أعترف بأنني لا أعرف المناهج التي يدرسها الطلبة في كلية الإعلام وأقسام الصحافة والتي تدفعهم للقيام بعمل رجال المباحث هناك طفل غائب, فقدته أمه في ظروف لم تكن واضحة لنا فلجأت لصحفية نشطة في جريدة مستقلة, ولأن الصحفية ذات ضمير يقظ قررت أن تتفرغ للبحث عن هذا الطفل الذي اختفي منذ عام ونصف. لم تكن وحدها, ساعدها في ذلك عدد من المحررين الذين يعملون معها, واحد منهم ذهب متخفيا إلي منطقة عشوائية في الغالب بناء علي سابق معرفته بأن بعض البلطجية المتخصصين في خطف الأطفال وتشغيلهم يسكنون هذه المنطقة , غير أنهم شكوا في أمره فقبضوا عليه وأوسعوه ضربا واستولوا علي تليفونه المحمول ومبلغ خمسة عشر جنيها كانت معه ومن حسن حظه أنهم تركوه حيا. ويبدو أنه تصور أن ماحدث له من احتجاز غير قانوني وضرب وسرقة, هي أمور من لوازم مهنة الصحافة لذلك لم نر في المشاهد التالية أنه أبلغ الشرطة بما حدث له, لقد اكتفي بإبلاغ زميلته أمينة التي تقود حملة البحث عن الطفل, أخبرها في تعاسة وبصوت باك: ضربوني يا أمينة وسرقوا مني المحمول وخمستاشر جنيه, ولم نعرف ماذا قالت له أمينة, ربما قالت له, معلهش يا حبيبي.. كله يهون عشان السلطة الرابعة. غير أن أمينة إيمانا منها بأن زميلها قليل الحيلة والخبرة وربما عبيط أيضا قررت هي أن تخوض التجربة بنفسها, تجربة أن تتنكر في هيئة شابة غلبانة وضيعة المنشأ لها أب في السجن وتقتحم الحي العشوائي بنفسها لكي تواصل بحثها عن ذلك الطفل المختفي, ويشك فيها رؤساء العصابات في الحي بالطبع غير أنها تتمكن من إقناعهم بإنها بالفعل إبنة فلان المسجون وهو الأمر الذي يستحيل إثباته بغير أن تساعدها جهات أمنية وهو ما لم نشاهده علي الشاشة. سأكتفي بهذا القدر وأنا واثق أن البطلة في نهاية الحلقات ستتمكن من التعرف علي خاطفي الطفل وربما علي بقية رؤساء عصابات خطف الأطفال في الشرق الأوسط, وهنا فقط سيظهر رجال الشرطة والمباحث ليلقوا القبض عليهم جميعا. أعترف بأنني لا أعرف المناهج التي يدرسها الطلبة في كلية الإعلام وأقسام الصحافة والتي تدفعهم للقيام بعمل رجال المباحث, وهل هم مدربون علي التنكر وإجادة لهجات أولاد الشوارع ومصطلحاتهم أم لا. أنا علي يقين من أنهم لا يدرسون لهم هذه المسائل, وبالتالي لابد أن هذا الصحفي كان طالبا في كلية الشرطة , قسم التنكر, ثم خرج منها لسبب ما.. ولكن ماذا عن أمينة.. هل هي تهوي التمثيل غير أنها لظروف خارجة عن إرادتها التحقت بالصحافة؟ ثم هل يتخيل المؤلف أن هناك جهة أمنية ستوافق لها علي أن تقوم بهذا الدور وتساعدها بالضغط علي الأب المسجون لكي يعترف بأنه والدها بالفعل, هل تضمن هذه الجهة ألا يتكلم الأب المجرم في السجن أمام زملائه فتصل الحكاية إلي رؤساء العصابة؟ وماذا يحدث لهذه الصحفية إذا تدخلت الصدفة وكشفتها أمام العصابة؟ ماذا لو تعرضت للاغتصاب أو القتل, من يتحمل مسئولية ذلك؟ إن رجال الأمن بوجه عام يكرهون الهواة في البحث الجنائي, الواقع أن الهواة يشكلون خطرا كبيرا في كل المجالات التي تتطلب الاحتراف وفي مقدمتها الكتابة للشاشة الصغيرة والكبيرة. فكرة المؤلف عن الصحافة مستمدة من الدولة السلطوية, هي سلطة تابعة للدولة وليست تعمل عند الرأي العام, وبما أن أقوي السلطات في الدولة السلطوية يمثلها رجال الأمن لذلك هو يخلط بين دور المخبر الصحفي والمخبر الأمني ويتصور أن عملهما واحد. هي فكرة قديمة عن صحافة قديمة كان الصحفي يتنكر فيها علي هيئة شحات مثلا ليكتب موضوعا عن الشحاتين في حماية مخبرين سريين يتابعونه من بعيد حتي لا يتعرض لخطر ثم يعود ليكتب موضوعا مدعم بالصور الفوتوغرافة يقول فيه : ياه .. ده الشحاتين بيكسبوا كتير قوي .. ده أنا شحت 200 جنيه. أو يتنكر علي هيئة مريض في القصر العيني ليكتب موضوعا عن الإهمال في علاج المرضي غير أنه في كل الأحوال لا يعرض حياته للخطر. ستلاحظ أنه لا أمينة ولا أحد من العاملين معها ولا رئيس التحرير تعكس أبعاده الشخصية درجة ما من الثقافة تستلفت نظر المشاهد لسبب بسيط هو أن المؤلف لم يكن جادا عندما قرر أن يكون ميدانه هو الصحافة. غير أنه بالفعل من غير قصد أوضح فكرته عن الصحافة أو الإعلام بوجه عام, ولعل أوضحها هو أن العاملين فيها أدواتهم الأساسية هي الإخفاء والتمويه وإجادة التمثيل علي الآخرين للوصول إلي هدف لا شأن له بالإعلام. الواقع أن الخبث والتآمر والكراهية لها نصيب كبير في كل تمثيليات التليفزيون هذا العام. والشر فيها يصول ويجول منتصرا طول الوقت مؤجلا سيادة الخير إلي الحلقة الأخيرة. والأخيار مساكين غلابة وضعفاء في حالة انتظار دائم لرحمة الله التي ستنقذهم من الأعداء الأوغاد في نهاية الحلقات. وحتي عندما يلجأ رجال الأمن للتنصت علي أحد الأشرار فهم يلجأون لموظفة قريبة منه لكي تمثل عليه دور الصديقة, فتضع له جهاز تصنت في السيارة, لو أن المؤلف اهتم بموضوعه لعرف أنه من الممكن التصنت من خلال جهاز التليفون المحمول لأي شخص وهو مغلق. ولو أن معلوماته الأمنية علي المستوي المطلوب لكاتب دراما لعرف أن رجال الأمن لهم طرق أخري في العمل, من المستحيل تكليف شخص لهذه المهمة بغير تدريب طويل يتفق مع ميوله وطبيعته أصلا.