يصعب علي اي منصف ان يحاسب الفيلم الاماراتي "حِنا" بالقواعد والمعايير النقدية التي يطبقها علي بقية الافلام السينمائية والا يكون متجنيا كثيرا فالفيلم يعد الروائي الطويل الأول لمخرجه وكاتبه صالح كرامة بعد سلسلة من الافلام القصيرة، والامر الثاني ان "حِنا" يمثل محاولة جادة لصنع سينما خليجية تبحث لنفسها عن مكان لصنع سينما خليجية تبحث لنفسها عن مكان وتواجه صعوبات كثيرة في هذا الصدد علي رأسها العادات والتقاليد التي تجعل العثور علي امرأة لتجسد الشخصية النسائية ضربا من الجنون! من هنا لم يكن بمقدورنا بعد مشاهدة العرض العالمي الاول للفيلم سوي الترفق به وبأسرته خصوصا بعدما علمنا انها المرة الاولي التي تقف فيها بطلة الفيلم التي تحمل اسم غزال، وجسدت دور "علياء" امام الكاميرا، وعلي الرغم من هذا ادت الدور ببراعة ومصداقية ونجحت في توصيل شحنة من الشجن والحزن الدفين، الذي يوحي بمأساة انسانية بكل معني الكلمة، ودون ان تدري قالت بصمتها ماتعجز عنه كل جمل الحوار، وربما لهذا السبب تملكني الشعور طوال مدة عرض الفيلم ان شيئا ما حال دون ان تكون "علياء" هي بطلة الفيلم ومحور احداثه وليست الطفلة "حِنا". ومع تتابع مشاهد الفيلم وتوالي الاحداث والمواقف، تأكد لدي هذا الشعور حتي صار يقينا، فالبطلة هنا هي الام التي طلقها زوجها ولم يستفض السيناريو في ذكر الاسباب، وان بدا ان اصابتها بمرض الصرع كان مبررا كبيرا في تصدع العلاقة بين الزوجين، ومن ثم كان عليها ان ترعي ابيها الكهل وطفلتها "حِنا" التي تعيش في كنفها وتصر علي تعليمها متحدية الفقر، وشظف العيش، والبيئة البدوية التي لا يجد رجالها ما يفعلونه فيها سوي الثرثرة علي المقهي، ففي شخصية "علياء" كل مقومات الشخصية الدرامية التراجيدية ولهذا تصورت ان السينما الخليجية تسير علي خطي السينما الايرانية التي تجعل من اطفالها ابطالا ربما لتصرف انظار التيار الديني المتشدد وتنجح في تمرير الفيلم برمته وهذا ما فعله صالح كرامة عندما صدر لنا "حنا" من دون ان يجعل منها محورارئيسا في الاحداث، واكتفي بتقديمها كطفلة في مدرسة تصطدم بالمدنية التي لا تعرفها في قريتها، عندما تذهب مع مدرستها في رحلة الي احد "المولات" العصرية الضخمة في الامارات وهي المقابلة الوحيدة ذات المغزي والاهمية في الفيلم بين الاصالة والمعاصرة والهوية والتغريب، فالتناقض الذي اراده المخرج او الانفصال بدلا من التزاوج، بين القديم والجديد او الاصيل والوافد، لم يتضح كثيرا في شخصية "طارش" الحطاب الذي هبط القرية، بجمليه، لزيارة شقيقه "أبو راشد" والد "ْعلياء" وجد "حنة"، بل يمكن القول بدون تجن ان ظهور هذه الشخصية اثقل كاهل الفيلم، وافسد ايقاعه حيث بدا "طارش" كما لو كان معتوها او مخبولا، بسبب ثغرة كبيرة في كتابة الشخصية من ناحية والاداء التمثيلي السييء للرجل الذي اختير لتجسيدها، وفي الحالين تقع المسئولية علي المخرج الذي كتب السيناريو ايضا وحتي مشهد سرقة الصبيين في القرية للجملين لم يكن مبررا ويتناقض مع اخلاقيات وعادات القرية التي اكد عليها الفيلم في مشهد اجتماع شيوخ القرية وكبارها علي المقهي او اثناء اقامة مأدبة الترحيب بقدوم "طارش" ويبدو ان المخرج وجد نفسه في مأزق حرج هو الآخر فلم يجد بدا من اعادة الجملين من دون ان ندري مصير السارقين اللهم الا هروبهما في مشهد هزلي، والحال نفسه من غياب المنطق والمبرر في تفويت الفرصة لاستثمار شخصية العجوز البدوية "مطرة" التي افترشت الشاطيء في انتظار زوجها واولادها الغرقي عساهم يعودون اليها، وكان بمقدور المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو، ان يجعل من هذه الشخصية عنصر جذب واثارة وتشويق، ويحملها بكل الدلالات الرمزية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بوصفها الشخصية التي لابد أن تلمس وترا بل جرحا لدي كل مشاهد للفيلم يعصف به شعور الافتقاد للاحباب والحنين الي المجهول وانتظار ما لا يجيء ففي الشخصية مقومات المأساة التي ترفع من اسهم الفيلم وتضيف لرصيده لكن شيئا من هذا لم يحدث وبدد المخرج ورقة رابحة كما فعل في مشهد اعتلاء الصبيين للجملين، بعد سرقتهما اذ ظهر الصبيان وكأنهما عرّيا القرية وتعرفا علي ادق تفاصيلها بعدما بدت القرية وبيوتها وفضاءاتها مكشوفة لهما وهما فوق الجملين، واغلب الظن ان التقاليد الصارمة التي انتج فيها الفيلم والعادات المتزمتة التي تحكم صناعة قد كبلت يد وعقل المخرج فلم يوظف المشهد بالصورة المنتظرة والتي تجعل منه عالميا، سواء في لغته السينمائية او توجهه الانساني، فمشهد كهذا لا يصلح سوي لاعتباره فرصة للتلصص علي هذا المجتمع وتعرية علاقاته "التحتية" وفضح "المسكوت عنه" تحت ستار العادات والتقاليد ولو فعل المخرج صالح كرامة لقدم مشهدا غير مسبوق في رسالته او عمق وطزاجة وجدة تنفيذه علي الشاشة. من هنا نعيد القول ان انتاج فيلم "حِنا" في ظروف كالتي يعيشها المجتمع الاماراتي خطوة تستحق الثناء والتشجيع وغض الطرف عن هنات كثيرة واكبت التجربة خصوصا بعد اعتراف المخرج في الندوة التي اعقبت عرض الفيلم بانه مول الفيلم من جيبه الخاص وبدعم من اصدقائه وعدد من المقربين، وهي فرصة ايضا لنشير الي الدور الذي لعبته بعض العناصر الاجنبية في خروج الفيلم للنور مثل كونراد كلارك في المونتاج وراكال فيرناندز في التصوير وهي اشارة واجبة للتأكيد علي ان السينما الخليجية آتية لا ريب فيها لكن تُري ما الذي يدعو ابناءها للاستعانة بعناصر فنية اجنبية وليست عربية؟!