تحدثنا في الأسبوع الماضي باختصار عن مؤسسة اليماني الثقافية ودورها في مجال النقد والشعر والإبداع الأدبي عامة، ومما يلفت النظر أن هذه المؤسسات والجمعيات الأدبية والعلمية لا تجد مناخا خصبا لنشاطها إلا في مصر الكنانة، وهذا اعتراف صريح وضمني بأن مصر ستظل إن شاء الله هي الملجأ والملاذ لكل العلوم وكل الفنون مهما تراجع دورها اقتصاديا لكننا عائدون وفي كل المجالات. وفي هذا السياق وارتباطا بما قلناه في الأسبوع الماضي فإنني سأضع كلمة الأستاذ الدكتور يوسف نوفل أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس، وهو ابن دار العلوم البار، سنضع كلمته هي أساس المقال فقد كانت كلمته غاية في الدقة والبيان، وليس بمثلي من يقيم كلمة د. نوفل، فحينما أردت أن أقدمه تحيرت هل هو الأستاذ الجامعي أم الشاعر، أو الناقد المبدع أم ذلك المفكر والأديب النابه، هو كل هؤلاء لكن يبقي أنه الأستاذ الذي علم أجيالا فكل التحية والتهنئة له بجائزة النقد والإبداع التي حصل عليها من مؤسسة اليماني. وإلي حضرات القراء كلمة د. نوفل في حفلنا الثقافي بمؤسسة اليماني وهكذا نجد الشعر الوشيجة، وحبل الوصل بيننا وبين ماضينا العريق، ومن هنا آخيته ورافقته علي مدي يزيد علي نصف القرن: شاعرا، وعاشقا، وقارئا، ومتذوقا، ودارسا، ومدرسا، وناقدا حتي مثل أمامي كيانا حيا حساسا يفصح عن مكنونه وأسراره وجمالياته لمن سلست له قيادته عبر معايشته في ثلاث مراحل هي: مرحلة ما قبل القول الشعري، ثم القول الشعري في عش الفيض والإبداع، ثم المرحلة الثالثة، وهي ما بعد القول الشعري حيث التلقي والتأويل والاستشفاف، والتحليق في سماواته، دون جموح أو جنوح. وقد عاشرته بشخصين: شخصية الشاعر، وشخصية الناقد، ولهذا وجدتني أكتب بعد مرور خمسين عاما قصيدة أصور فيها التجربة الأولي لي في صورتها المهيبة مع الإبداع الأول بعنوان "الرجفة الأولي" مصورا في سنة 2007، ما حدث عام 1957، مسجل ذلك في كتابي، ومما قلته بامتزاج شخصيتي الشاعر والناقد. قدمت كلمة د. يوسف نوفل، وتصادف منذ أيام اتصل بي الصحفي المتميز علاء عمران من مجلة "حريتي" حيث يجري تحقيقا تحت عنوان "رغم إلحاح حواس تدريس الهيروغليفية بالمدارس مرفوض" (الأحد 28/2). أخذ فيه بعض آراء المتخصصين والتربويين ومنهم د. حامد عمار ود. عبدالحليم نور الدين، ورأي كاتب المقال، وحيث إن "نهضة مصر" هي منبرنا.. فتأتي الفرصة لكي نحيي علاء عمران علي تحقيقه المتميز، ثم تبين علاقة العربية بالهيروغليفية. أولا: نحن لا نجد أي أهداف لتدريس الهيروغليفية إلا أن ندرس في كليات الآثار، أو السياحة والفنادق، أو الألسن، اللغات والترجمة أو بعض أقسام كليات الآداب إذا رأت أقسامها ومجالس كلياتها أهدافا تعليمية وتربوية. ثانيا: الكثير من طلاب الثانوية يشكون من اللغة الثانية باعتبارها عبئا إضافيا، وتضيع منهم هذه اللغة بعد سنوات لأنهم لا يمارسونها فاللغة ممارسة حياتية. ثالثا: نحن ليس لدينا معلمون بشكل كاف لتدريس اللغات الأجنبية بخاصة الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية والإسبانية فما بالنا بلغة آلاف السنين فهل عندنا معلمون للغة الهيروغليفية؟! رابعا: إذا كان البعض يدعي أنها ستضاف إلي مادة التاريخ الفرعوني أو تعليم الطلاب في حصة النشاط كتابة اسمه بالهيروغليفي فهل مدرسو التربية الفنية يعرفونها، أم سنضع العربة أمام الحصان وهل لدينا أنشطة في مدارسنا؟! خامسا: يا دكتور حواس: نسبة الأمية لدينا مرتفعة جدا، وهناك نسب تسرب في المرحلة الابتدائية والإعدادية تزيد من كارثة