في الثانية بعد منتصف الليل تقلب الزوج في فراشه عدة مرات، مد يده ليتحسس زوجته الراقدة بجواره، لم يجدها. كانت الزوجة ذات الثامنة والأربعين عاما واقفة علي حافة السرير تتحسس زوجها النائم في الظلام يساعدها في ذلك ضوء القمر الذي يخترق نافذة الحجرة. أصابه الذعر فقد كانت عيناها تنضح بالغضب والكراهية.... اعتدل في جلسته وهو يستجمع قواه، قال بصوت مرتعش : - لماذا تقفين هكذا ؟ - لا شيء يبدو انك تحلم، استيقظت لأحضر كأس ماء. لقد ظن أن زوجته قد تخلت عن هذه العادة الرذيلة منذ سنوات، عادة لمس الجسد لتتعرف من خلاله علي أحوال صاحبه. كان لديها يقين أن أسرار البشر تنضح علي جلودهم، وأن الحياة الخاصة دائما تأتي بمفاجآت، كانت تتمتع بتلك الحاسة منذ كانت طفلة، وقد اكتشف ذلك عندما كانا في أوج نشوتهما أثناء ممارسة الحب لأول مرة، فقد توقفت فجأة ودفعته عنها وطلبت منه أن يفرد جسده، فظن أنها تريد أن تعلمه شيئا من فنون الحب لم يكن يعلمه... فوجئ بها تتحسس بكفيها كل جزء من جسده وتضغط عليه. أدرك أن هناك شيئاً غريباً.... قالت له: - يجب أن تذهب غدا إلي الطبيب. في مساء اليوم التالي، شعر بألم يعصر معدته، ذهب للطبيب الذي شخص الألم علي أنه قرحة في المعدة. كانت تتحسس كل إنسان تربطه بها صداقة أو قرابة أو جيرة، امرأة، رجل، طفل..... وقد تسببت أفعال زوجته في إحراجه أمام الجميع. في إحدي الليالي، أثناء الاحتفال بخطبة ابنة عمه.... ذهبت إلي خطيبته، تحسستها وقالت لها: - جسدك مضمغ بسائل رجل آخر.... اغتسلي قبل أن يشم خطيبك رائحته. سمعها الخطيب، فسخ الخطبة وكانت فضيحة لا يمكن وصفها. مرة أخري، ما إن استدارت بطن زوجة أخيها.... رفعت عنها تنورتها وأخذت تتحسسها، امتقع وجهها ولم تنبس ببنت شفة، بدأت الهواجس تنتاب الجميع. في اليوم التالي أجهضت الزوجة.... جاءها أخوها وقال لها بتهديد ووعيد: - سأكسر قدمك إذا تخطيت عتبة بيتنا. ذهبت إلي زوجها، أحاطت خاصرته بيدها وارتمت في صدره وقالت له : - هذه لعنة.... ابتليت بها... لا أعرف كيف أتخلص منها... لقد جعلت الطمأنينة تفر من جسدي وتوشك أن تدمي حياتي. من يومها وهي تلتزم بيتها... ربطت أنامل يديها بعصبة سوداء خشنة حتي لا تتحسس أو تلمس أحد. حاولت مرة أن تفك قيودها أثناء نومها معه، لكنه نهرها فأحست بإهانة شديدة وامتنعت عنه شهوراً، أصبحت الحياة بالنسبة له غموضا دائماً، فثمة أسئلة كثيرة عن حاسة اللمس عند زوجته ظلت بلا أجوبة..... فأفعالها تأتي دائما متسمة بغرابتها، لكنه كان يوقن بأنها تري الحقائق التي لا تنكشف للآخرين إلا في أوقات خاصة... مع سكرات الموت. في بداية الأمر تصور أن الزوجة لديها حدس يجعلها تري ما وراء الأشياء، لديها شفافية ليست لدي الآخرين، لكن عندما أصبح هذا الحدس يأتي بأشياء غير سارة تثير الحزن والفضائح، أصبحت شفافيتها هذه ملعونة، واستسلمت في النهاية لمصيرها المحتوم كحاملة شر، أما بالنسبة لزوجها فقد وجد نفسه يعاني من آثار هذه اللعنة التي تلبست زوجته، فقد تسربل في الظلام واكتهل في صمته، وأصبحت ذكريات الماضي الجميلة خيالات غائمة في الذاكرة. وقد زاد من حظه العاثر، الابنة