لا يمكن ان تمر الوثيقة الجديدة لحلف شمال الاطلنطي "الناتو" مرور الكرام.. فالوثيقة التي تعتبر "بوصلة" الذراع العسكري للغرب خلال العقد القادم انطوت علي تغيير جذري في خريطة توازنات القوي العالمية وانهي رسميا ميراث الحرب الباردة بين الغرب والمعسكر الاشتراكي الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفيتي السابق وذراعه العسكري حلف وارسو حيث طوي الحلف في قمة لشبونة صفحة العداء مع موسكو وفتح معها صفحة "الشراكة الاستراتيجية" ونصت الوثيقة الجديدة علي ان لا الناتو ولا روسيا يشكل تهديدا للطرف الآخر. اكثر من هذا نجح قادة الناتو في الحصول علي موافقة روسيا للانضمام الي الدرع الصاروخية وهو الامر الذي طالما عارضته روسيا بوتين واعتبرته تهديدا لامننا القومي وهددت بنشر صواريخ استراتيجية في ستالينجراد في حال اصرت الولاياتالمتحدة علي نشر الدرع الصاروخية التشيك.. وحسبما قال الامين العام للحلف راسموش فإن الايام المقبلة ستشهد تأكد موسكو ان الدرع الصاروخية ليست موجهة ضدها. ولم يكن التقارب بين الناتو وروسيا وهو الاول من نوعه منذ الاجتياح الروسي لجورجيا عام 2008 سوي مؤشر لمرحلة جديدة من التعاون بين غريمي الامس حيث وافقت موسكو علي تخصيص ممرات برية لامداد قوات الناتو المنتشرة في افغانستان بالمؤن والسلاح ولا سيما بعدما نجحت طالبان في قطع خطوط الامداد ولم تفلح استراتيجية استعانة الحلف بمسلحي طالبان لتأمين قوافل الامدادات حتي بمقابل مادي وهو من الفارقات والغرائب التي أزمت الحرب في افغانستان. توزيع الغنائم في قمة لشبونة لم تقتصر علي موسكو وحدها لكنها امتدت الي تركيا التي فرضت مشيئتها علي قادة الناتو لزوم استضافتها للدرع الصاروخية حيث رفضت ذكر ايدان بالاسم كهدف لنشر الدرع الصاروخية حفاظا علي مصالحها الاقتصادية والسياسية مع طهران.. وهو ما تحقق حتي لو خرج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الي العلن عقب اختتام قمة الحلف ليؤكد ان ايران هي المستهدف الاول من الدرع الصاروخية. ورغم ان الحلف تبني استراتيجية للخروج من المستنقع الافغاني خلال اربع سنوات وهو الامر الذي تثار حوله الشكوك الا ان اللافت انه يوطن نفسه علي التأهب لمواجهة حروب المستقبل وفي مقدمتها الحروب الالكترونية التي صارت حقيقة واقعة بعدما جري من الهجوم علي المنشآت النووية الايرانية بفيروس "ستاكنت". ان قمة لشبونة تؤشر لعالم متعدد الاقطاب يوشك علي التحلل من ميراث الحرب الباردة ويسعي لتأمين مواطنيه ضد مخاطر غير معهودة وغير مسبوقة مثل "القرصنة" وخطف الطائرات والطرود الملغومة أو حتي الهجمات الالكترونية وكلها تتطلب اقصي درجات التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي.. وبالتالي فإن تقارب الناتو وروسيا يؤشر لمرحلة جديدة من عالم جديد متعدد الاقطاب بدلا من مرحلة القطب الأوحد الذي اعقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق واورث العالم كوارث هائلة افدحها غزو وتمزيق العراق وذوبان الصومال وغزو افغانستان وما سبقها من هجمات 11 سبتبر وتفجيرات لندن والدار البيضاء والرياض.