انه من المتعارف عليه في العلوم السياسية ان الادوار للافراد وللدول تعتمد علي اربع ركائز اساسية، أولاها: الموقع الاستراتيجي او القدرات الذاتية للافراد وهذا الموقع يمكن ان يتحول الي نعمة او عكس ذلك، ثانيها: الموارد البشرية بما في ذلك القيادة والكوادر والمثقفون والعلماء والمبدعون بل حتي الافراد العاديين فلكل منهم دوره ومسئوليته، وثالثها: الموارد الاقتصادية سواء كانت موارد طبيعية او موارد مكتسبة من صناعة وزراعة وتكنولوجيا، ورابعها: المعرفة التكنولوجية والابداعات والابتكار والتي تحولت الي صناعة بالغة التطور والتقدم حتي انه يقال ان عصرنا الراهن هو عصر المعرفة. وان القاء نظرة علي الدور المصري من هذه الركائز الاربع يظهر لنا ان هذا الدور مستمر ومتجدد ولكن التعبير عن هذا الدور او بالاحري تجليات هذا الدور قد تختلف من مرحلة لاخري وفقا لطبيعة المرحلة. ان متابعة نشاط مصر السياسي والدبلوماسي علي الاصعدة العربية والاقليمية والدولية لحشد الموقف الدولي لصالح ادانة العدوان الاسرائيلي ووقفه، وان متابعة نشاط مصر في ازمة العدوان الاسرائيلي علي غزة يظهر ثلاث حقائق. الاولي: ان مصر ادارت الازمة باقتدار رغم ما ظهر علي السطح، مما اطلق عليه البعض بتراجع الدور المصري ويتجلي الاقتدار في ثلاث مظاهر، أولاها: الدعوة لوقف اطلاق النار اي وقف العدوان، وثانيها: التقدم بمبادرة تبناها بعد ذلك قرار مجلس الامن 1860، وثالثها: متابعة تنفيذ القرار. الثانية: ان مصر لم تعمل علي الجبهة الاسرائيلية وانما ايضا علي جبهة الفصائل الفلسطينية، وقد استجابت هذه الفصائل للدعوة المصرية وكانت اول جلسة حوار فلسطيني فلسطيني تتسم بالصراحة والوضوح. ولعبت مصر دورا فاعلا في تقريب وجهات النظر، وفي دق جرس الانذار ضد اراقة الدماء الفلسطينية بايد فلسطينية وضد مخاطر الاستمرار في الصراع والانقسام بين الفلسطينيين، وقد استجابت الفصائل الفلسطينية جميعا لذلك ونأمل ان يكلل هذا الحوار بوفاق وطني حقيقي الثالثة: الدعوة لمؤتمر اعمار غزة وتقوية الاقتصاد الفلسطيني في شرم الشيخ وقد استجابت دول العالم لذلك وحضرت اكثر من 70 دولة من بينهم حضور امين عام الاممالمتحدة والرئيس الفرنسي ساركوزي ووزراء وشخصيات بارزة من معظم دول العالم فضلا عن معظم الدول العربية. هذه الحقائق تؤكد ان الدور المصري هو دور رائد وهو دور مستمر ولم يتراجع الفارق الرئيسي بين الدور المصري الان والدور المصري في مراحل سابقة هو ان دور مصر في السابق كان يطرح شعارات قومية تلقي تأييدا جماهيريا وتدغدغ مشاعر الجماهير وتستجيب مع مرحلة التطور العالمي في الخمسينيات والستينيات ومع الظروف الدولية حيث مناهضة الاستعمار ووجود الكتلتين والحرب الباردة بينهما وبروز عدم الانحياز. في حين ان دور مصر في المرحلة الراهنة يعتمد في الاساس علي القوة الناعمة الفاعلة، انه قوة التفاوض والاقناع، قوة التجاوب مع المتغيرات الدولية وفهم الحقائق الموضوعية للقوة الذاتية ولقوة الخصوم، ان عالم القرن الحادي والعشرين ليس به حركة عدم الانحياز فقد انتهت صلاحيتها بعد سقوط الكتلة الاشتراكية وليس به مناهضة الاستعمار بصورته التقليدية بعد انتهاء هذه المرحلة واستقلال الدول ما عدا فلسطين، وليس به مناهضة الاستعمار الجديد في صورة الشركات متعددة الجنسيات بعد ان تغير شكل الاقتصاد العالمي وحرصت جميع الدول علي جذب الاستثمارات الاجنبية. ولا نقول ان عالم القرن الحادي والعشرين انتهي فيه الصراع بل سوف يستمر الصراع للابد لانه سنة الكون والوجود ولكن ادوات الصراع واشكاله اختلفت تحول الصراع علي المستعمرات الي صراع علي الموارد للاستثمار وتحولت الشركات متعددة الجنسيات التي كان ينظر اليها انها ادوات الاستعمار الي شركات تسعي الدول لاجتذابها باعتبارها اداة التنمية والتقدم وتحول الصراع العسكري الي صراع علي الافكار والمبتكرات وان لم يختلف الصراع العسكري تماما وتداخلت مفاهيم الامن الدولي مع الامن الداخلي وتآكل مفهوم السيادة بالمعني التقليدي لصالح حقوق الانسان وحماية الاقليات. ان طرح شعارات تنتمي الي مرحلة غير قائمة يعني الجمود والقصور الذاتي فلكل مرحلة مبادئها وسياساتها ومفاهيمها، وهذا ما تفعله مصر الحالية وان كانت تحتاج لمزيد من النضج ومزيد من استخدام الموارد الاستخدام الامثل وتعزيز مراكز البحث والفكر ليكون لها دور اكبر في صنع القرار ومزيد من احترام حقوق الانسان ليشعر كل مواطن بان الحكومة هي حكومته وان ارادته وصوته الانتخابي موضع احترام. نقول ان مثل هذه المطالبة ضرورية وتحقيقها واجب بل من اولي الواجبات ولكن لا يمكن تصور انتهاء دور مصر او تراجعه الا اذا كان الجمود يسيطر علي عقولنا ولا يستطيع رؤية الشمس ولعل اجتماع شرم الشيخ لاعمار غزة ونجاحه في حشد مشاركة اكثر من 70 دولة وتقديمها تعهدات جديدة باكثر من 5.4 مليار دولار خير دلالة علي قوة الدور المصري في هذه المرحلة وفعاليته، ولقد كان خطاب الرئيس مبارك في هذا المؤتمر واضحا في التأكيد علي ان ملايين الدولارات لن تعوض شعب غزة فقدان الاعزاء عليهم وان الاعمار لابد ان يسير جنبا الي جنب مع وجود افق سياسي لتسوية المشكلة الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية وتأكيده علي اهمية حكومة وفاق وطني وضرورة فتح المعابر وتحقيق الاعمار ان مباديء مصر هذه وطروحاتها ومواقفها هي التي ادت الي توتر علاقات مصر بأمريكا طوال عصر الرئيس جورج دبليو بوش ولكن مصر لم تغير موقفها بل اصرت عليه وجاء عصر جديد في امريكا يبدو انه اكثر تفهما وعلينا ان نعطيه الفرصة وان يظهر الفلسطينيون موقفهم بوضوح وان يوحدوا صفوفهم وكلمتهم وان يعملوا يدا واحدا وقلبا واحدا بدلا من طرح شعارات تعبر عن اجندة قوي غير فلسطينية او شعارات يعرف الجميع انها تكاد تكون مستحيلة ولن تحقق سوي مزيد من الآلام والمعاناة لشعب فلسطين.