أن جورجيا علي وشك غزو أبخازيا فعلاً. ولكنه قد يعني أيضاً، مثلما يعرف الجميع في المنطقة، أن روسيا علي وشك غزو جورجيا - ك"ضربة استباقية" بالطبع. قبل الحرب العالمية الأولي لم يكن أحد يتخيل أن اغتيال الأرشيدوق فرانز فيرديناند في سراييفو سيتسبب في إشعال هذه الحرب. وقبل أن تطلَق "الطلقة التي سُمعت عبر العالم"، لا أعتقد أن مدينة "كونكورد" (ولاية ماساتشوسيتس) في القرن الثامن عشر كانت تتوقع أن التاريخ سيحتفظ باسمها باعتبارها المكان الذي انطلقت منه "الثورة الأمريكية". وقبل نهاية الأسبوع الماضي، عندما أعلنت وكالة الأنباء الروسية "إيتار- تاس" أن الحكومة الجورجية علي وشك غزو أبخازيا، لم يكن أحد يفكر في أبخازيا مطلقاً. إنني سأبحث إمكانية تحول أبخازيا إلي نقطة انطلاق لحرب أوسع نطاقاً. إذا لم تسمعوا بأبخازيا من قبل، فلا تقلقوا: فأغلب الظن أنها لا تمثل أولوية بالنسبة لكثير من الأشخاص في البيت الأبيض أيضاً؛ ثم إنها ليست حتي واحدة من تلك "الأسئلة المفخخة" التي تطرح علي المرشحين في الحملات الانتخابية، أسئلة من قبيل "هل تعرف اسم الجنرال الذي يحكم باكستان؟". بل علي العكس من ذلك، إذ تصنَّف أبخازيا إلي جانب ناجورنو كاراباخ وداغستان وأوسيتيا الجنوبية، وكل المناطق والمدن والدويلات القوقازية المنسية التي لا يريد أحد أن يفكر فيها كثيراً، والتي تكون بالمقابل مسرحاً لأشياء رهيبة ومروعة أحياناً. ويذكر أن أبخازيا إقليم جورجي أعلن استقلاله عام 1992 وقد تلت هذا الإعلان حرب صغيرة، ثم تطهير عرقي للجورجيين في الإقليم. وقد قامت الأممالمتحدة بمحاولات لصنع السلام، كما جربت جورجيا منح أبخازيا حكماً ذاتياً موسعاً. واليوم، مازالت ثمة عموماً حالة جمود هشة بين جورجيا وأبخازيا، تصبح خطيرة جداً أحياناً. وعادة ما يحدث ذلك عندما يكون جو من هذا النوع مفيداً بالنسبة لروسيا، التي تعد أقرب حلفاء أبخازيا العسكريين والاقتصاديين والسياسيين، والتي لديها مصلحة بعيدة المدي في زعزعة استقرار جورجيا الموالية للولايات المتحدة وللغرب ول"الناتو". وبالتالي، في حين تعلن وكالة الأنباء الروسية أن جورجيا علي وشك غزو أبخازيا، فذلك قد يعني أن جورجيا علي وشك غزو أبخازيا فعلاً. ولكنه قد يعني أيضاً، مثلما يعرف الجميع في المنطقة، أن روسيا علي وشك غزو جورجيا - ك"ضربة استباقية" بالطبع. ولكن، لماذا يقدِم الروس علي فعل ذلك؟ أو حتي علي التلميح إلي أنهم قد يقومون بذلك؟ الواقع أنه من الصعب الجزم بالنظر إلي حالة الغموض التي أصبحت عليها السياسة الروسية. لكن البعض يعتقد أن روسيا بدأت تثير القلاقل في أبخازيا خلال الأسابيع الأخيرة للانتقام من اعتراف منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" باستقلال كوسوفو - أو حتي تكون قادرة ربما علي الضرب بسرعة في حال قرر هذا الأخير خلال قمته الأخيرة تعبيد الطريق أمام جورجيا من أجل الانضمام، الذي دعمه الرئيس جورج بوش. هذا في حين يعتقد آخرون أن التصريحات الروسية الأخيرة، والتي كان بعضها قاب قوسين أو أدني من الاعتراف باستقلال أبخازيا، إنما مرتبطة بتنصيب الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيديف هذا الأسبوع. فربما يريد ميدفيديف أن يثبت مدي صرامته منذ البداية؛ أو ربما يريد شخص آخر أن يظهر مدي صرامته نيابةً عنه. وعلي أي حال، فالثابت هو أن أبخازياً أو روسيا، قامت بإسقاط طائرتين أو ربما أربع طائرات عسكرية من دون ربان خلال الأسابيع الستة الماضية في ما يبدو محاولةً واضحة جدا لإيجاد مبرر للحرب. والحال أن ذلك قد لا ينجح؛ إذ يقول الجورجيون في الوقت الراهن إن لا نية لديهم في إعلان الحرب. ولكن جورجيا تجري بالمقابل انتخابات برلمانية هذا الشهر تحت زعامة رئيس ربما يكون ممتناً لفرصة تجعله يبدو شجاعاً وجريئاً. أما في حال نجح الاستفزاز، أو في حال قامت روسيا فعلاً بغزو جورجيا - الدولة الديمقراطية الصاعدة حليفة "الناتو"، والبلد المساهم بقوات في العراق، والذي تلقي عدة تطمينات أمنية من واشنطن وبروكسل- فسيتعين علي الغرب في تلك الحالة أن يجد الرد المناسب، إن لم يكن عسكريا، فليكن علي الأقل سياسياً ودبلوماسياً. غير أن التوقيت سيئ؛ ذلك أنه إذا كان ثمة الكثير من الأشياء الرائعة بخصوص النظام السياسي الأميركي، فإن واحداً من الأشياء الأقل روعة هو الطاقة التي تمتصها الحملة الرئاسية من الحياة العامة. وعلاوة علي ذلك، فإن الرئيس الحالي "بطة عرجاء" طوال الفترة الممتدة من اليوم إلي يناير المقبل: فهل يستطيع الرد علي غزو روسي لأبخازيا في حال حدوث شيء من هذا القبيل؟ وهل ثمة من هو مستعد للنقاش حول جزء جديد تماماً من العالم؟ الواقع أن جل وسائل الإعلام الأميركية ركزت نهاية الأسبوع الماضي بشكل غير مسبوق علي... الانتخابات التمهيدية في غوام، التي أدلي فيها 4500 شخص بأصواتهم، وفاز فيها باراك أوباما بسبعة أصوات. وبالطبع فإن التوقيت من جهة أخري يعدُ جيداً: وإذا كنتَ تريدُ مهاجمة حليف أمريكي، أو إذا كنت ترغب فقط في زعزعة استقرار حليف للولايات المتحدة وإثارة قلقه، فأليست هذه هي اللحظة المناسبة؟ ربما إذا لم يغتنم الروس هذه الفرصة، فإن أحداً غيرهم سيغتنمها.