هل تكون القمة العربية التي ستنعقد في قطر يومي الاثنين والثلاثاء القادمين قمة مصالحة ولم شمل للصف العربي، أم ستكرس حالة الانقسام السائدة الآن في العالم العربي؟ المؤشرات والجهود والمشاورات والمباحثات التي سبقت القمة تفتح الأبواب أمام كلا الاحتمالين فلا توجد أحكام نهائية مسبقة يمكن الاعتماد عليها في تحديد وجهة القمة القادمة. خيار المصالحة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز واصل جهوده من أجل المصالحة ولم الشمل العربي، تلك التي بدأها في قمة الكويت الاقتصادية في 20 فبراير الماضي، حيث عقد علي هامشها لقاء خماسيا ضم الرئيسين مبارك وبشار الأسد وأمير دولة قطر الشيخ محمد بن جاسم إلي جانب الملك عبدالله وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وبالطبع لم يشهد هذا الاجتماع الدخول في عمق الخلافات السورية المصرية أساسا، وبالتالي تحول إلي لقاء لكسر الجليد خاصة أن الأجواء العربية كانت ساخنة جدا وملتهبة علي خلفية العدوان الإسرائيلي علي غزة ومحاولة قطر عقد قمة عربية طارئة قبيل قمة الكويت الاقتصادية يكون موضوعها كيفية مواجهة العدوان الإسرائيلي علي غزة. واستبدلت قطر القمة العربية الطارئة بقمة مصغرة حضرها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وهو التطور الخطير في مسيرة العمل العربي حيث جري إدخال إيران ضمن النسيج العربي، علي الرغم من وجود خلافات عربية إيرانية لم تحل وأهمها قضية الجزر الإماراتية إضافة إلي تهديدات مسئولين إيرانيين ضد البحرين التي اعتبروها أرضا إيرانية. قمة شرم الشيخ وفي نفس الوقت قاطعت مصر قمة قطر ونجحت في عقد قمة دولية في شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة حظيت بمشاركة دولية كبيرة بحضور السكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الأوروبي وأمين الجامعة العربية وأهم القادة الأوروبيين إضافة إلي الظهور لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ونجح المؤتمر في اعتماد ما يزيد علي 5 مليارات دولار لإعادة إعمار غزة والأهم من ذلك التأكيد علي استمرار عملية السلام علي قاعدة خارطة الطريق الدولية وقرارات مؤتمر أنابوليس والمبادرة العربية للسلام. وبعد جهود مضنية نجحت مصر في عقد مؤتمر المصالحة الفلسطينية الذي اقترب من التوصل إلي اتفاق شامل للمصالحة مستغلين تمثيل القمة العربية في الدولة ليفتح المجال أمام إعادة الإعمار وعودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية دولية. محور الاعتدال وفي نفس الوقت فإن محور الاعتدال الذي يضم أساسا مصر والسعودية والكويت نجح في إعداد رؤية عربية موحدة بخصوص كيفية التعامل مع القضايا العربية الملحة وقيام الرئيس مبارك بجولات وزيارات شملت معظم الدول العربية الخليجية انتهت منذ أيام بزيارة سلطنة عمان والمملكة الأردنية وذلك كله في إطار الإعداد للقمة العربية القادمة. والتطور اللافت للنظر قيام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلي الأردن هي الأولي منذ خمس سنوات وكذلك تبادل سوريا ولبنان افتتاح السفارات في دمشق وبيروت لأول مرة منذ استقلال البلدين. وإذا كان محورا الاعتدال والممانعة قد واصلا الاستعدادات والترتيبات لقمة الدوحة فإن المؤشرات لا تقدم حسما لاتمام تلك القمة وما إذا كانت جهود اللحظات الأخيرة ستقود إلي المصالحة أم ستقود إلي المواجهة؟ وتبدو عدة عناصر ستحدد اتجاه القمة القادمة وهي علي الترتيب: نجاح الفصائل الفلسطينية في التوصل إلي إتفاق للمصالحة. وإذا تم التوصل إلي اتفاق سيكون ذلك ورقة قوية في يد مصرتذهب بها إلي القمة أما إذا فشلت الفصائل في التوصل إلي اتفاق فقد لا تذهب مصر أساسا إلي القمة بتمثيل رفيع. وتكتفي بتمثيل محدود وبالتالي ستشهد القمة مواجهة حول من أفشل اتفاق المصالحة الفلسطينية، وبالطبع ستكون الاتهامات موجهة لإيران وسوريا علي وجه الخصوص. دعوة إيران للمشاركة في القمة ستحدد أيضا مصير هذه القمة ومشاركة مصر ومحور الاعتدال إذ يحق لإيران دعوة ضيوف ولكن المشاركة في أعمال القمة يخالف ميثاق الجامعة العربية وهو ما سيؤدي إذا حدث إلي حدوث انقسام عربي يسبق القمة.. أي مسألة دعوة رئيس فنزويلا هوجو شافيز للقمة فينظر إليه علي أساس أنه شو إعلامي، للتضامن بين الدول العربية وفنزويلا. ثم تأتي مسألة الموقف من قضية محاكمة البشير لتثيرمشاكل مسبقة أمام القمة في ظل انقسام عربي حول تلك القضية صحيح أن أيا من الدول العربية والزعماء العرب لم يعلن تأييده لمحاكمة البشير إلا أن هناك اتجاها عربيا يدعو لعدم الصدام مع الشرعية الدولية وضرورة التجاوب معها لدعم المطالب العربية أمام الشرعية الدولية وهو نفس الانقسام الذي حدث سابقا في كيفية التعامل مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء أزمته مع الولاياتالمتحدة وكذلك الموقف مع ليبيا والرئيس معمر القذافي أيام فرض الحصار علي ليبيا وقبل إنهاء أزمة لوكيربي. وأخيرا هناك الموقف من المحكمة الجنائية الدولية التي بدأت بالفعل في لاهاي والخاصة بمحاكمة المتهمين في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري وخوف بعض الدول العربية من أن تتحول إلي محكمة سياسية لها وفي المقدمة سوريا وبالتالي فقد يطرح علي القمة مشروع خاص باتخاذ موقف جماعي ضد محاكمة البشير ومحاكمة مسئولين سوريين ولبنانيين في قضية ما يحدث في دارفور واغتيال الحريري وعدد من الشخصيات اللبنانية. القمة علي صفيح ساخن وقبل أن تبدأ القمة تبدو الأحوال العربية في أسوأ أوضاعها والانقسامات علي أشدها ويزيد من خطورة الموقف أن في إسرائيل حكومة يمينية متطرفة قادمة وهناك أيضا انقسام عربي حول كيفية مواجهة هذه الحكومة المتطرفة ما بين اتجاه يري العمل علي كشف تلك الحكومة وعزلها دوليا بالتمسك بخيار السلام العربي ومحاولة استخدام طرق الشرعية الدولية المختلفة لمحاكمة قادة إسرائيل علي عدم تنفيذ قراراتها بل وطلب محاكمتهم علي جرائم الحرب التي ارتكبوها وبدا المجتمع الدولي يضطلع بها واتجاه آخر متشدد يري ضرورة مواجهة إسرائيل ببرنامج متشدد متطرف بسحب مبادرة السلام العربية وإنهاء كل صور التطبيع والاستعداد لمواجهة شاملة ردا علي الحكومة الإسرائيلية المتطرفة. ولا تبشر هذه الأجواء علي أية حال بأن ينجح العالم العربي في الاتفاق علي استراتيجية موحدة وهو ما يتطلب معجزة لتوحيد الموقف العربي حتي ولو علي طريقة خطوة خطوة، ولكن مع توالي المشاكل والأزمات وآخرها أزمة محاكمة البشير فيبدو أن طريق المصالحة يبتعد ويدخل العالم العربي إلي نفق مظلم جديد!