامها، بمعاونة الذين تعاملوا معها في السابق وبنفس الاسلوب بينما هم بدأوا بالتنكيل بشباب الثوار وبمن تعاطف مع ثورتهم العظيمة.. نفس هذه النماذج الانتهازية والتي لا تعرف الا الولاء لمن "يقبضها" كل اخر شهر واحيانا كل اسبوع او حتي كل يوم، لاتزال في مواقعها وهو ما يتنافي مع ابسط قواعد المنطق، فكيف يؤتمن هؤلاء علي التعبير عن خط الثورة واطلاع الجماهير علي مطالب الثوار وخطواتهم.. وايضا كيف يتصور اي عاقل في الدنيا ان يصدق الناس هذه القيادات التي فقدت مصداقيتها المستمدة من قهر النظام السابق للمواطنين والكذب عليهم طوال سنوات.. ان الاعلام هو الجسر البالغ الاهمية بين الجيش والشعب والاكيد ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة يدرك فداحة استمرار نفس الوجوه الاعلامية بعقلياتها التي ظهرت جليا والتي تبين انها لا تؤمن بأي شيء سوي الاستمرار علي مقاعد تتقاضي مقابل مجرد الجلوس عليها ارقاما فلكية لا تستحقها باي حال من الاحوال.. اننا نتوق الي عصر جديد ادخلنا الي عتباته المضيئة شباب مصر العظيم.. ومن حقنا ان تطل علينا الوجوه المعبرة عنه وليس تلك التي كانت صوتا وسوطا للنظام السابق والذي تتكشف فضائحه وجرائمه في كل يوم والتي كان هؤلاء يصورونها زورا وبهتانا علي انها انجازات! وتبين انها مليارات منهوبة نالهم منها ولو قسط ولهذا فان التغيير لابد ان يبدأ بالاعلام وجيشنا العظيم يعرف هذا الامر تماما.. الواجب المهني هو الالتزام بالحقيقة واعلام المتلقي بها وليس تضليله بأكاذيب وافتراءات مشينة بدعوي انها صادرة من جهات عليا! وقد تعرضت شخصيا لتجربة قاسية عندما رفضت اجراء حوار مع شيمون بيريز احد اشهر سفاحي اسرائيل والذي كان وزيرا للخارجية عام 1994- - وكانت النتيجة ان فصلت من عملي ولم اكن اعرف ساعتها كيف سنعيش في ظل غياب مساهمتي بمرتبي.. فهل يا تري كان علي بنفس منطق هؤلاء ان اذعن لاوامر مديري؟- ان الضمير المهني شيء اخر.. واتمني من كل قلبي ان تتفكك الاجهزة الحكومية والحزبية التي تسيطر علي وسائل الاعلام.. نريد اعلاما حرا.. يتنافس بالاداء المهني ويثبت جدارته بالكفاءة وليس بلعق احذية الحاكم- ان تحرير الاعلام سيحول دون افساد اجيال اخري!