يبقي هذا الجهد ذو الرؤي المختلفة والطبيعة التجريبية التجديدية منحصرا في أغلب الأحيان في حيز نخبوي، وربما هذا ما ألمحت إليه د. سمحة الخولي في كتابها "القومية في موسيقي القرن العشرين كانت فترة الستينيات بداية حقيقية لظهور جيل متميز في الألحان قفز بالأشكال الموسيقية قفزات نوعية مثل بليغ حمدي وسيد مكاوي وحلمي بكر الذين أكملوا ما بدأه سيد درويش ومحمد عبدالوهاب ومحمد الموجي ومحمد فوزي وفريد الأطرش، ولعل أهم التيمات التي دخلت علي النوتة الموسيقية في تلك المرحلة هي التيمة الشعبية التي استمدت رحيقها من الحياة اليومية والموروث الشعبي وقد تجلي ذلك في الأغنيات التي قدمها هؤلاء الملحنون لعبدالحليم حافظ وأم كلثوم ونجاة ووردة وغيرهم من المطربين. وفي بداية السبعينيات ظهر جيل جديد من الملحنين والمطربين انقسم بدوره إلي فريقين نظرا للظرف التاريخي والاجتماعي ، الفريق الأول انحاز إلي لغة السوق والطابع التجاري الاستهلاكي الذي ساد هذه المرحلة التي غلب عليها "ثقافة الانفتاح" ذات الطبيعة الرأسمالية، فظهرت أنماط غنائية سميت ب "الغناء الشعبي" والتسمية هنا فيها قدر من التجاوز لأن الغناء الشعبي هو في الأساس نمط فني يعبر عن الروح الشعبية من خلال مفردات متسقا من الموروث الشعبي بعادته وتقاليده وفنونه، أما ما قدم علي أنه "غناء شعبي" فهو لا ينتمي إلي الموروث بصلة، وإن جاء مواكبا للحظة بتقلباتها ومعبرا عن فئات اجتماعية طفت إلي السطح الاجتماعي فجأة ، وليس بمستغرب أن يكون "أحمد عدوية" هو نجم المرحلة، فتوزع شرائطه وأغانيه مئات الآلاف من النسخ، وتصبح أغانيه "كراكشندي دبح كبشه" و"السح الدح امبو" و"يا بنت السلطان حني علي الغلبان" هي الأشهر والأكثر توزيعا وحضورا علي ألسنة الشباب والأطفال والشيوخ، وبجواره ظهر مطربون آخرون مثل كتكوت الأمير وعايدة الشاعر وليلي نظمي وزينب بديع وإن قدمت الأخيرة نمطا غنائيا أكثر فنية وإن جاء إسهامها منتميا إلي الأغنية الخفيفة. وربما كان هذا النمط الغنائي الذي يمتلك سطوة جماهيرية بداية الانتشار ما يمكن أن يسمي ب "أغاني الميكروباص" التي انتشرت في الآونة الأخيرة. أما الفريق الثاني فجاء ليكمل مشوار الأغنية العربية بمدارسها الرومانسية والحداثية فظهرت أصوات هاني شاكر وماهر العطار وعماد عبدالحليم الذي قدمه لأول مرة عبدالحليم حافظ في منتصف السبعينيات، وفي نهاية السبعينيات ظهرت أصوات أكثر تمردا وتجريبا مثل محمد منير وعلي الحجار ومحمد الحلو وبكر الخيام، وقد استعان هؤلاء بكلمات شعراء الستينيات والسبعينيات أمثال سيد حجاب وعبدالرحيم منصور وعبدالرحمن الأبنودي وجمال بخيت وغيرهم. وعلي هامش هذين الفريقين ظهر فريق ثالث اتسم أداؤه بطابع ثوري واستفاد من تجربة الشيخ إمام وكان علي رأس هذا الفريق الفنان والملحن عدلي فخري والمطربة عزة بلبع. وهذه الأنماط الثلاثة تنتمي بشكل ما إلي "الخطاب الجماهيري" حيث إنها أكثر التصاقا بالحياة الاجتماعية والسياسية، في حين أن هناك تجربة موسيقية ذات طبيعة أكاديمية أفرزت مجموعة من الأسماء المجددة في الموسيقي التي حصلت دراسته أكاديمية مؤسسة علي نظريات علمية حداثية، وقد سلك معظم أفرادها الجانب الأكاديمي والموسيقي الأوبرالية، ومن هؤلاء الملحنين جمال سلامة "1945" الذي تخرج في الكونستيرفتوار ثم درس في موسكو خلال عامين تقريبا علي يد "خاتشا توريان" ثم عاد بعدها ليكتب الموسيقي التصويرية للأفلام، ولتلحين الأغاني والمسريحات ذات الطبيعة الغنائية وكان أول هذه الأعمال مسرحية "عيون بهية" عن نص مسرحي لرشاد رشدي عام 1977. كما قدم د. جمال سلامة مجموعة من الألحان لماجدة الرومي ومحمد ثروت ونادية مصطفي ومدحت صالح وغيرهم. ومن هذه المدرسة أيضا المايسترو أحمد الصعيدي أحد أشهر قادة أوركسترا القاهرة السيمفوني عبر تاريخها وهو من خريجي قسم التأليف بالكونسيرفتوار، وقد استكمل دراساته العليا في أكاديمية الموسيقي بفيينا حيث درس