الأمية.. ألا نعلمهم العربية أولا التي يجهلها كثيرون. سادسا: هناك دعوي بأن تكون مصر فرعونية وليست عربية فهل هذا مع المخطط إياه رغم دفاعك عن أنا بناة الأهرام. سابعا: سمعت أن الدكتور حواس رفض علي إحدي الفضائيات مجرد توجيه أسئلة عن سارقي الآثار والمتاجرين فيها منذ سنوات ليست بالقليلة. ونحن نطالبك يا معالي الدكتور أن تدلي بشهادتك من أجل تاريخنا وأموالنا وتراثنا.. ولتكن شهادتك بأي لغة عربية أو هيروغليفية المهم نكشف سارقينا إن كنت تعرفهم.. إلي لقاء يا دكتور عربيا أو هيروغليفيا. معالي الشيخ الدكتور أحمد زكي يماني سعادة الأستاذ عمال أبو غازي نائبا عن وزير الثقافة سعادة الأستاذ الدكتور أحمد كشك الأمين العام لمؤسسة اليماني السادة الأدباء والشعراء والنقاد والساسة والمفكرون سيداتي سادتي سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسعد الله مساءكم يمنح الله الحكمة والعقل لحكماء من عباده، ويسخو عليهم بفضله وخيره، فيسهمون في بناء المجتمع، وتطويره، ومن ثمار ذلك كله شيدت معظم الصروح العلمية والثقافية في العالم، وذلك بفضل الهبات، والتبرعات والمنح والأوقاف، هكذا قامت قلاع جامعة هارفارد، وجامعة كيمبردج، وأمثالهما علي الوقف والتبرع، وعلي هذا الأساس علت منارات مثل: جوائز: نوبل، وفيصل، وزايد، والعويس، والبابطين، ويماني، أي أن الحضارة والتقدم، سيداتي، سادتي، في حاجة إلي عطاء هؤلاء الحكماء، ومن هنا كانت تلك الأمسية الحافلة، وهذا العطاء الثقافي من تلك المؤسسة الثقافية المرموقة، وشيخها الجليل. ومن المنطلق الحضاري ذاته الذي أشرت إليه يجئ الوجود الحضاري العربي تحت مبدأ نكون أو لا نكون، وارتباطه بالشعر العربي، وهو ذلك الطائر الذي يرفرف حولنا، ويحلق بنا بين الواقع والخيال، الشعر الذي هو عنوان تلك الأمسية. بل عنوان تلك المؤسسة، ذلك الشعر إن تأملناه وجدناه سندا ودليلا دامغا علي وجودنا العربي أمام ادعاءات أعداء هذا الوجود العربي، والمتربصين به، أولئك الذين حاولوا، ويحاولون، مرارا بالحيلة والإعلام والدهاء حينا، وبالتزييف والادعاء والبلطجة والإرهاب حينا، يحاولون تزييف تاريخنا لصالحهم، فادعوا تجريدنا من حق الوجود، بل اقتلاعنا، زاعمين أنهم الجذور، وأننا علي السطح هائمون، وأنهم المقيمون وأنا الوافدون، فزعموا بالباطل كل شيء، حتي أنهم نسبوا لأنفسهم أطعمتنا وملابسنا وفولكلورنا وعاداتنا وآثارنا، بغية اقتلاع جذورنا، وحاولوا بالتزييف هدم أسس تجذرنا بهذه الأرض.. إلا الشعر الذي يقف وثقية تاريخية لا تقبل المحاجة. فقد صدق أسلافنا حين قالوا إن الشعر ديوان العرب وسجل مآثرهم؛ لأنه ظل، علي مدي قرون وقرون، وثيقتهم في علاقاتهم بالأمم المجاورة والمعاصرة، ولذا بات حقا علينا الآن أن نذوب عن هذا الفن، أوتلك الوثائق الشعرية، وندافع وننافح، لأنه أقوي دليل علي الوجود العربي والتجذر في الأرض؛ فقد حلق الشعر العربي منذ قرون فوق كل ربوة أو تل أو جبل أو شعب أو ثنية أو سهل أو واد.. بل نقش فوق كل حصاة وفوق كل ذرة رمل من بر وبحر وفضاء منذ أعمق أعماق التاريخ، فرحل الشاعر مع قبيلته شمالا وجنوبا، وشرق وغرب بحرية تامة في بيت رحب فسيح، وبذلك فإن المحافظة علي وجود ذلك الفن العريق فن الشعر هو، في الآن نفسه، محافظة علي وجودنا الأزلي، ودليل عليه في الوقت نفسه، يستعصي علي الأعداء نقض أي جانب منها أو تزييفه، وهكذا: يمكن القول إن بقاء الشعر بقاء لنا، وبقاءنا بقاء للشعر، ولتكون الصفة المنطبقة، في النهاية، علي من عدانا أنه إما: وافد أو مهاجر أو مستوطن أو غاز أو معتد.