التي حملت بها زوجته والتي كانت تصدر أصواتا وهي في رحم أمها.... فقد استيقظ في إحدي الليالي علي صراخ يشبه صراخ طفل، فلم يجد إلا زوجته راقدة بجانبه تتحسس بطنها، التفتت إليه وقالت : - إنها الطفلة... ظن أنها تهذي وأكمل نومه. ولدت الطفلة في يوم خريفي، في عامها الخامس، كانت تقول لأمها أنها تسمع صوت المطر قادما فيسقط المطر بعد دقائق.... إنها تسمع صوت أشياء تحرق في النار..... فيشب الحريق في البيت المجاور بعد ساعة. لقد أدرك أن لعنة جديدة أصابت ابنته... أنها حاسة السمع التي تجعلها تسمع أصوات الأشياء قبل حدوثها، تسمع فقط أصوات الكوارث.... قرر أن يحبس الطفلة في المنزل لا خروج ولا دخول. ذات صباح أيقظت الطفلة أمها من النوم وقالت لها : - إني اسمع صوت نباح كلب. طمأنتها أمها وقالت لها : - نحن في مأمن، لن يستطيع الكلب دخول بيتنا فالنوافذ والأبواب مغلقة. في مساء نفس اليوم، عندما خرج الأب... لم يحكم إغلاق باب البيت، لقد كان في عجالة من أمره.... بعد مرور عشر دقائق من خروج الأب، سمعت الأم صرخات ابنتها، رأتها منزوية في ركن الحجرة تصرخ وتكاد تموت من الخوف والرعب. بعد عدة أيام كانت الطفلة تصدر حركات مثل الكلب المسعور، عندما ذهبا بها إلي الطبيب قال لهما : - إن كلباً مسعوراً قد عضها وأنه لا مجال لإنقاذها فقد تأخرتما. ماتت الابنة بعد ثلاثة أيام. مرت سنوات طويلة علي هذا الحادث وها هي زوجته بعد سنوات تحاول أن تمارس عليه لعنتها. شعر بالخطر يقترب منه هذه المرة، حاول الابتعاد عنها، نجح في أن يتفادي لمسات كفيها، كانت تنظر له نظرات حارقة، تجعله يرتبك ويحاول أن يخفي خوفه من أن تكتشف أمره. كان الإرهاق والتعب في كل مرة يهزمه أمام إصرارها علي تحسسه وتلمسه، لم تجرؤ علي البوح له بما تتنبأ به، ولم يمتلك الجرأة أن يعترف لها. لقد بدأت تمسك بخيط سيوصلها إلي شيء ما، وزاد من يقينها هذا أن زوجها أصبح يتحاشي نظراتها، يتجنبها في الفراش، لا ينتبه لكلامها، دائم الشرود، يتسربل بهدوء لم تعهده فيه من قبل. بعد انقضاء عدة أيام، بدأ يفقد قوة السيطرة علي أعصابه، في خاتمة المطاف قرر أن يستسلم ويبوح لها بكل شيء وهو يعلم أن ذلك سيؤدي إلي درب محفوف بالمخاطر، لكن ماذا يفعل وقلبه يشي به ويدفعه إلي كرسي الاعتراف، حتي لو أدي ذلك به أن يمسك الحطب ليلقم النار التي قد تحرقه، لكنه يريد أن يزيح هذا الحجر الثقيل الذي يجثم علي روحه، يريد أن يطرد الهم الذي ينداح بداخله، لقد كانت لمسات أنامل زوجته كالأشواك المتوهجة علي أضلعه، تنغرس فيه وتدمي جسده. ودونما جهد عرفت منه، انه يفكر في الهرب منها مع أخري، وقد رتب كل شيء.... لكنه في اللحظة الأخيرة قرر الرجوع عن ذلك.... قرر البقاء معها هي، رغم المعاناة التي تكتم أنفاسه. استمعت إليه دون أن تعلق علي شيء، أثناء اعترافه لها، كانت تفك العصبة السوداء من علي أنامل يديها، بدأت تتحسسه، تتلمسه، تضغط عليه بقوة كلما تمادي في اعترافاته.... في تلك الليلة، أدرك أن لعنة الالتصاق بها والعيش معها قد أصابته منذ زمن بعيد وهو لا يدرك ذلك، وأن روحه معلقة بخيط لعنتها.... انتابته نوبة من البكاء واستسلم لها.