قيامك ببطولة عملين دراميين هما: "قاتل بلا أجر" و"وكالة عطية"، وعرضهما في توقيت واحد. هل أثر سلبا عليك؟ المشكلة التي أزعجتني لا تكمن في عرض المسلسلين في وقت واحد انما في كثرة الأعمال الدرامية التي عرضت لدرجة أنها وصلت إلي ما يقرب من ستين عملا، وبالتالي لم تأخذ بعض الأعمال حقها من الاهتمام، وتعرضت لظلم بين، كما حدث مع "وكالة عطية"، وهذا ما تسبب في ضيقي، خصوصا أن "وكالة عطية"، كان من المفترض عرضه في رمضان الماضي لكن تأخر لظروف تتعلق بعدم انتهاء تصويره. أما عرض عملين من بطولتي في وقت واحد فلم يؤثر علي سلبا لأنه حدث أيضا للنجم نور الشريف في "ماتخافوش"، و"الرحايا"، فهي الصدفة وحدها، كما أن قرار اختيار توقيت عرض أي مسلسل لا يتخذه النجم أو بطل المسلسل بل تتدخل فيه ظروف ومعايير بعيدة عنه تماما. وهل حرصت علي متابعة الأعمال الدرامية الأخري التي عرضت معك؟ حرصت بقدر الإمكان علي هذا، لكن كما قلت كان "الزحام" شددا، وبعضها تعرض للظلم، علي الرغم من احتوائها علي مبدعين مجتهدين، فقد رأيت اسماء لزملاء رائعين لكن كيف لأحد أن يتابعهم بانتظام؟ وما الحل في رأيك؟ أن تقوم وكالات الاعلان بانتقاء توقيتات عرض جيدة تتيح الفرصة للجميع في عرض المسلسلات طوال العام، وليس في شهر رمضان فقط، بدلا من عرض أعمال مكررة في بعض القنوات عقب انتهاء شهر رمضان، فإذا لم يتم توزيع الأعمال الدرامية طوال شهور العام فعلي الأقل تتم إعادة الأعمال المظلومة في رمضان بعد انتهاء الشهر الكريم لتأخذ فرصة أخري في المتابعة. لكن نجاح "قاتل بلا أجر" بينما تراجع التجاوب مع "وكالة عطية" علي الرغم من عرضهما معا في شهر واحد يدل علي أن الخلل في "وكالة عطية"، وليس زحمة الأعمال المعروضة في توقيت واحد؟ لا أنكر أن "وكالة عطية" تمثل تجربة متفردة في الدراما العربية، وليس المصرية فحسب، لكونها حملت أبعادا فلسفية وفكرية، وكانت أقرب إلي الملحمة الدرامية الفانتازية، وبالتالي كان طبيعيا ألا تلقي اهتمام المشاهد العادي منذ الوهلة الأولي، بل لابد من تراكم التجارب التي من هذه النوعية ليعتادها الجمهور بعد ذلك، ومع هذا فأنا أري أن "وكالة عطية" كان لها السبق في تقديم شكل جديد وفكر غير مسبوق، وسيكون لها الريادة في هذا المجال، لانها ستجبر المشاهد علي التعامل مع الدراما التليفزيونية بتركيز فيه قدر عال من المتابعة الدقيقة، وليس كما يحدث في أعمال كثيرة يستطيع المشاهد أن يتركها لمدة 3 أيام ثم يعود من دون أن يفوته شيء. لذا اعتقد أن العرض الثاني ل"وكالة عطية" سيكتب للتجربة نجاحا أكبر واهتماما واسعا لم يتحققا في العرض الأول. كيف رأيت الجمع بينك وبين فاروق الفيشاوي في عمل واحد يحمل عنوان "قاتل بلا أجر"! المسلسل كتبه الكاتب الكبير مصطفي محرم بحيث تقوم فكرته الأساسية علي المواجهة بين شخصيتين علي قدر من الندية، والنجم الذي يدخل التجربة يدرك هذا من البداية، فإذا كان من هواة "البطولة المطلقة"، فإن عليه أن يبحث لنفسه عن عمل آخر، ومنها وافقت علي البطولة كنت مدركا لما أفعل، ورحبت بوجود كل هؤلاء النجوم الذين يدخلون في صراع شرس، وأتصور أن هذا حقق متعة كبيرة للجمهور ولي أيضا، فالفكرة كانت "هايلة" ومكتوبة بشكل "مميز". ألا تري أن التطرق إلي قضية بيع الأعضاء البشرية في المسلسل كان يحمل بعض المبالغة؟ علي الاطلاق، فالظاهرة موجودة بالفعل في حياتنا، بل ازدادت شراسة وخطورة في الفترة الأخيرة حتي أصبحت هناك "مافيا"، للاتجار في الأعضاء البشرية، ليس في مصر فقط بل في العالم كله، بدليل أن أحد أصدقائي في انجلترا أكد لي أن طبيبا مشهورا هناك حكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بعد تورطه في هذه الجريمة غير انني أود التوضيح أن الأمر يختلف في حال إذا ما تبرع الإنسان بنفسه بأي عضو من أعضائه، وأنا عن نفسي علي استعداد للتبرع بأعضائي عقب وفاتي عساني أنقذ مريضا في حاجة إلي أي من هذه الأعضاء. وعندما أعلن عن هذا فإنني لا أهدف إلي الاستعراض بل هي الرغبة الحقيقية التي أتمني أن تتحقق. ماذا بعد عرض فيلمك "لمح البصر"، في مهرجان دمشق. وفوزه بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الإسكندرية؟ لكوني عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الدولية لمهرجان دمشق السينمائي في دورته المقبلة، تقرر عرض "لمح البصر"، خارج المسابقة الدولية، ونبحث له في الوقت الراهن عن موعد مناسب لعرضه التجاري في مصر. ألم تخف من السمعة التي تطارد الفيلم في حال ما إذا قيل انه "فيلم مهرجانات"! مفيش حاجة اسمها فيلم مهرجانات وفيلم تجاري عادي، ومن الخطأ أن نقول إن الفيلم الذي يحصل علي جائزة من مهرجان يصبح موصوما أو مرفوضا من الجمهور عند عرضه التجاري، والفيلم الناجح هو الذي يجمع بين النجاح الفني والجماهيري معا. وإلا حكمنا علي الأفلام التي تعرض في المهرجانات بألا تعرض تجاريا و"تموت" بينما المفترض أن تحقق إيرادات للمنتج لكي يستطيع أن يواصل إنتاجها مرة أخري ما رسالة "لمح البصر" في رأيك"؟! الفيلم اعتمد علي قصة قصيرة للكاتب الكبير نجيب محفوظ تتحدث عن الخير والشر في النفس البشرية، والجديد في الطرح أنه يري أن الخير والشروحدة واحدة لا يمكن فصلها. ألم تتردد كثيراًقبل أن تخوض تجربة أبطالها من الشباب؟ بالعكس فقد رأيت أن الفرصة مواتية أكثر لدعم هذاالجيل، والوقوف إلي جانبه، خصوصاً إنني رأيت أن أحمد حاتم "ممثل هايل"، وفنان "ممتاز"، وكذلك المخرج الشاب يوسف هشام، بدليل حصوله علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الاسكندرية السينمائي، وأتمني أن يحقق الفيلم نجاحاً عند عرضه التجاري أيضاً. هل يتوقف دعم الوجوه الشابة علي محاولات فردية، كالتي قمت بها أم يفترض أن تتم بشكل جماعي من كل النجوم الكبار؟ مايحدث يريجع سببه إلي غياب مؤسسات صناعة النجم التي تأخذ بيد الممثل الموهوب من بداياته، مثلما يحدث في هوليوود، وفي الكثير من الأحيان يضعونه في مدرسة أو"حضانة" لمدة عام يتم خلالها تدريبه وتعليمه، وصقل موهبته، وتأهيله لدخول الساحة، وبعدها يتم الحكم علي نجاحه من فشله، أما نحن في مصر فكل شيء خاضع للعشوائية، والشركة الانتاجية أوالمنتج الفرد يتحمل مافوق طاقته من مسئولية مادية ومعنوية، فهو الذي يغامر بالوجه الجديد، ومعاهد السينما والفنون المسرحية ليست كافية لأن تلعب هذا الدور بكفاءة، وإن كنت اتصور أن هناك وجوها شابة قادرة علي أن تثبت نفسها، كماحدث معنا في مسلسل "قاتل بلا أجر" مع هبه مجدي وكذلك منه فضالي. لكنك لم تجد في أي من الوجوه الشابةالجديدة سعاد حسني أو رشدي أباظة؟ هذا يتوقف علي "الكاريزما" التي يتمتع بها الفنان، وتميزه عن الآخر، و"الكاريزما" الي أعنيها هي القبول والحضور بحيث يدخل الفنان قلب الناس بلا إذن كما حدث مع سعاد حسني وأم كلثوم، وإن كان هذا لايمنعني من الإشادة بمني زكي ومنة شلبي وهندي صبري. وكيف تري سينما العشوائيات؟ لا أدري ما هذا الذي نراه في هذه الأفلام التي يقال إنها تكرس "سينما العشوائيات"، فهي تظهر لنا نماذج من البشر ليس لها وجود علي أرض الواقع إلا في فئات محدودة جداً من المجتمع المصري، بالإضافة إلي إنها غير سوية وشاذة كل همها العنف والدم بمايعني إنها استثناء لاينبغي تحويله إلي ظاهرة كما يحدث التركيز علي هذه الفئات المحدودة في السينما المصرية في الوقت الذي كان علينا أن نركز علي الشخصيات السوية ونتجاهل هذا القبح والبشاعة التي يركز عليها البعض ممن يؤمن بأن "القبح" في المجتمع يميزه عن غيره(!) بينما الحقيقة إنها سينما تدعو إلي الاكتئاب وتعتمد علي مذهب تبناه "كافكا" الذي كان مصاباً هو نفسه بهذا المرض، الذي دفعه لتصوير كل قبح في المجتمع لينفس عن نفسه وعن عقده وأمراضه، وهذا مافعلته السينما المصرية في الفترة الأخيرة. هل ندمت لكونك اتخذت قرار مغادرة أمريكا، بعد دراستك السينما هناك، وعودتك إلي مصر؟ لعلها المرة الأولي التي أعلن فيها ، إنني كنت في أمريكا عندما حدثت هزيمة 1967 ووقتها اتجهت لمتابعة الاخبار الحقيقية عن الحرب، كما كانت تذيعها وكالات الانباء العالمية، ورأيت في تقاريرها الصادقة حجم معاناة الجنود المصريين في تلك الفترة، وكنت اتعذب عندما اشاهد مدي ماتردت إليه أحوال المجتمع المصري، ولحظتها قررت الرجوع إلي مصر مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحية التي أدفعها في سبيل هذا، ومن يومها لم أفكر يوما في مغادرة الوطن.