رمضان في مصر.. قلوب تسعي إلي الله.. وموائد إفطار.. ومسلسلات كالسيل العارم وإعلانات لجوجة رتيبة تستنفذ عقلك لو استسلمت وتبتزك عاطفيا عبر مشاهد لأطفال مرضي أو أيتام. تختلط دموعهم بابتسامة توجع القلب. نعم يبدو الهدف المعلن من تلك الإعلانات هو مساعدة هؤلاء المحتاجين لكن التكرار هنا لا يعلمنا بل يفسد مشاعرنا، يبلدها، يفقدها الإحساس، ويجعلنا نعتاد الألم والأطفال الذين تبدلت ملامحهم بسبب اليتم أو السرطان أو الفقر أو الإعاقة. الاعتياد يقتل الروح يجعلها معطلة عن الفعل، والدلائل واضحة وكثيرة، ألم نعتد القبح والرشوة والفساد والاستسهال حتي أصبحوا جزءا من حياتنا اليومية. ألم نعتد أن نري أكوام المغتربين كل عيد يفترشون محطة السكة الحديد من أجل السفر والونس بالأهل لبعض أيام. أصبح مشهدا عادياً ومكرراً لا يحرك أي مسئول. بل إن أغلبنا يعرف أن الأبواب الخلفية لتذاكر القطارات خاصة قطارات الصعيد متسعة للجميع مهما كان العدد، والبعض يردد أن كلمة (مفيش) التي يلقيها موظف الحجز في وجه من يحلم بالسفر لأهله هي مفتاح بيع تذاكر القطارات الخاصة التي يستأجرها أحد تايكونات رجال الأعمال في مصر. الجميع يعرف أو يسمع ولكن أحدا لا يحرك ساكنا أمام كل ما يحدث من إهمال وسوء الخدمة وارتفاع فاجر للأسعار وأخيرا استفزاز عبر إعلان يتكرر بمعدل كل عشر دقائق تقريبا علي شاشات التليفزيون، ليس المصري الحكومي الأرضي فقط بل عبر الفضائيات والشاشات العربية. إعلان ندفع ثمنه نحن لأنه ممول من وزارة النقل المصرية، وللأمانة فإن وزارة النقل لم تبخل فهي تقدم إعلانها وبنفس القدر داخل المسلسلات جميعها، لا تفرق بين مسلسل الفخراني أو مسلسل يسرا الأعلي تسعيرة في رمضان وبين البرامج التي لا يراها المشاهدون. الإعلان أيها السادة يخبرنا عن مدي تطور وجودة القطارات ويحرضنا عبر عدة مشاهد علي حماية القطارات من المخربين والمتسللين لأننا أصحاب الأموال التي طورت السكة الحديد وفي خلفية الإعلان مشاهد لقطار لامع براق وجديد ينتهي الإعلان بسؤال يجيب هو نفسه عنه، يسأل: "هل سيغير هذا الإعلان من شيء؟" وتأتي إجابته ب: "لا". موجها خطابه للمشاهدين بكونهم هم الذين يستطيعون أن يقولوا لا للأخطاء. إن كان الأمر كذلك. فأنا أقول: لا.. لإهدار الأموال الطائلة في إعلانات مستفزة. وأقول لوزارة النقل ألم تكن الأموال المهدرة في تلك الإعلانات كفيلة لشراء جرار واحد جديد يضاف ليسافر بهؤلاء المغتربين إلي بلادهم وأهلهم. ألم يكن ذلك أولي؟!. الم يكون أولي بمصلحة الضرائب ان توفر اموالنا الملقاة في خزينة شركة الاعلانات التي اوجعت عقولنا بعبدالقوي واعلانه اللحوح؟! هل يتصور المسئولون أن الإعلانات تحل مشاكلنا؟ أم أن هذه الإعلانات هي مسكنات للضمير، وفرجة يعتادها المشاهد لكنه يدرك أنها فقط للعرض التليفزيوني، أما الواقع فهو يعرفه جيدا، ويعرف دهاليزه وأدراجه السرية التي من خلالها "يمشي اُموره"، وكل سنة وأنت طيب يا بيه.