يلح علي هذا المثل المعروف والمعبر بشدة عن التناقض الصارخ بين الاقوال والافعال، بين رفع الشعارات البراقة والممارسات الفعلية علي أرض الواقع.. خذ مثلا "الجنازة" التي تقيمها الولاياتالمتحدةالامريكية حزنا علي سيادة لبنان وتأثيم منتهكيها.. فواشنطن تموت قهرا من انتهاك حزب الله لسيادة الدولة اللبنانية وتعتبر تسليح هذا الحزب المقاوم - الذي تصدي ببسالة للعدوان الاسرائيلي تلو العدوان والذي كان عدوان 2006 ابشعها تدميرا وتقتيلا - انتهاكا واضافت بحزن عميق ان تسليح المقاومة يهدد استقرار الشرق الاوسط بينما- في رأيها ويقينها- ان الطائرات الحربية الاسرائيلية "ترسخ" سيادة لبنان وهي تجوب سماواته انتهاكا، في رحلات يومية رايح جاي.. ايضا تتباكي امريكا علي عدم "تعاون؟!" الجميع في لبنان مع المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، بينما هذه الدولة تمنع بكل ما لديها من قوة اية محاكمة لجرائم الحرب الاسرائيلية التي تقتل آلاف اللبنانيين والفلسطينيين وما تيسر من بقية العرب ويصيب الفيتو وغيره من الوسائل اي خطوة في سبيل لجم استباحة اسرائيل للحقوق العربية بالسكتة القلبية.. تصدعنا امريكا بحقوق الانسان وتنتهك انسانيته كما لم تنتهكها دولة من قبل وتغدق في اعطاء الدروس الاخلاقية لموقع ويكليكس الذي فضح جرائم قوات الاحتلال الامريكي في افغانستان والعراق وشهد العالم كله علي انها جرائم يندي لها الجبين وافاضت في اعطاء الدروس الاخلاقية فاعتبرت ان فضح جرائمها "غير اخلاقي؟" اما جرائمها فهي "اخلاقية".. ونتحول الي الشعارات ومنها تحديدا الشعارات المتسترة باسم الدين وما يرافق هذه الشعارات الزاعقة من سلوكيات ما ابعدها عن الدين او القيم او المباديء الانسانية في ابسط صورها. فقد تزامن مع ما أطلق البعض عليه مصطلح "الصحوة الاسلامية" اسوأ انواع الانغلاق الفكري والتعصب الاعمي المشين وألحقت ضررا بالغا بصورة الاسلام التي ظلت ناصعة علي مدي قرون عديدة.. من تفشي فكر التكفير والارهاب فأنت كافر مثواك جهنم وبئس المصير اذا لم تمتثل لمفهومهم وارائهم وتفسيراتهم والاضافة الجديدة، انهم يتولون شحنك الي جهنم بتفجيرك وتمزيقك اشلاء مع المحيطين بك حتي لو كانوا اطفالا رضعا، فرضوا علي المجتمعات العربية والاسلامية زيا معينا وجعلوا من هذا الزي "نمطا" للمسلم وويل لمن يهمس بان هذا ليس من الاسلام في شيء اذ يسارعون الي خنقه.. فاذا قلت ان الاسلام ليس ان تبصق علي غير المسلم او انه ليس ان تدير سلاحك نحو شريك في الوطن بدلا من تصويبه للعدو، فانت كافر.. ولا تجد جوابا علي سؤال يطير النوم من اعينك: هل تفتيت الاوطان مثلما يجري في السودان والعراق والصومال من تعاليم الاسلام؟ ويزاحم هذا السؤال سؤال آخر، لماذا يجري ذلك كله تحت سمع وبصر الحكومات العربية وفي بعض الدول الاسلامية مثل باكستانوافغانستان؟ أسجل عجزي عن فهم هذا الموقف وأواصل تساؤلاتي... لماذا تزامن الفساد واستشري وشاع الغش دون وازع او رادع، حتي غش الدواء الذي يمكن ان يؤدي الي الوفاة او الي الاصابة بامراض مستعصية مع "الصحوة الاسلامية" حسب الصيغة الجديدة التي منذ ان شقت طريقها في اوائل السبعينيات وحتي الآن، شاعت الرشوة حتي استفحلت وباتت طقسا عاديا تصدر الفتاوي، احيانا، لتبريره، لماذا استشرت العدوانية الوحشية وهو ما تشهد عليه صفحة الجرائم والحوادث وقد ابكتني بحرقة جريمة قتل حفيدة لجدتها العجوز للاستيلاء علي مدخراتها الضئيلة.. لماذا رخص الانسان فيغرق نحو الف واربعمائة شخص في عبارة "السلام؟" "تأمل الاسم البراق" وباتوا في طي النسيان؟لماذا ونحن ندعي التدين يقتل شاب طائش بعربته الطائشة اثني عشر مواطنا ويصيب ثمانية كلهم من "الغلابة" الذين كانوا في انتظار سيارة ميكروباص قد تكون بدورها طائشة لنقلهم الي وجهاتهم بنفقات يقدرون عليها ولو بشق الانفس؟ لماذا طعن مواطن زوجته بعشرات الطعنات مع ان طعنة واحدة او قل طعنتين تكفيان لقتلها التي حرم الله قتلها الا بالحق.. لماذا تصفي الحكومة صروحا صناعية شيدتها تضحيات اجيال وعرقهم ودماؤهم، بدعوي انها خاسرة. .. ويتم "بيعها؟!" للاجانب، الاكثر قدرة علي ما يبدو علي ادارة المشروعات الصناعية وكأنه اعتراف مدو بأننا فشلنا في الادارة بقدر ما نجحنا في البيع حيث تطالعنا يوميا صور مسئولين يبيعون حتي الطماطم؟ وكيف نصدق ان الحكومة تسعي الي القضاء علي البطالة بينما هي تضخ في مستودع البطالة بمئات الآلاف من عمال وكوادر هذه المصانع؟ كل هذه الاسئلة وغيرها كثير ترد عليها الحكومة بانها "أوهام" وبأننا نعيش ازهي عصور الرخاء وننعم في المنتجعات السكنية والسياحية ونتنفس هواء عليلا نقيا وليس لدينا عشوائيات مخجلة ولا يموت بعضنا في طوابير الخبز او علي الطرق السريعة رغم انه نموذج واضح للبطء والعشوائية القاتلة... لماذا لا نشاهد- الا نادرا- رجال دين يعظمون من قيمة العمل والانتاج والنظافة والحرص علي الارض الزراعية وعلي نقاء مياه النيل وعلي المطالبة بتعليم حقيقي ورعاية صحية حقيقية.. والاوجع لماذا انسحبت كل القيادات السياسية من الساحة وتركتها خالية لثقافة التخلف والحقد والانغلاق وسرقة دور الخالق في الحساب والعقاب المتصل بالضمير والنوايا بينما تترك المجال واسعا للافعال المجرمة في كل الاديان السماوية والقوانين الانسانية.. وسؤال آخر بصرخة استغاثة.. اين القانون؟ فمنذ رفع شعار دولة العلم والايمان ونحن لا نري علما ولا ايمانا وجاء شعور دولة سيادة القانون ليفر القانون هاربا من ظلم القائمين علي تطبيقه بعدما طوعوه لأغراض شتي.. والخلاصة.. اسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك استعجب! جدا.. جدا..!!