جمهور حفل افتتاح المهرجان القومي للسينما المصرية، الذي افتتحت دورته الرابعة عشرة أمس، كان علي موعد مع مفاجأة ضخمة تمثلت في عرض فيلم "حياة فنان" الذي ُصور عام 1954 ولم تستكمل عملية مونتاجه واتخذ قراراً عاجلاً بإنقاذه وخروجه للنور ليعرض في افتتاح المهرجان في إنجاز يحسب لوزير الثقافة، الذي تحمس وتبني المبادرة وأكد علي أهمية التنقيب عن تراثنا السينمائي وترميمه أواستكماله إذا لزم الأمر كما يحسب لصندوق التنمية الثقافية الذي دعم المشروع، والناقد علي أبو شادي رئيس المهرجان الذي حافظ علي التقليد الطيب الذي بدأه الناقد سمير غريب في الدورات الأولي للمهرجان، إبان إدارته لصندوق التنمية الثقافية، حينما كان يصر علي اختيار فيلم الافتتاح من بين الأفلام الكلاسيكية المصرية التي تم ترميمها ، وهاهو "ابو شادي" يضيف إلي هذا النهج ؛فلا يكتفي بالترميم بل يسهم في اكتشاف أفلام مجهولة كانت قيد التصوير أو لم تستكمل لظروف أو لأخري، ومن بينها فيلم "حياة فنان" الذي أخرجه علي فهمي وقام ببطولته : زهرة العلا _ عمر الحريري _ سراج منير _ صلاح نظمي _ حسن البارودي _ عبد المنعم إبراهيم _ ليلي توفيق وأميرة البارودي، وصوره مدير التصوير محمد عبد العظيم في شهور أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من عام 1954. من هنا وجدنا ضرورة في التوقف عند ملابسات العثور علي "حياة فنان"بكل غموضها وإثارتها ؛ففي أثناء عملية جرد "روتينية" لعلب الأفلام السالبة بمخازن شركة مصر للصوت والضوء والسينما (مصر للاستوديوهات والإنتاج السينمائي سابقاً) تم العثور علي عدد من العلب المتضمنة بعض الشرائط الفيلمية للصورة والصوت الخاصة بفيلم "حياة فنان". ومن فحص بعض لقطات الفيلم وجد علي لوحة الكلاكيت بعض البيانات التي تشير إلي أن الفيلم من إخراج علي فهمي وتم تصويره بداية من أغسطس عام 1954. وتبين أن الفيلم كان قيد المونتاج، بدليل أن اللقطات كانت مفصولة كل واحدة عن الأخري، لكن عملية المونتاج لم تكتمل لأسباب غامضة، وبالتالي لم تنته بالوصول إلي مرحلة النسخة النهائية للفيلم كما كان مخططاً لكن الكنز الذي تم العثور عليه كان يتضمن عدد 77 علبة تضم لقطات الصورة السالبة وعدد 44 علبة تتضمن شرائط الصوت السالبة ؛إذ كان من المعروف أن الصوت يتم تسجيله في تلك الفترة علي شرائط صوتية ضوئية Optical Sound Neg. وليس علي شرائط مغناطيسية كما اتبع بعد ذلك. وبالتقدير تبين للخبراء أن أفلام الصورة السالبة تبلغ مدة عرضها ما يصل إلي 400 دقيقة وهو ما يعني القيام بالتصوير السينمائي بنسبة حوالي 1 : 3 إذا قدر للفيلم أن تصل مدة عرضه إلي ساعتين. ولأن تلك العلب سواء للصورة أو الصوت كانت محفوظة داخل مخازن الشركة في ظروف حفظ غير قياسية كان طبيعياً أن تظهر علي بعض شرائط الصورة وأغلب شرائط الصوت ما ُيطلق عليه الخبراء درجة من الحامضية Acidity لكنها لم تصل لحسن الحظ لما يسمي مرض العسل Vinegar Syndrome لكن الأمر استدعي معالجة الشرائط سواء للصورة أو الصوت بطريقة علمية في محاولة لاستخدام بعض منظفات الفيلم الكيميائية Film Cleaner لإيقاف هذا التأثير وإزالته، ومن خلال فحص شرائط الصوت والصورة لوحظ أن الفيلم السالب وهو من نوع الأبيض والأسود أجفا جيفارت ذي جودة عالية للغاية لسببين أساسيين ؛أولهما كفاءة تحميص الفيلم وقتها وثانيهما براعة ومهارة مدير التصوير المشهور محمد عبد العظيم والذي كان ضمن المبعوثين الدارسين الذين أرسلهم طلعت حرب إلي الخارج للتعلم والتدريب تمهيداً لافتتاح ستوديو مصر عام 1935 كما كانت هناك نسبة عالية للغاية تصل إلي ما يقرب من 80% من المشغولات الفيلمية التي تم تصويرها مصحوبة بتسجيل الصوت في نفس الوقت، وهو الأمر الذي يعني التزام المخرج علي فهمي بطبيعة فيلم الاستوديو، وقلة اللقطات المصورة دون تسجيل صوت أو ما يطلق عليها تصوير خارجي. أما المخرج الراحل علي فهمي فهو الأستاذ الجليل الذي تخرج علي يديه العديد من المواهب التمثيلية التي ملأت الساحة بدءاً من الخمسينيات وما بعدها، وهو من مواليد فبراير 1909 .