يعرف المتعاملون في السوق مااصطلح علي تسميته بمواصفات الجودة؛ بمعني أن تتوافر في السلعة المقاييس التي تجعل منها صالحة للتداول بين المواطنين، وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض إلي الفيلم السينمائي بوصفه سلعة ولصناعة السينما بأنها تجارة فوجيء جمهور السينما بشركة مياه غازية تروج لمنتجها باعلان اجتمع فيه عدد من المطربين والمطربات العرب، وبدلاً من أن تكتفي باذاعته بالطرق المعتادة اهتدت إلي فكرة "عبقرية" تمكنت خلالها من تحويله إلي شيء أطلقت عليه فيلماً سينمائياً، بل وأقامت له عرضاً خاصاً في إحدي دور العرض بالقاهرة حرصت علي حضوره هيفاء وهبي التي روجت الدعاية أنها بطلة الفيلم مع وائل كافوري وكارول سماحة والإماراتية رويدا المحروقي والتونسي أحمد الشريف!! المفاجأة أن ما أطلق عليه "فيلم موسيقي استعراضي" لم يكن سوي مجموعة من "الكليبات" الإعلانية يظهر فيها المطربون وهم يغنون ويتراقصون، وفي الخلفية منتج شركة المياه الغازية أو يمسكون بالسلعة أو "العلبة" في أيديهم، وبقدرة قادر تم الاتفاق مع كاتب سيناريو يدعي ديكلان أوبريان لربط "الكليبات" بفكرة تدور حول شاب يعيش في بلدة ساحلية، أختير لها أن تكون لبنانية، يساعد والده في ادارة اعمال العائلة، وفجأة يقرر بالاتفاق مع شقيقته وجده، تنظيم مهرجان غنائي بحجة انعاش اقتصاد بلدته التي ارتبط اسمها بالموسيقي والغناء، وفي مفاجأة أخري ليست في الحقيقة سوي صدمة بكل المقاييس يتم اختيار مجموعة من الممثلين المصريين علي رأسهم سعيد صالح وكريم محمود عبد العزيز لإضفاء جدية ومصداقية علي هذا "الشيء" الذي أخرجه أحمد المهدي مخرج "الكليبات"(!) فهل هانت علي السينما إلي هذه الدرجة؟ ولماذا السينما تحديداً التي تتعرض لمثل هذه المهانة من دون أن يحرك أحد ساكناً أو تتدخل الجهات المنوط بها حمايتها للحيلولة دون تكرار مثل هذه الاعتداءات الصارخة والمؤسفة؟ بلهجة لا تخلو من الغضب يقول الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة: "قل لي من صنع الفيلم أحدثك عن مدي جودته"،فالأمر المؤكد أن علامة الجودة عند تقييم أي فيلم سينمائي هم صناع هذا الفيلم وسمعتهم التي سرعان ماتتحول مع الزمن إلي "ماركة مسجلة" تعني الثقة فيهم وفي كل مايصدر عنهم من إبداع، ومثل الإناء الذي ينضح بما فيه فإن في تاريخ الأمم فترات اضمحلال وانهيار تُنتج فنوناً وإبداعاً بل علوماً وثقافة تعكس هذا الانهيار والاضمحلال، وبالتالي لا مجال للقول إن "بحر النجوم" فيلم "بالعافية" بل هو نتاج انحطاط فني، ومجتمع "بيئة" ينتج إبداعاً بالصدفة. وكان يمكن أن نفاجأ أو نُصدم إذا حمل "بحر النجوم" هذا اسم داود عبد السيد أو خيري بشارة مثلاً لكن ماالصدمة في أن يشترك كل هؤلاء الذين ذكرتم أسماءهم في عمل يحمل اسم مخرج يدعي أحمد المهدي ؟ لقد ساد اعتقاد لدي البعض أن مجرد تجميع "كليبات" مع بعضها البعض فيه ضمان أكيد لنجاح العمل، والأيام ستثبت خطأ هذا الاعتقاد. ويقول الفنان الكبيرعزت العلايلي بحسرة: لقد أصبحنا نعيش في زمن من حق أي أحد أن يفعل مايحلو له، وليس من حقنا أن نُمسك له "الخيزرانة" لنهدده أو نعاقبه؛ ففي مقدورنا أن ننظر إلي تجربة "بحر النجوم" علي أنها "ناس بتهزر" بدأوا بعمل "فيديوكليب" ثم "طلعت في دماغهم" أنهم يجعلوا منه فيلماً في استغلال واضح لغيبة وسلبية الجهات المعنية، سواء في غرفة صناعة السينما أو أجهزة وزارة الثقافة. وماحدث ليس فيه أي نوع من الصدمة بل يعكس مدي الانحدار والهزل والانحلال والتدهور الفني الذي لم نصل إليه من قبل. ودعوني أتساءل :ما دور الرقابة وغرفة صناعة السينما ووزارة الثقافة؟ وأين هي الجهة التي سمحت بخروج هذه المهزلة التي أعفي نفسي من التعليق علي المبرر وراء اشتراك ممثل قدير مثل سعيد صالح فيها وأترك هذا لتقييمه الشخصي وظروفه التي هو أدري بها. وتعلق الفنانة هالة صدقي علي التجربة بنبرة لا تخلو من سخرية فتقول: في الفترة الأخيرة لم يعد للجودة الفنية اعتبار لدينا، وتحولت السينما إلي "سمك لبن تمر هندي"، و"اللي عاوز حاجة يعملها" لكنني ضد أن نطالب بسن قانون يصادر حرية الناس أو يقول لأحد: "انت بتعمل ايه؟.. اقف عندك". ولا أظن أن "بحر النجوم" وجد طريقه إلي دور العرض من دون أن يحصل علي تصريح الرقابة والموافقة الضمنية لغرفة صناعة السينما. والأمر الأكثر تأكيداً أن الكلمة الحسم في تقييم هذه التجربة ستقع علي عاتق الجمهور فلو كُتب لها النجاح فإن هذا يعني بالضرورة أنها لاقت استحساناً وهوي لديه، وإلا ستلقي مصير الأفلام الكوميدية التي كانت "موضة.. وانتهت"؛ فالناس أصبحت أكثر قدرة علي تقييم الأعمال، وليس بمقدور أحد أن يستهين بوعيها أو يضحك عليها بأعمال تافهة أو ساذجة. الخوف من المصادرة، مهما كانت قيمة العمل، هو الهاجس الذي أطل من بين كلمات الناقدة ماجدة خير الله وعبرت عن هذا بقولها: لا يوجد قانون يحاسب أحداً علي تقديم فيلم دون المستوي، والأمر المؤكد أن "بحر النجوم" حصل علي ترخيص الرقابة بالعرض، بعدما رأت أنه لا يمثل مساساً بالدين والسياسة أو يشيع الفاحشة بين الناس أويتعارض مع اخلاقيات المجتمع، وتركت للجمهور وحده الحكم علي التجربة سلباً أو إيجاباً، وحسناً فعلت الرقابة لأنه لا ينبغي لأحد الحجر علي الفن والفنانين؛ خصوصاً أن الجمهور قطع التذكرة وهو يعرف ماهو بصدد مشاهدته كما أن الشركة المنتجة "مش عبيطة" لترصد ميزانية ضخمة من دون هدف، ومقياس جودة الفيلم سمعته والكتابات النقدية الإيجابية عنه. أما تحويل "الكليبات الغنائية" إلي عروض سينمائية فهي ليست بدعة جديدة فقد فعلها عمرو دياب من قبل في كليب "حبيبي يانور العين" التي عُرضت في السينمات،وبعض الجمهور كان يدخل خصيصاً لمشاهدتها (!) وهناك تجربة أخري أكثر التصاقاً بتجربة "بحر النجوم" تمثلت في فيلم بعنوان"القاهرة في الليل" قصة وإخراج محمد سالم وشارك في بطولته نجاة وصباح وشادية وعبد الحليم والمغربي عبد الوهاب الدوكالي وربطت بينهم "حدوتة" عابرة بطولة ثلاثي أضواء المسرح غير أنني لا أظن أن "بحر النجوم" سيكون فرصة لظهور مواهب من أي نوع لكنه خطوة لتنويع موضوعات السينما المصرية بعيداً عن احتكار الفيلم الكوميدي. غرفة صناعة السينما في قفص الاتهام لكن منيب شافعي رئيس الغرفة لديه مايدفع به الاتهام قائلاً : الغرفة ليست مهمتها تقييم الجودة الفنية للأفلام لكنها مسئولية الرقابة التي تسعي لتسهيل مهمة عرض الأفلام وليس منعها إلا في أضيق الظروف. لكنني لم أسمع أو أشاهد الفيلم المسمي "بحر النجوم" فلا أوراق وصلتنا بشأنه، وربما تسلل من الأبواب الخلفية (!) فالأمر المؤكد أن أي فيلم لابد أن يحصل علي تصريح من الغرفة، وما أعلمه أن "بحر النجوم" لم يحصل علي مثل هذا الترخيص (!).