التأليف علي ف. تسيرها والقيادة الموسيقية علي أوتمار سوتيز، وله مؤلفات أركتسرالية مكتوبة بلغة هارمونية معاصرة، وكذلك بعض أعمال موسيقي الحجرة. وفي هذا الإطار جاءت تجربة الموسيقار راجح داود الذي تتلمذ علي يد الفنان الرائد جمال عبدالرحيم، ثم استكمل دراسته الأكاديمية في النمسا علي يد "ي. كرستيان دافيد"، وقد شارك بألحانه وموسيقاه التصويرية في عدد كبير من الأفلام المصرية. ومن هذا الجيل أيضا نادر عباسي ومحمد عبدالوهاب عبدالفتاح وشريف محيي الدين. أما الفريق الثاني فجاء ليكمل مشوار الأغنية العربية بمدارسها الرومانسية والحداثية فظهرت أصوات هاني شاكر وماهر العطار وعماد عبدالحليم الذي قدمه لأول مرة عبدالحليم حافظ في منتصف السبعينيات، وفي نهاية السبعينيات ظهرت أصوات أكثر تمردا وتجريبا مثل محمد منير وعلي الحجار ومحمد الحلو وبكر الخيام، وقد استعان هؤلاء بكلمات شعراء الستينيات والسبعينيات أمثال سيد حجاب وعبدالرحيم منصور وعبدالرحمن الأبنودي وجمال بخيت وغيرهم. وعلي هامش هذين الفريقين ظهر فريق ثالث اتسم أداؤه بطابع ثوري واستفاد من تجربة الشيخ إمام وكان علي رأس هذا الفريق الفنان والملحن عدلي فخري والمطربة عزة بلبع. وهذه الأنماط الثلاثة تنتمي بشكل ما إلي "الخطاب الجماهيري" حيث إنها أكثر التصاقا بالحياة الاجتماعية والسياسية، في حين أن هناك تجربة موسيقية ذات طبيعة أكاديمية أفرزت مجموعة من الأسماء المجددة في الموسيقي التي حصلت دراسته أكاديمية مؤسسة علي نظريات علمية حداثية، وقد سلك معظم أفرادها الجانب الأكاديمي والموسيقي الأوبرالية، ومن هؤلاء الملحنين جمال سلامة "1945" الذي تخرج في الكونستيرفتوار ثم درس في موسكو خلال عامين تقريبا علي يد "خاتشا توريان" ثم عاد بعدها ليكتب الموسيقي التصويرية للأفلام، ولتلحين الأغاني والمسريحات ذات الطبيعة الغنائية وكان أول هذه الأعمال مسرحية "عيون بهية" عن نص مسرحي لرشاد رشدي عام 1977. كما قدم د. جمال سلامة مجموعة من الألحان لماجدة الرومي ومحمد ثروت ونادية مصطفي ومدحت صالح وغيرهم. ومن هذه المدرسة أيضا المايسترو أحمد الصعيدي أحد أشهر قادة أوركسترا القاهرة السيمفوني عبر تاريخها وهو من خريجي قسم التأليف بالكونسيرفتوار، وقد استكمل دراساته العليا في أكاديمية الموسيقي بفيينا حيث درس التأليف علي ف. تسيرها والقيادة الموسيقية علي أوتمار سوتيز، وله مؤلفات أركتسرالية مكتوبة بلغة هارمونية معاصرة، وكذلك بعض أعمال موسيقي الحجرة. وفي هذا الإطار جاءت تجربة الموسيقار راجح داود الذي تتلمذ علي يد الفنان الرائد جمال عبدالرحيم، ثم استكمل دراسته الأكاديمية في النمسا علي يد "ي. كرستيان دافيد"، وقد شارك بألحانه وموسيقاه التصويرية في عدد كبير من الأفلام المصرية. ومن هذا الجيل أيضا نادر عباسي ومحمد عبدالوهاب عبدالفتاح وشريف محيي الدين. ومع ذلك يبقي هذا الجهد ذو الرؤي المختلفة والطبيعة التجريبية التجديدية منحصرا في أغلب الأحيان في حيز نخبوي، وربما هذا ما ألمحت إليه د. سمحة الخولي في كتابها "القومية في موسيقي القرن العشرين" حيث تقول: لابد أن نشير إلي أن موسيقا المؤلفين المصريين المقيمين في بلادهم" ليست أسعد حظا بكثير، فموسيقاهم بأجيالهم الثلاثة مازالت تعيش بمعزل عن تيارات الحياة الموسيقية اليومية، وتقديم أعمالها مازال رهن المصادفة وهو ما لا يفسح لمبدعيها فرص الانتشار والاحتكاك الجماهيري الحيوي، ولا يفتح أمام موسيقاهم السبل الكافية للتفاعل الحي مع المجتمع وللإسهام الحقيقي كغيرها من الفنون المصرية الجديدة في تشكيل وجدان الإنسان المصري الجديد، مثلما لمسنا في تركيا أو أمريكا اللاتينية "ولا نقول الاتحاد السوفيتي أو المجر"، فهذه شعوب أوروبية لها جذور موسيقية عميقة حيث تتبني بلادهم مؤلفيها "القوميين" وتحتضنهم كل مؤسساتها وأجهزتها الموسيقية والإعلامية والدبلوماسية والتعليمية علي السواء كجزء من خطتها الثقافية القومية نحو غد أفضل.