أفواههم غليظة الذين يتصرورن أنهم يستطيعون أن يمزقوا أوصال نسيج أمة.. لا لشيء إلا لأن عناصره متينة وهي حب مصر.. وطن واحد.. علم واحد يرنو إليه.. إرادة واحدة.. تعايش واحد.. كل هذه العناصر زادته قوة وتماسكا لا تستطيع أي قوة مهما كانت أن تفتك أو تمزق هذا النسيج القوي الصلب وهناك فرق بين إرادة صلبة وإرادة ضعيفة.. وقد جمعتنا إرادة قوية امتدت عبر آلاف السنين تعايشنا منها علي الحلوة والمرة وتقاسمنا فيها لقمة العيش لن نفرق بين بعضنا وتلك الأحداث شاهدت تماسكنا ولتكن ثورة 1919 حيث كان الهلال والصليب يتعانقان معا من أجل مصر ودحر المستعمر والدفاع عنها.. كان القسيس والشيخ يتجاوران في المسيرة لم يأخذ أحدهما جنبا منفردا عن الآخر ولكنهما كانا يتعانقان ربطهما حب مصر، وحرب أكتوبر هل كان المسلم يدافع وحده والمسيحي يدافع وحده أم أنهما كانا في خندق واحد يذودان فيه عن الوطن لأنه وطن الجميع.. وهذه النغمة النشاز التي يلحنها أعداء الوطن يلوحون فيها بفتنية طائقية، ولكن هيهات هيهات.. إنها رغبة لا تأتي إلا عن طريق كابوس واهم يريدون أن يتحول إلي حقيقة.. كلا إن حقيقتهم ملعونة حينما يريدون أن يعبثوا بتراب وطن نبتنا في أرضه وشربنا من مائه وعشنا تحت سمائه وتولدت أجيال يعقبها أجيال.. فكيف لهذه الأرض التي نمت فيها شرايين حياتهم أن تقطع أوصالهم.. هذا عبث إنه لم يكن إلا نبت شيطاني.. والسؤال ألم ييأسوا من محاولتهم في تمزق هذا الوصال.. ألم يعلموا انه لا فائدة من فك شفرة تباعد بيننا من الصعب علي أي عابث أن يفكها أو لمعرفة سرها لأنها تحمل مدلولا صعبا عليهم، رموزها أعلي من مستواهم العدائي تجاه هذا الوطن.. وإذا كانوا يظنون أن تلك هي الورقة الرابحة في انقسام أمة، أولا فإنها ورقة مهلهلة تطير مع أي ريح فلا فائدة، وإذا كان فطنة من جلساء السوء الذين يخططون في تأجيج صراع.. فإن فطنتهم واهية.. فالجهل بالمشاعر هو المصيبة الكبري لأنهم لا يدركون أنها آفة تحطم وجدان أمة عاشت في كنف المحبة التي تجمعهم، وكم من أسر ترابطت وصادقت لم نسأل في صداقتنا عن كون هذا مسلم أو ذاك مسيحي، فتلك ثقافة بالية هزيلة.. إننا مصريون.. هذا هو الأساس جذورنا واحدة.. فإذا طرق الأبواب عابث فالأجدر أن نوصدها في وجهه بتماسكنا وحبنا حتي نقطع عليه الطريق ولا ينفذ من خلالنا، لأننا سد منيع، وإذا أرادت أي قوة قادمة من الخفاء وتعلن أنها مناصرة للحق، وأي حق تناصرونه يا أعداء الحياة، إذا كنتم تريدون أن تطمسوا معالم الحياة والروح التي جمعتنا علي حب امتد منذ آلاف السنين، لم يكن بيننا من يسأل ما هو دينك، فالدين لله والوطن للجميع وكلنا مصريون.. فخرنا أننا نقاوم أي متشنج ولا نسمح له بممارسة صرعه في فناء الوطن، فالأجدر به أن يكون بمستشفي لعلاجه، إما أن يستجيب للعلاج ويكون مواطنا سليما معافي، وإما أن يكون هلاكه حتي لا يكون هناك عرضة لعدوي.. والحقيقة أقول إن الخطاب الذي يعلو المنابر ليس هو الذي يعالج هذا التصدع الفكري، ولكن لابد أن يكون هناك تنمية كوادر فاعلة ليس بالإملاء، ولكن بالاحتواء والممارسة الفعلية، ولا نترك الهوية الثقافية فارغة ليتلقفها عابث يدفع بسمومه داخل عقول مازالت غضة.. من السهل عليهم أن تستقبل لتتحول لديهم إلي عقيدة، ومن الصعب اقتلاعها، لذا علينا أن نفطن لمواطن الضعف التي تتسبب في تنامي هذه الأمور وتفعلها من البداية.. والتعامل هنا هو أن يكون هناك تكثيف إعلامي، واجتماعي، وأسري، تربوي من خلال منهج واضح يبحث المشاكل ولا نترك فرصة ولا يكون هناك إزكاء إلا عن طريق الإقناع والالتفات لبحث تربوي أكثر قناعة يحتارون ولا يدفعون بهم لتنمية الإحساس لديهم بأن هذا هو الطريق القويم ولا داعي أن نزج بالدين ليكون طريقا للتعصب.. فالدين للديان جل جلاله لو شاء ربك لوحد الأقوام.