يوسف الذي جاهد الصهيونية بكل صلابة.. ورفض في عام 1947 إقامة دولة يهودية في فلسطين.. ولذا فقد كان واضحًا لديه الفرق بين الدولة الصهيونية والديانة اليهودية.. كان رافضًا للعنصرية بشتي أشكالها، شعرت بالندم والأسي لأنني لم أعرف هذا الرجل بشكل شخصي ومباشر، شعرت بحزن عميق كأنني فقدت جزءًا عزيزًا من وثائقي ووشائجي التي لم تكتمل لأن جزءًا غاليا كان ينبغي أن يمتليء لكن هذا لم يحدث لأننا فقدنا يوسف درويش. كانت هذه هي الكلمات التي قلتها لصديقي الأعز أحمد سيد حسن أعلم أنه سيعاتبني كثيرًا ويعتبر شهادتي مجروحة لأنني أحبه وليكن.. فقد قلت له هذه الكلمات بمجرد انتهاء ندوة يوسف درويش مباشرة في 2/10/2010 ذلك بنقابة الصحفيين، حيث كنت جالسًا شديد الانبهار بما يقدم عن تاريخ هذا المناضل المحامي اليساري اليهودي الذي أسلم عام 1947 مع أن هذا لا يعنيني كثيرًا فما قيمة من أسلم أو تنصر إلا لنفسه فقط؟ فقد سمعت تسجيلاً ليوسف درويش وقتما سأله مجدي مهنا هل أنت يهودي مصري أم مصري يهودي؟ فقال أنا أولاً إنسان.. يا لروعة الرجل الإنسان بعد الندوة عدت أسأل بعض الأصدقاء ولمدة أسبوع علي الأقل، وكأنني أبحث عن دليل البراءة لعدم معرفتي جيدًا بهذا المناضل.. ومن أسف فكثيرون لم يعرفوا عنه الكثير وتلك إشكالية إعلامية عنده أعود إلي الندوة التي سمعت فيها أصدقاء يوسف وأهله ومحبيه.. فقد سمعت كلمات يصعب حصرها في عدد من المقالات لكنني تلمست بعض جوانب هذا العملاق.. عرفت كيف كان يحب الحياة كما هي وكما ينبغي أن تعاش.. عرفت كيف كان مخادعًا كبيرًا كما وصفه أحد تلاميذه حينما قال: لقد كان يوهمك أنه يتعلم منك وفي الحقيقة كان يعلمك بجواره معك.. عرفت كيف علّم كل من تعامل معه قضية في غاية الأهمية.. غاية الصعوبة ببساطة متناهية ألا وهي كيف تحب وتتعامل وتتعايش مع من يختلف معك في الرأي؟.. لقد كنت ألمس هذه الخاصية النبيلة في أحمد سيد حسن ولم أكن أدرك أنه تعلمها من العم يوسف أو الخال يوسف أو الأخ يوسف.. عليك أن تسميه ما شئت لكنه يوسف وكفي. لقد قال أحمد حسن إن نقابة الصحفيين انتصرت منذ شهور قليلة ليوسف وقت أن كتبت صحفية ب"الأهرام" عن بسمة قائلة من كان جدها يهودي فعليها أن تتخفي سألت طارق الشناوي وعزمت علي الرد بقوة فمنعني أحمد حسن، ولم يفاجئني موقف المناضل مكرم محمد أحمد النقيب المحترم، فقد تصدي شخصيا في موقف مشهود عنه، حيث لا ننسي جميعًا مواقفه الوطنية والإنسانية تجاه صديقي د. محمد السيد سعيد، والمرحوم سلامة مجاهد أو العزيزة إيمان رسلان فله معهم مواقف أزعم أنها تاريخية تحسب لمكرم وكفي. نعود للمحتفي به يوسف ومائة عام نضال ووطنية فهو المولود في 2 أكتوبر 1910 ذلك الرجل الذي كان نصيرًا للعمال حتي أنه حينما حصل علي ليسانس الحقوق من باريس 1934 عاد ليحصل علي نفس الليسانس من الإسكندرية بعد عشر سنوات أو يزيد فلما سئل لماذا؟ قال لأن المحاكم المصرية ما كانت لتسمح لمحامي حاصل علي ليسانس فرنسي بأن يدافع في المحاكم المصرية فحصل علي الليسانس المصري من أجل العمال المصريين الذين ظل نصيرًا لهم مدافعًا عن قضاياهم حتي نسمع جمال فهمي يقول نحن أحوج اليوم إلي يوسف درويش في قضايا العمال الذين بيعت مصانعم وكثرت قضاياهم، وقل المدافعون عنهم بل ندروا. يوسف الذي هاجرت أسرته إلي الولاياتالمتحدة فأبي أن يترك مصر ذلك الوطن الذي عشقه. يوسف الذي جاهد الصهيونية بكل صلابة.. ورفض في عام 1947 إقامة دولة يهودية في فلسطين.. ولذا فقد كان واضحًا لديه الفرق بين الدولة الصهيونية والديانة اليهودية.. كان رافضًا للعنصرية بشتي أشكالها، كان يرفض ادعاءات اليهود بأن هناك تعذيبا لليهود في مصر.. بل أقر ببعض المضايقات ولكنها لم تكن أبدًا تعذيبًا كما ادعي اليهود الذين تركوا مصر وغيرها. لقد سمعت وقرأت له كلامًا محترمًا عن مسائل الأقليات ومسئولية الأغلبية عن هذه المشكلات.. أنها آراء جريئة جاءت في وقت ظل فيه الرجل يناضل حتي أنه أدمن الاعتقال حتي الثمانين من عمره.. ولكنه أبدًا لم يفقد إرادته ولا عشقه لمصر.. ولا حبه للحياة فيها أو الحياة كما ينبغي أن تعاش.. فهو دائم الحديث عن المستقبل المشرق الذي كان يتطلع إليه وينتظره، ولذا فقد دفع ثمن حياته مقدمًا.. كان قوي العزيمة.. صلب الإرادة حتي أصابته سيارة شرطة عند النادي الأهلي بالجزيرة، فلم تقعده كسور الحوض وخلافها.. بل ظل متشبثًا بالحياة وكأنها الحبيبة التي آثرها واختار أن يعشقها فتعامل مع حياته باعتبارها الحبيبة دائمًا، كان درسًا وطنيا إنسانيا لكل أفراد أسرته ولكل من عرفه وتعامل معه.. كانوا جميعًا نبض قلبه ونقطة ضعفه كما وصفهم الشاعر زين العابدين فؤاد حينما وصف نظامه ودقته ولياقته الذهنية والبدنية معًا.. عم يوسف إلي أن نلقاك فتحية وسلامًا من كل محبيك واسمح لي أن أكون منهم فأنت جيفارا الذي رأيته علي قميصك الأحمر، وأنت مانديلا أفريقيا.. أنت شخص نبيل.. فإلي اللقاء.